المحايد/ بغداد
تمتد العلاقات الدبلوماسية بين العراق وأوكرانيا إلى أكثر من 30 عاما، شهدت تعاونا عسكريا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا بين الجانبين، وتطورت هذه العلاقات بعد عام 2003 نحو الأفضل، بعد سقوط النظام السابق الذي كان حليفا للاتحاد السوفياتي الذي انفصلت عنه أوكرانيا بعدد انهياره عام 1991.
ورغم أن العراق أصبح لديه تمثيل دبلوماسي في العاصمة الأوكرانية كييف في كانون الأول/ديسمبر من عام 1992، إلا أن هذا التمثيل كان غير مقيم في أوكرانيا، وظلت العلاقات بين الجانبين إلى حد ما في مستوى خجول على مدى تسعينيات القرن الماضي، بسبب العقوبات الدولية المفروضة على العراق لغزوه الكويت، فضلا عن أن بغداد كانت متمسكة بعلاقاتها الوطيدة مع روسيا، الوريث السياسي للاتحاد السوفياتي السابق، التي لم تكن تتمتع بأي علاقات وثيقة مع أوكرانيا.
مرحلة جديدة من العلاقات
لكن العلاقات بين بغداد وكييف شهدت تطورا ملحوظا منذ عام 2000، عندما فتحت أوكرانيا سفارتها في بغداد، أعقب ذلك فتح العراق سفارته في العاصمة كييف عام 2002، وبدأت مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين الجانبين انعكست عبر توقيع الجانبين العديد من مذكرات التفاهم في شتى المجالات.
ويقول الخبير الاستراتيجي علاء النشوع "لم تكن أوكرانيا قبل عام ٢٠٠٣ ضمن أولويات العراق لإقامة علاقات معها لانفصالها عن الاتحاد الروسي، وحتى بعد سماح الأمم المتحدة بقرار النفط مقابل الغذاء، لم يضع العراق أوكرانيا من ضمن الدول التي يتعامل معها وفق هذا القرار، علما أن أوكرانيا شاركت مع الولايات المتحدة في دخول العراق عام 2003".
وشاركت كييف ضمن التحالف الدولي الذي دخل الأراضي العراقية عام 2003 بنحو 1650 جنديا، أنيطت بهم عملية الحفاظ على الاستقرار وحفظ الأمن في محافظة واسط شرق العراق.
صفقات سلاح شابها "الفساد"
ويضيف النشوع "كانت أوكرانيا ضمن الدول التي وردت السلاح للعراق بعد عام 2003، وأبرز الصفقات بين الجانبين كانت صفقة المدرعات الأوكرانية التي شابتها شبهات من الفساد، حيث ركنت هذه المدرعات في معسكر التاجي وأخرجت من الخدمة".
وتعاقدت وزارة الدفاع العراقية مع أوكرانيا عام 2009 على تزويد العراق بـ(420) مدرعة من طراز " BTR-4" بقيمة مليارين و400 مليون دولار، واعتبرت الحكومة العراقية آنذاك الصفقة التي شملت أيضا معدات وقطع غيار لطائرات وذخائر موجهة أكبر صفقة موقعة بين البلدين منذ إعلان أوكرانيا الاستقلال عن السوفيات، لكن الصفقة لم تنجح بسبب التأخر في تسليم المدرعات، التي وصلت إلى العراق بعد مرور 4 سنوات على توقيع العقد 40 مدرعة كوجبة أولى، لكن السلطات العراقية أعلنت "إعادتها إلى أوكرانيا بعد أشهر من الاستلام لوجود عيوب تصنيعية فيها ولعدم مطابقتها مع المواصفات المذكورة في الصفقة الموقعة".
ويشير الخبير السياسي، ثامر الدليمي، إلى أن الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 أولت اهتماما بالعلاقات مع أوكرانيا، لأنها كانت جزءا من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لذلك سمحت بغداد بإرسال الطلاب العراقيين إلى أوكرانيا للدراسة في جامعاتها فيما لم يكن هذا النوع من التعاون موجودا مع الدول العربية. ويصل عدد الطلاب العراقيين حالياً في أوكرانيا إلى 5500 طالب.
تعاون اقتصادي
ويتابع الدليمي "ازدادت خلال السنوات الماضية الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجانبين، ووقع العراق عدة اتفاقيات مع أوكرانيا منها فتح خط للطيران بين بغداد وكييف، وهناك رحلات سياحية عراقية ـ أوكرانية، هذا من جانب ومن جانب آخر تصدر أوكرانيا المنتجات الزراعية واللحوم إلى العراق. واتفق الجانبان العام الماضي على تعاون أكبر بين البلدين، وكان مقررا أن يدخل رجال الأعمال الأوكرانيون إلى العراق لفتح آفاق جديدة للعمل بين البلدين".
ولا يعتبر الدليمي العلاقات بين بغداد وكييف استراتيجية، لأن أوكرانيا ليست دولة قوية اقتصاديا وعسكريا وتقع في الوقت نفسه بين كماشة روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى، موضحا "الوضع الأوكراني هذا يجعل العراق يتعامل معها بحذر شديد، كي لا يقع بالمحظور أمام إحدى الجهتين الغربية والروسية".
ما بعد الاجتياح الروسي
ويرى الدليمي أن علاقات العراق مع أوكرانيا بعد الاجتياح الروسي لن تكون واضحة، مبينا أن "إيران تسيطر على غالبية القرار العراقي وهي حليفة لروسيا لذلك ستضغط على العراق لقطع علاقاته مع أوكرانيا، خصوصا أن هناك جهتان تتحكمان في العراق هي الحكومة وأحزابها وقواتها الأمنية، والجهة الأخرى الميليشيات الموالية لإيران التي تسيطر على اقتصاد العراق وأمنه وحدوده وهذا كله يشير إلى أن القرار السيادي العراقي مرهون بقرارات دول مثل إيران".
توعد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، روسيا بأن العالم سيحاسبها بسبب هجومها على أوكرانيا، وذلك بعد بعد سماع دوي انفجارات في العاصمة الأوكرانية، وإعلان موسكو بدء عملية عسكرية في دونباس (شرقي البلاد).
وتحتضن الجامعات الأوكرانية مئات الطلبة العراقيين، الذين اختاروا أوكرانيا لاستكمال دراساتهم الجامعية، لأنها مناسبة من حيث الرسوم والمصاريف المالية مقارنة بدول العالم الأخرى.
ويؤكد عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي، عبدالقادر النايل أن "العلاقات بين بغداد وكييف مستمرة وبوتيرة متصاعدة حيث يستورد العراق 1.8 مليون طن من الحنطة الأوكرانية سنويا، فضلا عن التعاون العلمي والثقافي، إلى جانب وجود صفقات تسليح ضخمة بين وزارة الدفاع العراقية والشركات الأوكرانية، وهذا يعطي بعدا استراتيجيا في العلاقات الثنائية وتبادل المصالح بين البلدين ومن خلالها يمكن أن تتميز العلاقات أو ترسم لها محددات لذلك".