المحايد/ العراق
رغم تأكيد وزارة الموارد المائية العراقية على تعويض المتضررين من إنشاء سد مكحول وحماية المواقع الأثرية القريبة، إلا أن سكان القرى التي سيغطيها خزان السد متخوفون من تبعاته الاجتماعية والثقافية ويطالبون بإيقاف العمل به.
ويقع سد مكحول، الذي تواصل شركة الرافدين والشركات الأخرى التابعة لوزارة الموارد المائية العراقية منذ يونيو الماضي العمل على إنشائه، أسفل نهر الزاب الصغير شمال محافظة صلاح الدين.
وتوقف العمل في المشروع بعد سقوط النظام السابق عام 2003، لكنه بدأ قبل أشهر مجددا.
وأعدت منظمة ليوان للثقافة والتنمية، وهي منظمة غير حكومية عراقية، تقريرا عن "التداعيات الاجتماعية والثقافية لسد مكحول" بعد سلسلة من الجلسات النقاشية التي نظمتها مع السكان المحليين والمنظمات والجهات الحكومية في محافظة صلاح الدين، بدعم من وكالة الأمم المتحدة للهجرة (IOM) والوكالة الأسترالية للتنمية الدولية (Australian Aid).
وحسب التقرير، فإن السد سيتسبب في تهجير 39 قرية مأهولة وقرية واحدة مهجورة، على مساحة تزيد عن 15 ألف كيلومتر مربع. ويبلغ عدد سكان هذه القرى أكثر من 118 ألف نسمة.
وسيغمر السد أيضا 395 منشأة خدمية متمثلة بمدارس، وعيادات، ومحطات مياه وكهرباء، ومقابر، وملاعب رياضية، ومراكز ثقافية ستغرق بعد استكمال السد.
وبحسب التقرير أيضا، ستتعرض قرابة 67 كيلومترا مربعا من الأراضي الزراعية والعقارات والبساتين للمحو، خلال السنوات الخمسة المقبلة.
وسيغمر سد مكحول 183 موقعا أثريا، جزئيا أو كليا، في المنطقة، بما في ذلك مدينة آشور الأثرية المصنفة ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 2003، ومواقع أثرية أخرى لم تشهد غالبيتها أي تنقيبات حتى الآن، حسب تقرير منظمة ليوان.
ودعا محمد جاسم، وهو فلاح من إحدى القرى المتضررة من مشروع إنشاء السد، على هامش مشاركته في إحدى الجلسات النقاشية لمنظمة ليوان "السلطات الحكومية والجهات المعنية إلى عدم إنشاء السد، لأنه سيتسبب في تشريد أكثر من 100 ألف عائلة، وهذه العائلات تعتمد على الزراعة وتربية الحيوانات في توفير قوتها اليومي"، متسائلا "هل بإمكان الحكومة أن توفر لهذه العائلات دخلا ومسكنا تعويضا عما لحق بها من أضرار؟ الجواب كلا".
ووضعت وزارة الموارد المائية حجر الأساس لمشروع سد مكحول في أبريل الماضي، ويعتبر المشروع أكبر مشروع إستراتيجي تنفذه الحكومة العراقية منذ عام 2003، وتبلغ طاقته التخزينية 3 مليارات متر مكعب.
ورغم تأكيده على أهمية السد من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية، إلا أن الكاتب والمحلل من محافظة صلاح الدين، علي البيدر، يوضح أن "إنشاء مشروع استراتيجي مثل سد مكحول من شأنه أن يؤثر على عدد من العناوين الاجتماعية ويغيب الكثير من الهويات الجغرافية والعشائرية في تلك المنطقة".
ويضيف البيدر: "هذا التأثير من الممكن أن يتغاضاه المجتمع إذا ما استطاعت الدولة تعويض المتضررين بشكل مباشر عبر توفير التسهيلات الخاصة بتحركاتهم وتغيير أماكن سكنهم وتوفير الرعاية لهم ومساعدتهم".
ويكشف تقرير منظمة ليوان أن 82٪ من الأشخاص الذين شاركوا في استطلاع للرأي أجرته المنظمة في محافظة صلاح الدين رفضوا مشروع السد، وأظهر الاستطلاع أن 60٪ من المجتمعات المحلية التي شملتها الدراسة أبدت قلقها من تأثير سبل عيشها ومصادر دخلها.
ويرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية وعضو التدريس بجامعة دهوك، رمضان حمزة، أنه كان الأجدر بوزارة الموارد المائية البدء بتنفيذ واحد أو أكثر من السدود ذات الخزين الإستراتيجي في مواقع أكثر ملاءمة من الناحية الجيولوجية والجيوتكتونية.
ويضيف حمزة: "سد مكحول ليس الحل الأمثل، ليس لضعف الأسس بسبب جيولوجية المنطقة، بل لأن الخزين قليل مقارنة مع الكلف المالية العالية ومدة إنجاز المشروع".
ويوضح حمزة قائلا: "كلفة المشروع تبلغ 3 مليارات دولار، كان من الممكن بهذا المبلغ تأهيل بحيرة الثرثار عبر عزل مياه البحيرة عن الطبقات الجبسية، لأنه مفتاح لحل معظم مشاكل ارتفاع مناسيب المياه الجوفية وتملح التربة في السهل الرسوبي. وبذلك ستكون البحيرة جاهزة لاستقبال المياه العذبة من ذراع دجلة - الثرثار دون أن تتملح نتيجة عزلها ومنع تفاعلها مع طبقات الجبس الملحية".
وحسب الخبير المائي، فإن مشروع الثرثار سيجعل العراق يملك خزينا هائلا من المياه يقدر بـ80 مليار من الأمتار المكعبة ويعوض عن إنشاء العديد من السدود وفي مقدمتها سد مكحول.
لكن وزارة الموارد المائية متمسكة بمشروع السد وماضية في إنجازه وفق المدة الزمنية المحددة له والبالغة 3 أعوام، مؤكدة أنها ستعوض المتضررين من المشروع.
ويقول المتحدث باسم الوزارة حاتم حميد "إنشاء السد يحتاج لنقل الناس المقيمين سواء في موقع السد أو الخزان الذي سيتشكل في مقدمته إلى مكان آخر بجوار السد، كما سيتم تعويضهم ماليا عن المنشآت التي كانوا يشغلونها".
ويشدد حميد على أن السد سيساهم في تطوير البيئة الاجتماعية والجغرافية والاقتصادية للمنطقة ويساعد في تحقيق الأمن نتيجة تعزيز التواجد العسكري لحماية السد.
وبالنسبة للمواقع الأثرية القريبة من خزان البحيرة، يؤكد حميد أن "الوزارة أعدت التصاميم الهندسية لحمايتها وإظهارها بالشكل المطلوب لغرض جعلها معالم سياحية إضافة لما ستحققه بحيرة السد من مناظر جميلة للسياحة".