رغم أن عملية "قفل المخلب" العسكرية التي أطلقتها تركيا، الاثنين الماضي، لملاحقة مسلحي حزب العمال الكُردستاني المعارض لأنقرة في كُردستان العراق ليست الأولى التي تنفذها أنقرة داخل الأراضي العراقية، إلا أنها تختلف من ناحية كثافة استخدام القوات التركية للطائرات المسيرة في استهداف مسلحي الكُردستاني.
وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في بيان، فجر الاثنين الماضي، "انطلاق عملية "قفل المخلب" العسكرية التركية لإنهاء تواجد مسلحي العمال الكُردستاني في مناطق متينا وزاب وآفاشين وباسيان بمحافظة دهوك في إقليم كُردستان العراق"، مشيرا إلى أن الطيران التركي نجح في إصابة المخابئ والكهوف والأنفاق ومستودعات الذخيرة ومقرات الكُردستاني في المناطق المذكورة، وموضحا أن "قوات النخبة والقوات الخاصة التركية انتقلت إلى المنطقة بدعم جوي من مروحيات أتاك والمسيرات العادية والمسلحة لتنفيذ أهدافها".
وتعتبر عملية "قفل المخلب" الجارية حاليا الرابعة ضمن سلسلة العمليات العسكرية الخاصة الموسعة داخل عمق كُردستان العراق منذ عام 2020، حيث نفذت القوات التركية خلال العامين الماضيين عمليات "مخلب النمر" و"مخلب النسر" الأولى والثانية في حدود محافظة دهوك، إلى جانب استمرار القصف المدفعي والغارات الجوية على المنطقة التي أصبحت شبه خالية من سكانها بسبب المعارك.
ولم تشهد القرى والمناطق الجبلية في كُردستان العراق المحاذية لتركيا على مدى 38 عاما الماضية استقراراً إثر الحرب بين مسلحي حزب العمال الكُردستاني المعارض لتركيا والجيش التركي. فالجانبان اختارا الأراضي العراقية ساحة لصراع خَلف حتى الآن أكثر من 45 ألف قتيل منهما ومن المدنيين الى جانب أضرار مادية تقدر بمليارات الدولارات.
ويتخذ العمال الكُردستاني من أراضي كُردستان العراق قواعد ينطلق منها لمهاجمة القوات التركية في المناطق الجبلية الواقعة على الحدود بين البلدين معتمدا طريقة "الكر والفر" في تنفيذ هجماته. وبعد انسحاب مقاتلي الحزب، تبدأ القوات التركية بملاحقتهم فتجتاح الأراضي العراقية وتدخل عمقها بحجة القضاء على تحركات المسلحين المعارضين لأنقرة.
ويقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان إقليم كُردستان، ريبوار بابكيي، "لا يناضل العمال الكُردستاني عبر معاركه لتحقيق حقوق الكُرد في كُردستان تركيا، بل يسعى لتنفيذ أجندات دول مجاورة هي التي تحركه ضد تركيا وضد حكومة إقليم كُردستان والمؤسسات الحاكمة في الإقليم لزعزعة استقراره وإحراجه. إذا كان للعمال الكُردستاني نية حقيقية لمحاربة تركيا فليذهب إلى كُردستان تركيا ويناضل هناك".
ويؤكد بابكيي أن موقف حكومة إقليم كُردستان ثابت اتجاه ما يجري من صراع بين الجانبين على أراضيه. يقول: "يطالب الإقليم من العمال الكُردستاني ترك أراضيه فورا، لأننا حريصون على سياسة حسن الجوار مع دول المنطقة. ولا نقبل أن تزعزع أي جهة الاستقرار في الإقليم".
ويرى بابكيي أن الحكومة العراقية هي صاحبة الشأن السيادي وتمتلك أدوات دستورية وقانونية وسياسية، لذلك تقع على عاتقها ضرورة الحفاظ على سيادة العراق ومن ضمنه سيادة أراضي الإقليم، وبإمكانها طرد العمال الكُردستاني من سنجار والمناطق المتنازع عليها الأخرى، واصفا موقف بغداد مما يجري من صراع بين أنقرة والكُردستاني "موقفا خجولا ولا يرتقي إلى مستوى انتهاج سياسة واضحة اتجاه ما يحدث".
وبحسب مصادر عراقية كُردية مطلعة، أسفرت المعارك والغارات الجوية والقصف المدفعي عن مقتل أكثر من ستة مدنيين وإصابة أكثر من 13 آخرين في كُردستان العراق خلال عام 2021 الماضي.
وكشف منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كُردستان ديندار زيباري، في بيان في سبتمبر الماضي أن "سكان أكثر من 800 قرية في الشريط الحدودي مع تركيا وإيران اضطروا لمغادرتها بسبب العمليات العسكرية التركية والقصف الجوي الإيراني على المنطقة خلال السنوات الماضية".
وتقول معلومات من مصادر كُردية إن مسلحي العمال الكُردستاني يسيطرون منذ تسعينات القرن الماضي على أكثر من 600 قرية هجرها سكانها بسبب المعارك بين الحزب وتركيا، دون أن يتلقوا أي تعويضات.
