توجّهت الأنظار صوب العراق مؤخرا بعد مخاوف من أن تواجه الدولة الإفلاس مع اضطراب السوق والأمن الغذائي وارتفاع الأسعار وتراجع العملة المحلية أمام الدولار الأميركي.
اقتصاديا، يعني الإفلاس أن الدولة أصبحت عاجزة عن سداد ديوانها أو الوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع ثمن ما تستورده من بضائع وسلع، بالإضافة إلى عدم قدرتها على دفع الأجور والرواتب، كما لا تستطيع تسيير أمورها الاقتصادية دون مساعدة غيرها.
علامات الإفلاس
وعن احتمال أن يواجه العراق الإفلاس، يقول الخبير المالي والنفطي الدكتور بلال الخليفة إن أسباب الإفلاس متوفرة، ويقترب منها العراق يوما بعد يوم.
ويسلط الضوء على جُملة من العوامل التي بدأت تظهر في العراق وتُمهد لحالة الإفلاس فيه، أبرزها عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليا أو جزئيا، كما نلاحظ أن الديون بعد عام 2003 كانت 120 مليار دولار، وأن نادي باريس أسقط معظم الديون وخفضها إلى 20 مليار دولار.
غير أنه نتيجة للسياسات الخاطئة -حسب الخليفة- ورغم الزيادة في إنتاج النفط، فإن الديون الداخلية والخارجية ارتفعت مرة أخرى، إذ توقفت بغداد مؤقتا عن التسديد عام 2014 نتيجة الوضع الأمني المتدهور وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على عدّة محافظات عراقية، مع زيادة حجم الدين العام العراقي في 2021 إلى 26 مليار دولار، وهي ديون خارجية.
ومن العوامل الأخرى توسع حجم الإنفاق على المؤسسات العسكرية كثيرا، فمثلا كان التخصيص المالي لوزارة الدفاع في 2019 هو 9 تريليونات دينار (أكثر من 6 مليارات دولار) مشكلا ما نسبته 6.8% من الموازنة العامة الاتحادية، أمّا في عام 2021 فكانت التخصيصات المالية هي 7.4 تريليونات دينار (5 مليارات دولار) وتشكل نسبة 5.73% من الموازنة.
أما التخصيصات المالية لوزارة الداخلية لعام 2019 فكانت 11.2 تريليون دينار (7.5 مليارات دولار) أي نسبة 8.4%، وفي 2021 قدرت التخصيصات المالية بـ10.5 تريليونات دينار (أكثر من 7 مليارات دولار) مشكلة ما نسبته 8.1% من حجم الموازنة العامة.
وعند جمع النسبتين تُصبحان 15.2% مخصصات وزارتي الدفاع والداخلية لعام 2019، أما لعام 2021 فهي 13.83% وفقا للخليفة، الذي يؤكد للجزيرة نت أن هذه الأرقام لا تشمل العديد من الأجهزة الأمنية الأخرى مثل جهازي المخابرات ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، والمتقاعدين من تلك الوزارات والأجهزة، فتصل النسبة في النهاية إلى 20% من الموازنة العامة، وهذه نسبة كبيرة جدا.
ومن الأسباب التي تؤدي إلى الإفلاس أيضا الاضطرابات السياسية الداخلية الناتجة عن تغيير الحكومات والانقلابات، وهذا موجود في العراق والدليل أن الانتخابات حدثت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبعد مضي 6 أشهر لم تم تشكيل الحكومة.
ولا يكتفي الخليفة بهذه الأسباب، بل أشار إلى الإفراط في الإنفاق الحكومي، وتراجع أهم الصناعات في البلاد، ففي كل موازنات العراق تكون النفقات العامة أكثر من النفقات الاستثمارية وتصل النسبة إلى أكثر من 80%.
ومن أسباب الإفلاس أيضا إصدار قوانين جديدة تُخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد، وهذا العامل موجود أيضا في العراق، كما يشير الخليفة، بعد قرار الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2020 رفع سعر الدولار مقابل الدينار العراقي والذي خلق فوضى في السوق. إضافة إلى انخفاض تحصيل الضرائب والرسوم نتيجة الإعفاءات والفساد، ويزداد ذلك الانخفاض يوميا بقرارات حكومية بإعفاء دول وشركات وسلع من الضرائب والجمارك.
مرحلة رئاسة اللجنة المالية، كانت فاصلة مهمة في عمل الجلبي - غيتي
الجلبي حذر قبل أكثر من 7 سنوات من إفلاس العراق بعد كشفه عن وجود مافيات فساد استولت على المصارف (غيتي)
تحذيرات سابقة
وكان رئيس اللجنة المالية النيابية الأسبق الراحل أحمد الجلبي حذر في 2015 من توجّه العراق نحو الإفلاس بعد كشفه عن وجود مافيات فساد كبيرة استولت على المصارف ولديها شركاء في البنك المركزي.
وكان رأي وزير المالية الحالي الدكتور علي علاوي موافقا لرأي الجلبي بإشارته في لقاء سابق إلى أن "الحكومة من الممكن أن تتخلى عن بعض الموظفين بعد 10 أعوام إن استمر الوضع على ما هو عليه الآن"، أي لا تستطيع دفع رواتب موظفيه، ويُفسّر ذلك -الخليفة- بأنه "الإفلاس بعينه".
استبعاد الإفلاس
وخالف الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور خالد حيدر ما ذهب إليه الخليفة، واستبعد إفلاس العراق، إذ إن اقتصاده متنوّع بمصادر الدخل والإيرادات العامة والخاصة، مشيرا إلى امتلاك البلاد موارد طبيعية كثيرة وعلى رأسها النفط، إضافة إلى المناطق الحدودية وغيرها من العوامل التي تزيد من الإيرادات العامة والخاصة سنويا.