المحايد/ ملفات
"أردت أن أزوجه وهو صغير كي أفرح بأطفاله قبل أن أموت، وأربيهم بيديّ"، بهذه العبارة بررت والدة طفل عمره أقل من 11 عاماً، تزويجه من فتاة أصغر منه بعام واحد.
ففي شهر يوليو من هذا العام 2021، شغل فيديو زواج الطفل سجاد، وهو من سكان منطقة البلديات شرقي العاصمة بغداد رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العراق.
وكشف الفيديو عن ظاهرة تزويج الأطفال دون 15 عاماً، حيث يعتقد أنه كلما كان عمر المتزوجين أصغر كلما وفر "مزايا أكثر" تقول عنها الناشطة الحقوقية نادية عبد إنها في الغالب مزايا عشائرية تتعلق بالإنجاب والتباهي.
كان ذلك في وقت يمارس فيه المجتمع تزويج القاصرات كتقليد "الفصلية" زواج الدم، الذي ينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بذريعة "الثأر".
وتضيف أن "العشائرية كانت ولا تزال تشجع على تزويج القصر وتشرعنه".
وتشير إلى أن المشكلات التي تترتب على تزويج الأطفال متجذرة في المجتمع العراقي، وخاصة بعدما تحول انتشاره من الأرياف والمناطق النائية والفقيرة إلى المدن الحضرية".
ترى أن هذه المشكلات ليست فقط عندما يكون الشريكان من القاصرين، بل تكون أكبر إذا تزوج رجل طاعن في السن من طفلة، وهو ما صار أكثر شيوعاً في البلاد من السابق.
وتقول إن "الفقر يدفع عددا متزايدا من العائلات نحو أجبار بناتهم على الزواج وترك المدرسة. حيث تضاعفت معدلاته في البلاد بشكل كبير وتحديداً بعد أزمتي داعش وفيروس كورونا".
وزارة التخطيط
وفقاً لأرقام رسمية، فإن ثلاث فتيات يتزوجن دون الثامنة عشرة، من كل عشر زيجات تسجل في المحاكم العراقية. ويتيح القانون العراقي تسجيل هذه الزيجات رسميا في حال كان الزواج بحضور وموافقة والد الفتاة.
وتتوزع هذه الزيجات بين المناطق الحضرية والريفية بشكل متقارب، فنحو 27 في المئة من الزيجات التي تحصل في العراق هي لقاصرات.
وتحتل محافظة ميسان المرتبة الأولى للمتزوجات دون سن الرشد بنسبة 35 في المئة.
وحلّت محافظة نينوى وهي ثاني أكبر محافظة بعد العاصمة بغداد في المركز السابع بين المحافظات التي سجلت أعلى نسب تزويج لقاصرات بلغت 27.1 في المئة، بحسب دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية.
وتشهد نسب زواج الفتيات قبل سن البلوغ في العراق تصاعداً مستمراً، ففي إحصاءات بين العامين 1997 و2004 كانت نسبة زواج الأطفال تقدر بنحو 15 في المئة، إلا أنها ارتفعت إلى 23 في المئة عام 2007، بحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقية الذي أجرته وزارة التخطيط.
وبحسب أرقام دائرة الإحصاء المركزي، فإن فتاة واحدة تتزوج قبل أن تبلغ الخامسة عشرة من بين كل عشر زيجات، وبشكل دقيق بلغت نسبة الزيجات لتلك الفئة 7.2 في المئة، وكانت النسبة المسجلة في المناطق الحضرية 7.4 في المئة، بينما بلغت في المناطق الريفية 6.8، في حين بلغت نسبة زواج القاصرات فوق سن الـ 15، 27.6 في المئة في المناطق الريفية وارتفعت في المناطق الحضرية إلى 28 في المئة.
قيود مجتمعية ودينية
لكن الباحثة الاجتماعية وداد ناجي تقول لموقع إن "الأرقام أكثر من المعلن رسمياً"، لأن الكثير من زواج القاصرات يحدث بشكل غير معلن عنه.
