المحايد/ بغداد
عند منتصف المدينة التي ما زالت آثار الحرب والدمار حاضرة على الكثير من جدرانها وأزقتها، تنتصب المكتبة العربية صامدة بعد أن مضى على تأسيسها قرن كامل.
على مساحة تربو على 150 متراً في شارع النجفي، قضى السيد أسامة أكثر من 50 عاماً متنقلاً بين رفوفها بين كتاب وآخر.
يعود تأسيس المكتبة العربية في الموصل إلى عام 1921، حيث أنشأها عبد الرحمن والد السيد إسامة، ليتولى الأخير إدارتها منذ عام 1967 ولغاية الآن.
يقول أسامة إن والده المسن اقترح عليه آنذاك عندما كان طالباً في كلية الزراعة تسلم المكتبة، مما جعله أمام خيار صعب بالمحافظة على ذلك الإرث أو الانكباب على دراسته ولكن سرعان ما حسم أمره بالذهاب نحو المكتبة العربية.
عن ذلك الزمن وأحوال الكتاب وزبائنه في عقود ما قبل ظهور التقنيات الحديثة وتطبيقات التواصل الاجتماعي، يحدثنا السيد السبعيني، ويؤكد: "كان الكتاب خير جليس، وما زال برغم كل التطورات في عصر السرعة".
وشكلت المكتبة العربية لعقود طوال مركزاً مهماً للباحثين من كتاب وأكاديميين وطلبة دراسات عليا في مدينة الموصل، خاصة خلال عقدي السبيعنات والثمانينات، حيث كانت قبلة للكثير من الأدباء والشخصيات اللامعة في مجالات السياسة والمجتمع، من بينهم عبد الجبار الجومردي، النائب في العهد الملكي، ووزير الخارجية في حكومة عبد الكريم قاسم، وسعيد أحمد الديوه جي، عضو المجمع العلمي والذي يعرف بـ"مؤرخ الموصل" وأحد أكبر المتخصص في تاريخ المدينة.
يمضي السيد أسامة معظم أوقاته ما بين جدران المكتبة العتيقة ويصر على استنزاف كل ما بقي من عمره عند أبوابها، رغم التقدم في السن.
قبل نحو عام من الآن، أقام الرجل الموصلي احتفالية عند رواق المكتبة حضرها جمع من الجمهور المتنوع احتفاء بمئوية تأسيس العربية.
"تمثل المكتبة اليوم جزءاً من ذاكرة موصلية ومجتمعية"، يقول أسامة.
وكانت تضم المكتبة حتى الأمس القريب العديد من الكتب والمخطوطات النادرة التي يبلغ عمر بعضها 400 عام، لكن المتحف الموصلي ضمها إليه باعتبارها غير قابلة للبيع.
يقول أسامة: "المكتبة كانت تضم أكثر من 100 قطعة نادرة بين كتاب ومخطوط قبل أن تأتي لجنة حكومية وتقوم باستملاكها اضطراراً، بذريعة أنها تمثل قيمة تراثية ليتم الاحتفاظ بها في المتاحف العراقية".
ورغم أن الجهات الحكومية قدمت لأسامة تعويضا مقابل المخطوطات والوثائق التي أخذتها "إلا أن قيمتها لا تعادل بثمن"، يقول صاحب المكتبة العربية.
ورزحت مدينة الموصل ومناطق عراقية أخرى تحت سيطرة تنظيم داعش في صيف سنة 2014 . وتعرضت حينها المكتبة العربية لضرر شديد تسبب في تلف الكثير من الكتب.
بعد تحرير الموصل، أعيد افتتاح المكتبة العربية قبل أكثر ثلاث سنوات. وكانت من بين أولى المحلات التي يتم افتتاحها في شارع النجفي في مدينة الموصل.
عن ذلك، يلفت السيد أسامة إلى أن "المكتبة تعرضت للحرق خلال فترة سيطرة تنظيم داعش مما ألحق فيها أضرار بالغة وكبيرة أحالتها الى أكوام من الرماد والأطلال".
إلا أن ذلك لم يمنعه من نفض غبار الدمار عن أروقتها واستعادة المكتبة من ذلك الخراب بعد جهد كبير، يقول الرجل الموصلي.