المحايد/ ميسان
تشهد محافظة ميسان جنوبي العراق، ذات الطابع العشائري، حالة من الغليان، بعد موجة اغتيالات طالت قاضياً وضابطاً وقبلها شخصاً متهماً بقتل وسام وعصام العلياويين، وآخرها أحد أتباع التيار الصدري، اعتبرها محللون أحداثاً "تحمل دلالات سياسية ومحاولة لإرباك المشهد، وتصعيداً جديداً على وقع الأحداث المتسارعة.
وأثارت الأوضاع في محافظة ميسان ردود فعل واسعة، كان بينها إعفاء قيادات أمنية وتوجيه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بتشكيل قيادة عمليات للجيش في ميسان، وكذلك دعوة رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، إلى التهدئة، لافتاً إلى أن هناك بُعداً سياسياً في الأزمة، أعقبها تحذير من زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي مما تشهده الأوضاع في محافظة ميسان.
وتعقيباً على موجة الاغتيالات، قال الأكاديمي العراقي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية مثنى العبيدي، إن "الساحة السياسية في العراق ولا سيما منذ عام 2003 اعتادت مشهد ارتباط الاضطرابات الأمنية مع وجود الأزمات السياسية".
وأضاف العبيدي: "مع كل أزمة سياسية نلحظ تطورات أمنية سواء في تزايد النشاطات الإرهابية أو وجود أعمال مسلحة واغتيالات، وهو أمر أصبح واضحاً للأوساط العراقية بأن من يقوم بها على صلة بقوى سياسية وإن لم يتم الإفصاح عنها، وأن تعلن كل القوى السياسية شجبها لمثل هذه الأفعال".
وأشار إلى أن ذلك يعني أن "هنالك من يسعى لإعطاء تصور بأنه لن يكون خارج المشهد السياسي في العراق، وإلا فإنه يستطيع أن يؤثر سلباً على الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد في حال استبعاده".
من جانبه، قال المحلل العراقي هاشم عبد الكريم، إن محافظة "ميسان" شهدت، خلال الأشهر الماضية، نزاعات عشائرية تصل إلى حد المعارك العسكرية، لكن ما يحدث مؤخراً له دلالات سياسية.
وأضاف عبد الكريم، أن ميسان من حصة "التيار الصدري" ومحافظها علي دواي، كان مرشح التيار لرئاسة الوزراء في 2014، غير أنه يوجد بالمحافظة فصائل مسلحة موالية لإيران "العصائب" التي يرأسها قيس الخزعلي، وهو ما يتسبب في اشتباكات بين الجانبين من حين لآخر، وحال وقوعها تعجز القوات الأمنية عن التدخل لفضّها، إضافة إلى انتشار تجارة المخدرات بها بشكل واسع.
وأشار إلى أن ما يحدث هو نتيجة شحن وغضب مكتوم بعد نتائج انتخابات تشرين وما تلاها، وكانت البداية منتصف الشهر الماضي باغتيال القيادي في التيار الصدري مسلم عيدان، من قبل مجهولين، فيما وُجّهت أصابع الاتهام للعصائب، ومن ثم جرى اغتيال الضابط حسام العلياوي المحسوب على الأخيرة، ومن ثم مقتل القاضي أحمد فيصل، وكذلك كرار أبو رغيف المحسوب على التيار، مؤكداً أن ما يحدث بميسان جزء مما هو متوقع مع إصرار الصدر على إبعاد قوى الفصائل عن التحالف الحكومي، وهو ما يستدعي يقظة أمنية لمواجهة موجة التصعيد المقبلة.
وخلال اجتماع عقده الأربعاء مع القيادات الأمنية في ميسان، حذر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من محاولات استغلال الأوضاع الراهنة لإشاعة الفوضى، رافضاً تحويل العراق إلى "ساحة لتصفية الحسابات".
وقال الكاظمي: "نمر اليوم بظروف سياسية معقدة جداً.. هذه المرحلة مفصلية ومهمة، ولا يجوز لأحد استغلال هذه الظروف لإشاعة الفوضى".
وأضاف أن "جميع القوى دون استثناء، الأمنية والسياسية والاجتماعية، مطالبة بالتحرك السريع وتحمل مسؤولياتها"، محذراً من أن "الفوضى لا ترحم أحداً، والجميع سيدفع الثمن، فعلينا أن نعمل معاً، ونتعاون لنصل إلى النتائج المرجوّة".
وتابع الكاظمي: "نحن اليوم هنا في محافظة ميسان لنقول للمجرمين: ستنالون العقاب القاسي، ولا يعتقد أحد أن بإمكانه أن يعلو فوق القانون، أو يسعى لإشاعة الفوضى دون محاسبة".
وتعليقاً على الأوضاع، دعا الصدر، إلى التهدئة، مؤكداً أن التصعيد في المحافظة تصعيد سياسي.
وقال الصدر في بيان: "على الإخوة في التيار والعصائب التحلي بالهدوء، وليجمعهم محمد الصدر إن لم يكُ مقتدى مؤهلاً لذلك عند بعضهم".
وأضاف: "أتفرقنا السياسة؟ كلا وألف كلا.. فأنتم إخوة وإن اختلفنا معهم سياسياً أو لم نرضَ بالتحالف معهم، فتصالحوا بعيداً عن القيادات؛ فأنتم من أب واحد ومرجع واحد".
وتابع: "حتى وإن كان استهدافهم محافظة ميسان الحبيبة والتصعيد فيها تصعيداً سياسياً من أجل إسقاط محافظها، أو من أجل الضغط من أجل التحالف.. فكل ذلك لا يحلل الدم العراقي، فإياكم والتعدي على الدين والشرع والقانون".
وأعقب بيان الصدر، تغريدة من قيس الخزعلي، حذر فيها مما أسماه بـ "مشروع الفتنة"، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة ميسان.
وقال الخزعلي: "ندعو جميع أبناء ميسان إلى الحذر من مشروع الفتنة، الذي يُراد إيقاعه بين أبناء المذهب الواحد والوطن الواحد والمحافظة الواحدة".
وأضاف: "نؤكد على العشائر أن تتبرأ من كل من يثبت تورطه بالدم العراقي، ويريد إيقاع الفتنة، وندعو الأجهزة الأمنية إلى الاحتكام للقانون وأن تقوم بواجبها كاملاً، وندعو القوى السياسية إلى دعمها في ذلك".
وتابع: "نشكر ونؤيد كل خطابات التهدئة التي تدعو إلى تفويت الفرصة على مريدي إشعال الفتنة، ونحذر خطأ الاندفاع بتوجيه الاتهامات من بعضنا إلى البعض الآخر".