وتضيف، "تتعرض الفتيات اللواتي يرفض أهاليهن الالتحاق بمدارسهن بسبب عادات متوارثة لخطر تزويجهن وهن قاصرات بدرجة أكبر من اللواتي ينخرطن في التعليم المدرسي".
وترى ناجي أن القيود المجتمعية والدينية التي تفرضها الكثير من العائلات على بناتهن كالبقاء في المنزل ومنعهن من الدراسة، كفيلة في دفع القاصرات للزواج والتخلص من الضغوط.
الطاعة والقبول بالتعنيف والحجاب.. وصفة الزواج السريع!
"دائما ما تردد النساء على مسامعي عبارة: تحجبي، المرأة المحجبة تتزوج بسرعة".
تواجه الباحثة العديد من المشكلات التي تتعرض لها القاصرات المتزوجات في الوقت الراهن بحكم عملها.
وتعتقد أن تزويج القاصرات يتزايد فيه تعرض الفتيات للعنف، وإن كثيراً من القاصرات تزوجن قسرا من رجال أكبر سنا كان مصيرهن أما الانفصال أو استغلالهن جنسياً.
وتتابع، "لا خيار لدىّ أغلبهن.. هن صغيرات وغير متعلمات. لذا فإن من يقرر مصيرهن هي عائلتها أو عائلة شريكها".
قوانين الأحوال الشخصية
وورد في قوانين الأحوال الشخصية أن "من كان دون 15 عاماً فلا يمكن أن يسجل زواجه في المحكمة".
ويضع القانون عقوبات بحق من يزوّج من هم أقل من 15 عاماً خارج المحكمة، وهذه العقوبات تتراوح بين الحبس لستة أشهر أو الغرامة المالية ومقدارها 200 ألف إلى مليون دينار عراقي (حوالي 600 دولار أميركي).
ويشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل إكمال الـ 18 سنة للزواج في المادة (7) الفقرة (1).
أما المادة 8 من القانون ذاته في الفقرة (1 و2) فتنص على:
1- إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن بذلك، إذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار، أذن القاضي بالزواج.
2- للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن، تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.
يعامله القانون كونه طفلا فكيف يسمح له بالزواج!
ندمها بسبب زواجها بسنٍ ترى أنها كانت طفلة فيه، وتقول "حملت مسؤولية بيت في وقت لم أتمكن به من حمل مسؤولية نفسي!".
العنف الأسري
وتعتقد المحامية تغريد هلال أنه من المستحيل أن يتم الحد من حالات زواج القاصرات المنشرة في البلاد بسبب مساندة القانون.
وتقول، "لا يوجد لدينا قانوناً صريحاً يمنع تزويج القاصرات، كما أن الشريعة الإسلامية لا تمنع تزويج الصغيرات وكذلك السلطة العشائرية".
وبالتزامن مع كل هذا، فإنه لا يوجد لدينا قوانين تحمي المرأة والفتاة من أسرتها، بل إن ما لدينا من قوانين يدعم التحكم بمصيرها وتقريره حسب رغبة الأب والأخ والزوج وكل رموز العشيرة، وفق تعبيرها.
وتتابع أن "المجتمع يفتقد صراحة شيء أسمع (هي من تقرر مصيرها)".
وترى هلال أن أية مساعي حكومية تجاه التقليل من زواج القاصرات لن يكون لها التأثير ما لم تتخذ إجراءات قانونية مثل تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، لأن هذا القانون هو الذي يفسح المجال لتزويج القاصرات قسراً.
وتشير ناجي إلى أن هذا الأمر كله يعتمد بالأساس على إصلاح المنظومة القانونية والقضائية في البلاد وانتشالها من الفساد، لأنه حتى لو تم تشريع القوانين فل نتمكن من تطبيقها في ظل الفساد المستشري.