لم يكن رفض انتزاع حق المكون السني، سياسياً فحسب، بل كثيرٌ من جمهور المكون، رفضوا توجهات وصفوها بـ "المشبوهة"، من أجل منح منصب رئاسة البرلمان لغير السياسيين السنة، الذين حققوا وعبر تحالف تقدم، نجاحاً كبيراً خلال انتخابات تشرين 2021.
تحالف تقدم الذي يرأسه محمد الحلبوسي، حصد أكثر من 40 مقعداً، وأصبح ثاني أكبر الأحزاب الفائزة بالانتخابات في عموم العراق، بعد الكتلة الصدرية التي حصدت 73 مقعداً، وتسعى إلى القرب من تحالف تقدم، لتشكيل حكومة أغلبية وطنية دعا إليها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر.
ومع استحقاق المكون السني إلى جانب استحقاق المكونين الشيعي والكردي بتولي الرئاسات الثلاث في العراق، فإن الحلبوسي الذي تولى منصب رئاسة البرلمان في الدورة البرلمانية السابقة، لاقى مقبولية واسعة لدى الجمهور السني، الذي أصرَّ على انتخابه وحزبه، من أجل الظفر بمنصب رئاسة البرلمان مرةً أخرى، لكي يقدم الخدمة لأبناء المناطق المحررة، الذين عانوا طوال السنوات الماضية من ظلم الإرهاب، وفساد بعض الأحزاب.
ومع ثبات العرف السياسي الذي شهده العراق طوال الفترة الماضية، فإن تحركاتٍ وصفها البعض بـ "المشبوهة" تحاول انتزاع منصب رئيس البرلمان من المكون السني، ومنحه لمكونات أخرى، في غايةٍ يريد بعض مروجيها تنحية سياسيي السنة من المشهد العام.
وعن هذا الموضوع، أجرى فريق "المحايد"، مع عددٍ من الوجهاء والمشايخ في المناطق التي تشهد كثافةً للمكون السني، حواراً حول رأيهم بمحاولة انتزاع منصب رئاسة البرلمان.
ويقول محمد الدليمي، وهو أحد أهالي منطقة الضلوعية، إن "محاولة بعض المحسوبين على السياسة لتنحية المكون السني، وإقصائه عن المشهد، هي خائبة ولن يصيبوا بها، لأن مَن منحنا لهم الثقة أن يكونوا تحت قبة البرلمان، لن يقدموا على منح منصب رئاسة البرلمان لغير المكون السني الذي هو استحقاق وطني له".
ويضيف الدليمي، أن "المكون السني عانى كثيراً خلال السنوات الماضية، ودفع ثمناً باهضاً بسبب بعض السياسيين الذين باعوا مناطقنا لعصابات داعش، وتعرضنا إلى ظلم من الإرهاب والسياسيين كثيراً".
أما يحيى الراوي، وهو أحد الوجهاء في محافظة الأنبار، فيقول: "لم نرَ الخير إلا في السنتين الأخيرتين، بسبب إصرار رئيس البرلمان آنذاك، محمد الحلبوسي على توفير الخدمات لأبناء المحافظة".
وأضاف، أن "المكون السني يمتلك حق تولي منصب رئاسة البرلمان، وانتزاعه يدل على وجود شيء يُحاك ضد أهالي المناطق السنية وخصوصاً المحررة، التي عانت من الإرهاب، وفي الفترة الأخيرة بدأت تشهد تطوراً ملحوظاً، أشادت به دول الخارج".
في حين شدد غانم العبيدي، وهو أحد المشايخ في محافظة صلاح الدين، على "الوقوف بشدة أمام محاولة انتهاك حقوق السنة في التمثيل السياسي، وعدم السماح بطرح مثل هذه الأفكار لأنها تريد انتزاع حقوق المكون وإقصائهم وتهميشهم".
وأكد الشيخ العبيدي، أن "السنة تعرضوا لمخاطر كبيرة خلال السنوات الماضية، ووجود رئيس برلمان من المكون، يعني أنه سيقف مدافعاً عن حقوق مناطقنا، كما فعل الحلبوسي، الذي لم يكن طائفياً، بل كان مدافعاً عن الجميع، ووقف لأهل السنة سدّاً منيعاً أمام محاولات سياسيين لبيع أراضينا".
