يعتبر ملف معتقلي حراك تشرين الشعبي أحد الملفات الشائكة في العراق، ويسعى ناشطو الحراك إلى معرفة مصير زملائهم والضغط لإطلاق سراحهم، في حين أكدت الحكومة العراقية في مناسبات عديدة أن سجونها خالية من نشطاء تشرين.
وأعلن مدير دائرة حقوق الإنسان في وزارة العدل العراقية، محمد تركي، السبت الماضي، أن التقارير الواردة إلى دائرته تشير إلى حسم سبع دعاوى تتعلق بقضايا خطف أو اختفاء متظاهرين، فضلاً عن قضايا أخرى تجري متابعتها حالياً من قبل مجلس القضاء الأعلى".
وأكد تركي لجريدة الصباح الحكومية الرسمية أن "التقارير أظهرت إطلاق سراح جميع المتظاهرين الذين اعتُقلوا بعد ارتكابهم حالات عنف مفرطة ضد القوات الأمنية".
وأشار تركي إلى أن مجلس القضاء الأعلى حقق إنجازات في متابعة مرتكبي الجرائم بحقّ المتظاهرين في محافظات بغداد والبصرة وذي قار وبابل، من خلال إلقاء القبض على الجناة وإحالتهم إلى المحاكم بعد إثبات إدانتهم بارتكاب جرائم.
وتشير المدافعة عن حقوق الإنسان، انتصار الميالي، إلى أن أي معتقل من المتظاهرين والناشطين لم يعد إلى بيته حتى الآن رغم إعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، عن اهتمامه بهذا الملف ومطالبته بالإفراج عن معتقلي التظاهرات، وتشكيل لجان للتحقيق واستجابة القضاء العراقي والإعلان عن خلو السجون من المعتقلين.
وتوضح الميالي أن "إعلان الحكومة وتأكيدها مجددا على خلو السجون من متظاهري تشرين السلميين وما سبقها من تظاهرات يضعها في مأزق أكبر، لأن من مسؤوليتها تقصي الحقائق والكشف عن كل ما يتعلق بهذه القضية لمعرفة مصير عدد كبير من المغيبين، بدءً من تظاهرات شباط 2011 وحتى تظاهرات تشرين 2019 وما بعدها".
وتستبعد الميالي أن تكون السجون خالية من الناشطين والمتظاهرين، مضيفة: "إذا كانت السجون المعلنة خالية، فهذا يعني أن هناك سجون سرية فعلا. يجب معرفة من المسؤول عنها، وماذا تخفي هذه السجون من حقائق، خصوصا أن هناك وثيقة صادرة عن رئيس الوزراء قرر فيها تشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق حول وجود سجون حكومية سرية".
وأعلن الكاظمي في يونيو 2020 تشكيل فريق مستقل لتقصي الحقائق حول كلّ الأحداث التي جرت في العراق منذ تشرين الأول 2019، لكن الحكومة العراقية لم تعلن حتى الآن نتائج التحقيقات.
ودعا النائب المستقل في مجلس النواب العراقي، سجاد سالم، خلال جلسة مجلس النواب التي عقدت في 8 فبراير الماضي رئاسة المجلس إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق ومتابعة ملف ضحايا احتجاجات تشرين.
في المقابل، طالب رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، النائب المذكور بتقديم طلب لتشكيل اللجنة. وتعد هذه اللجنة الثالثة التي شكلت بهذا الصدد لكن دون جدوى.
وتكشف الميالي: "بحسب إحصائيات صادرة عن تنسيقيات الحراك الشعبي ومعلومات ذوي المختطفين، بلغ عدد الناشطين والمتظاهرين المعتقلين خلال الفترة الممتدة من 2011 حتى 2019 ما يعادل 12 ألف معتقل ومغيب، فيما مازال هناك 150 متظاهرا وناشطا مغيبا من الناشطين والمتظاهرين المشاركين في احتجاجات تشرين".
واندلعت في أكتوبر من عام 2019 احتجاجات شعبية واسعة في بغداد ومدن وسط وجنوب العراق، واستمرت لمدة عام كامل طالب خلالها المحتجون، الذين شكل الشباب غالبيتهم، بإنهاء العملية السياسية في البلاد وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة وتنظيم انتخابات مبكرة بإشراف دولي وإنهاء النفوذ الايراني في العراق.
واستخدمت القوات الأمنية العراقية الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي واعتقلت المئات من المتظاهرين والناشطين لإنهاء هذه الاحتجاجات بالقوة، وعلى الرغم من تنفيذ جزء من المطالب إلا أن العراق وبعد مرور أكثر من 6 أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة في أكتوبر الماضي وإعلان نتائجها مازال يعاني من انسداد سياسي بسبب عدم توصل الأطراف السياسية لاتفاق بشأن تشكيل الحكومة المقبلة.
ويقول رئيس اللجنة السياسية في حزب الاتحاد العراقي للعمل والحقوق، وهو أحد الأحزاب المنبثقة من حراك تشرين، حسين جبار "التصريح بخلو السجون الناشطين والمتظاهرين فيه الكثير من المراوغة، لأن القضية لم تعد معتقلين وفق أحكام مادة معينة، بل هناك تغييب للدولة ولممارساتها القانونية بهذا الشأن. وهذا التغييب أدى إلى تغييب النشطاء لا اعتقالهم"، داعيا الحكومة إلى أن تثبت للشارع العراقي خلو البلد من السجون سرية".
وكشفت مؤسسة بغداد للدفاع عن ضحايا الرأي في العراق، في فبراير الماضي، عن دفن السلطات العراقية 491 جثة مجهولة الهوية على تسع مراحل بفترات متقاربة ما بين عامي 2020 و2021، وذلك في مقبرة محمد سكران ببغداد ومقبرة كربلاء ومقبرة وادي السلام في النجف، وهو الأمر الذي أثار مخاوف الناشطين والمنظمات الحقوقية على مصير المعتقلين والمغيبين من اقرانهم.
ويستغرب المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب من الإعلان الحكومي عن خلو السجون من الناشطين والمتظاهرين، مؤكدا أن "الكثير من الناشطين اعتقلوا بأوامر قضائية ولم يفرج عنهم إلى الآن".
وتوضح مستشارة المركز فاطمة العاني لموقع "ارفع صوتك": "هناك أكثر من 70 مغيبا من ناشطي تشرين لم يعلم مصيرهم. بعضهم استدعي بكتاب رسمي من قبل المحاكم المختصة. لذلك هذه التصريحات تشير إلى أن وزارة العدل ليس لديها علم بما يجري في مراكز التحقيق التابعة لها، أو أنها ليس لديها اطلاع على الأحكام التي صدرت بحق الناشطين، وكلا الأمرين إن صح وجودهما فإن ذلك يشير إلى دلالات خطيرة"، مطالبة وزارة العدل بإجراء مراجعة كاملة لمؤسساتها وسجلات الدوائر القضائية والسجون التابعة لها لتعرف كم من الناشطين يقبع فيها.