المحايد/ بغداد
لم يتبقَ على شهر رمضان المبارك سوى أيام، وعادةً ما تشهد الأسواق حركة متواصلة حيث يذهب المواطنون للتبضع للشهر الفضيل، لكن هذا رمضان، سبقه ركود في الأسواق وانعدام حركة "مقلق".
ويبقى بعض العراقيين متحيرين من تجهيز موائدهم بالغذاء خلال شهر رمضان، بسبب غلاء الأسعار الذي ضرب العراق وأثر بشكل مباشر على أبرز المواد الغذائية المرتبطة بغذاء المواطنين.
وسجل العراق منذ أكثر من عام ونصف ارتفاعاً في أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية والبضائع عقب رفع قيمة صرف الدولار أمام الدينار العراقي على وقع الأزمة المالية التي عاشتها البلاد في صيف 2020.
ومع الوقت، بدت الأسعار بالثبات والتوقف عند الصعود المسجل ما بعد قرار خفض الدينار العراقي، إلا أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية دفعت الأسواق العراقية إلى موجة غلاء ثانية انعكست على الواقع المعاشي للفرد العراقي البسيط.
وظهرت بوادر الأزمة الجديدة في ارتفاع أسعار القمح والرز وزيت الطعام بعد أن سجلت قفزة تجاوز ضعف قيمتها ما قبل تلك الأحداث.
ولاقى ارتفاع الأسعار موجة غضب عارمة لدى الأوساط الشعبية والعامة رافقها مظاهرات في مناطق مختلفة من العراق، احتجاجاً على احتدام تلك الأزمة.
وعلى أثر ذلك تحركت الحكومة في إجراءات عاجلة وسريعة، بينها تشكيل خلية أزمة لمتابعة الأسعار وتسيير فرق ميدانية لملاحقة المضاربين وتجار الاحتكار للبضائع والسلع الاستهلاكية.
ورغم ذلك ما تزال الأسعار عند سقفها المرتفع دون أن تسهم تلك الإجراءات والمعالجات في تحريكها إلى الخلف، بما يطمئن الفرد العراقي ويؤمن احتياجه من المواد الغذائية وفق ما يتناسب مع قدرته المعيشية.
ويعزو مراقبون للشأن الاقتصادي العراقي أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية من الطحين وزيت الطعام إلى اقتراب شهر رمضان الذي عادة ما يشهد حركة تبضع كبيرة من قبل المواطنين في تخزين الأطعمة من المواد الغذائية، مما يدفع بارتفاع الطلب وقلة المعروض.
ويرى الخبير الاقتصادي ناصر الكناني أن "موجة الغلاء التي يعيشها العراق تأتي بفعل أسباب عديدة متراكبة وممتدة منذ عامين مما خلف وضعاً هشاً لانتشاء تلك الأزمة".
ويشدد الكناني على ضرورة أن تتحرك وزارة التجارة باستيراد كافة المواد الغذائية بشكل مباشر وتوجيهها نحو الوكلاء ليتم توزيعها فيما بعد عبر مفردات البطاقة التموينية للمواطن العراقي".
وكان نائب رئيس هيئة البرلمان حاكم الزاملي كشف في متابعات لأزمة غلاء الأسعار، خلال الأيام الماضية، عن وجود تحركات لبعض التجار باحتكار وتخزين المواد الغذائية من الطحين والسمن النباتي بغرض سحبها من السوق ومن ثم بيعها بأسعار مضاعفة.
أما الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم فتؤكد أن "التحول الإلكتروني في منافذ التجارة والاستيراد سينعكس إيجاباً على تقييد الفساد الذي يدفع بمثل تلك الأزمة وما شاكلها من تحديات أخرى".
وتشير سميسم إلى أن البنى التحتية لإدارة موارد البلاد تعاني الضعف والسماح للتلاعب وضياع وهو ما بدى واضحاً خلال الأزمة الحالية التي شهدتها البلاد في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وبشأن طبيعة تلك الأزمة، توضح سميسم، أن "جزءاً منها متعلق بما يحدث في أوربا الشرقية عقب الحرب الروسية وآخر مرتبط بالأوضاع الداخلية والظرف التي جاءت فيه".
ومع هذه الأزمة، تشير وزارة التجارة إلى أنها لديها خزين استراتيجي من مادة القمح يكفي للشهرين المقبلين وحتى بداية موسم الحصاد الزراعي.
وعادةً ما يبدأ موسم حصاد زراعة الحنطة في العراق ما بين بداية مايو/أيار المقبل، وسط توقعات أن يحقق ذلك نحو أكثر من 60% من حاجة البلاد.
وحقق العراق قبل أعوام وعبر أكثر من موسم اكتفاء ذاتيا من مادة القمح، إلا أنه وبفعل تداعيات أزمة المياه التي تصاعدت في البلاد مؤخراً قلصت الخطة الزراعية إلى النصف، فيما يخص زراعة الحنطة والذرة الصفراء والرز.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة، فقد سجلت أسعار القمح المحلية ارتفاعاً منذ بداية الأزمة، وصلت مؤخراً قفزها بموجبه من 600 إلى نحو 780 ألف دينار للطن الواحد.
وسجلت الأسواق العالمية ارتفاعاً في أسعار القمح عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وصلت فيها طن الحنطة إلى 600 دولار بعد أن كان لا يتجاوز الـ300 دولار.
وتبلغ الحاجة الفعلية للبلاد من القمح نحو مليون طن من القمح شهرياً، يخصص منها نحو 450 ألف طن لتجهيز مفردات البطاقة التموينية.
ويحتاج العراق سنوياً لاستيراد نحو 3.5 مليون طن من القمح، بالاعتماد على مناشئ عالمية من بينها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا.
ودفعت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في الـ24 من الشهر الماضي، إلى ارتفاع على أغلب المستويات من بينها أسعار المواد الغذائية والنفط الخام.
وتشكل روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، في حين أن أوكرانيا هي خامس أكبر مصدر له، وتوصف بسلة الخبز في أوروبا.