أما عمار الجبوري، وهو أحد الوجهاء في تكريت، فقد أكد "رفض الأهالي لمحاولة انتزاع المنصب، لأنه يشكّل خطراً حتى على السلم الأهلي، لأن أبناء المكون السني قد يتعرضون مجدداً إلى انتهاك حقوقهم، والإقصاء، مما يدفع بعض المتحزبين إلى فرض سطوتهم وقوتهم على الأهالي".
الجبوري أشار إلى أن "الأهالي سيقفون مع النواب السنة الذين انتخبوهم لتمثيلهم في البرلمان، حين يرفضون منح رئاسة البرلمان لشخصية سياسية غير سنية، لأنه استحقاق لنا، كما هو استحقاق الشيعة من رئاسة الوزراء، والكرد من رئاسة الجمهورية".
ومع استمرار حوارات الكتل والقوى السياسية الفائزة بانتخابات تشرين، ظهر عضو تحالف العزم مشعان الجبوري في تصريح له، أكد رفض النواب السنة، لمنح منصب رئاسة البرلمان إلى مكونٍ آخر، يتمثل بمنح المنصب لثابت العباسي، الذي قال عنه الجبوري إنه "اعفري".
الجبوري ذكر في تصريح متلفز، أن "ثابت العباسي لا يمكنه استلام منصب رئاسة الجمهورية لانه اعفري أي (من تلعفر) وهم تركمان، وإن القادة السنة لن يقدموا هذا المنصب إلى شخصية من التركمان".
وأضاف، أن "العرب السنة لا يمكنهم دعم شخصية عفرية لمنصب رئيس البرلمان والذي هو من حق العرب السنة، إلا أن العباسي لا تتوفر فيه شروط الترشح إلى رئاسة البرلمان".
وتأتي هذه التصريحات، في سياق التنافس على ترشيح شخصية لرئاسة البرلمان، حيث يتحدث مراقبون عن توافق أغلب الكتل السياسية بشأن تجديد الولاية الثانية للحلبوسي.
وبالعودة إلى الخلاف الذي نشب بين التركمان ومشعان الجبوري، ردَّ المرشح الفائز عن جبهة التركمان رياض محسن، قائلاً: "مشعان الجبوري وصف التركمان وأهل تلعفر بأوصاف غير مقبولة وأساء لمكون عراقي أصيل".
وأضاف: "أدعو جميع التركمان أن يكونوا يداً واحدة ومساعدة ثابت العباسي ومساندته لتولي منصب رئيس البرلمان، ونحن لم نحصل على أي منصب سيادي العباسي جدير بهذا المنصب".
وتابع محسن، أن "الأصوات النشاز عديمة الاخلاق كانت مطلوبة للقصاء قبل 2003 وبعدها أيضا ويده ملطخة بدماء العراقيين
ويجهر امام الملء بفساده واخذ الرشى بكل وقاحة". بحسب وصفه.
وتابع النائب التركماني، قائلاً: "علينا ان يكون لنا موقف موحد ضد هذه الأصوات النشاز مثل مشعان الجبوري واصدار بيان رسمي والدعوة لحملة واسعة لدعم الشيخ ثابت".
وفي غضون ذلك،، تهدد الخلافات حول رئاسة البرلمان تحالف القوى السنية، فبينما أعلن تحالف تقدم دعمه تجديد ولاية زعيمه محمد الحلبوسي، يقف تحالف عزم بزعامة خميس الخنجر ضد هذا التوجه.
ويتفق أغلب المراقبين السياسيين على أن منصب رئاسة البرلمان هو من استحقاق المكون السنيّ، خصوصاً بعد ما حقق المكون، متمثلاً بتحالف "تقدم" فوزاً عريضاً بالانتخابات، بعد حصده أكثر من 40 مقعداً ليكون ثاني الأحزاب الفائزة في الانتخابات، بعد الكتلة الصدرية.
وتشكل رئاسة البرلمان المعرقل الأبرز بشأن إعلان التحالف بين قطبي السنة الفائزين في الانتخابات البرلمانية، ولدى تحالف تقدم نحو 43 نائبا، فيما يتحدث تحالف عزم عن وصول عدد المنضوين إليه إلى 34 نائباً بعد انضمام عدد من الفائزين.