ويتخذ حزب العمال الكُردستاني من مناطق عدة في كُردستان العراق معاقل له، منها سلسلة جبال قنديل ومناطق في محافظة السليمانية وقرى في ناحية سيدكان بمحافظة أربيل والمثلث الحدودي العراقي التركي الإيراني، إلى جانب القرى والمناطق الجبلية في قضاءي العمادية وزاخو ومنطقة الزاب في محافظة دهوك.
وتمكن الكُردستاني من إيجاد موطئ قدم له في سنجار بعد سيطرة داعش عليها عام 2014، ليتخذ من جبل سنجار قاعدة رئيسية له بالتنسيق والتعاون مع فصائل مسلحة عراقية منضوية في هيئة الحشد الشعبي، فيما تتواجد المئات من عائلات مسلحيه في مخيمات اللاجئين في قضاء مخمور جنوب شرق أربيل.
ويثير هذا التواجد المكثف لمسلحي الحزب داخل الأراضي العراقية تحفظ أنقرة التي لم تتوان خلال السنوات الماضية في استهداف هذا التواجد. وطالما كرر المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تهديداتهم باجتياح سنجار والمناطق الأخرى بهدف القضاء على المسلحين الكُرد المعارضين لأنقرة.
ويكشف الصحفي إيادي هروري وهو من سكان قرية هرور التي تدور بالقرب منها معارك ضارية، أن "الغارات الجوية والقصف المدفعي التركي لا يفرق بين مسلحي العمال الكُردستاني والمدنيين. لذلك اضطر العشرات من المدنيين إلى ترك قراهم. وهو الأمر الذي سيسهل من تمدد جديد للجيش التركي في العمق بشكل أكبر".
واستدعت وزارة الخارجية العراقية، الثلاثاء الماضي، السفير التركي في العراق، احتجاجا على العملية العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية.
وقالت الوزارة في بيان لها إنها سلمت السفير التركي، علي رضا كوناي، "مذكرة احتجاج شديدة اللهجة على خلفية الخروقات والانتهاكات المُستمِرّة للجيش التركي، ومنها العمليّة العسكريّة الأخيرة واسعة النطاق".
ولا تقتصر العملية العسكرية التركية الأخيرة على استهداف مواقع العمال الكُردستاني في محافظة دهوك، بل شهد وادي دوكانيان في قضاء ماوت بمحافظة السليمانية، الجمعة، هو الآخر غارات جوية هي الثانية من نوعها خلال الشهر الحالي، لكنها وبحسب مصادر محلية لم تسفر عن أي أضرار.
وتتهم أطراف سياسية عراقية حزب العمال الكُردستاني بتنفيذ أجندات خاصة بالحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي العراقية بالتنسيق مع فصائل مسلحة عراقية موالية لإيران، من أجل زعزعة الاستقرار في إقليم كُردستان مقابل حصول الحزب على المال والسلاح.
ويعتبر السياسي العراقي مثال الألوسي أن "الدعم والتعاون الذي يحصل عليه حزب العمال الكُردستاني من المليشيات والأحزاب المتنفذة والمتحكمة بالقرار في بغداد يدعو للريبة الكبيرة".
ويوضح الآلوسي: "هذه القوى متعاونة مع النظام والحرس الثوري وتتعمد دفع العمال الكُردستاني إلى تنفيذ نشاطات تستفز أنقرة عسكريًا، وتسعى إلى خلق اضطرابات أمنية في كُردستان. وهذا السلوك الذي يتماشى مع استهداف أربيل بالصواريخ والطائرات المسيرة باسم المليشيات أو بشكلٍ مباشر، كالقصف الصاروخي الأخير على أربيل من داخل الحدود الإيرانية التي أثبتت كل اللجان التحقيقية بطلان الادعاءات الإيرانية".
وبحسب مراقبين ومختصين عسكريين، أنشأ الجيش التركي خلال السنوات الماضية وحتى الآن ما يقارب 20 قاعدة ونقطة عسكرية في إقليم كُردستان ومحافظة نينوى شمال العراق بحجة محاربة مسلحي الكُردستاني.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي علاء النشوع أن "العراق وتركيا كان بينهما اتفاق بهذا الخصوص في الثمانينات نص على مطاردة المطلوبين في كلا البلدين على أن يكون الدخول 20 كم عمق لا أكثر، وألا تستخدم الطائرات والمدفعية الثقيلة في هذه العمليات بسبب تواجد تجمعات سكانية".
ويشير النشوع إلى أن أنقرة لديها أكثر من 14 قاعدة عسكرية داخل الأراضي العراقية بعلم من الحكومة العراقية. أبرزها قاعدة زليكان في محافظة نينوى، وقد توغلت حتى الآن في عمق يصل بحسب التقديرات العسكرية إلى 60 كيلومترا.
ويرى النشوع أن "عملية نقل الصراع إلى العمق العراقي تقف خلفها أهداف تركية وإيرانية بسبب أطماع الدولتين ومحاولاتهما لإخضاع العراق اقتصاديا وسياسيا وأمنيا".