بعد ايام من احتفال العراق رسميا بالعيد الوطني، ومرور 90 عاما على قيام دولة العراق، إذ وافقت الجمعيّة العامّة لعصبة الأمم يوم (3 تشرين الأول 1932)، على قبول العراق عضواً في عصبة الأمم بناءً على طلب الانضمام المُقدم من المملكة العراقيَّة آنذاك بتوقيع رئيس الوزراء الأسبق نوري باشا السعيد، بتاريخ (12 تموز 1932)، ليصبح العراق أول دولة عربيَّة تنضم إلى هذه المُنظمة الدوليَّة آنذاك. بعد كل هذا يرى غالبية من السياسيين والباحثين في الشان العراقي والمواطنين العراقيين بأن العراق اليوم يعيش حالة اللادولة.
كما يؤكد سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، على ان الحكومات التي توالت على العراق، بعد 2003، "لا يمكن لها بناء الدولة في ظل نظام المحاصصة الحالي..لا يمكن ذلك". ويتسائل: "كيف يمكن الحفاظ على بناء الدولة وهيبتها واحد عناصر التحكم فيها هو العنف والسلاح المنفلت الذي تتقاسمه جهات عديدة؟ ولا يوجد سعي جدي لمعالجة هذا الموضوع ولا توجد امكانية حقيقية للتصدي لهذه المشكلة باعتبار ان هناك احزاب سياسية تتحكم بالدولة ولها اذرع مسلحة، غير هذا هناك جهات متنفذة بمركز القرار لها علاقات وامتدادات خارجية".
حكومات المحاصصة تعني الفساد
وحول المصاعب التي تواجه تشكيل الحكومة، يرى فهمي ان "هناك مشكلة اساسية في موضوع تشكيل الحكومة، اولا انها ستقوم وفق مبدأ التوافقية، ونحن عندنا قناعة من خلال التجارب الحالية والسابقة بفشل اي حكومة توافقية مبنية على اساس المصالح المتبادلة وهي تحدد سقف الحركة لرئيس الوزراء، وهذه التجربة تأكدت مثلا مع مصطفى الكاظمي، وان رئيس الوزراء اذا اراد الذهاب بعيدا لمحاربة الفساد او السلاح المنفلت نجد بروز مجموعة من القوى تقف ضده ويتعرض لضغوطات بحيث يتخلى عن مشاريعه في هذا المجال".
ويجد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي بأن "الحكومة القادمة سوف تتشكل على نفس الاساس، المحاصصة، لهذا هي ليست قادرة على تحقيق الالتزامات التي يذكرها، مثلا، محمد شياع السوداني، المرشح لرئاسة الحكومة القادمة من قبل الاطار التنسيقي، حتى لو كان جادا في هذا الموضوع.. ثم ان الحكومة يراد لها ان تكون خدمية وتختصر المسافة بينها وبين المواطن، لكننا نرى ان الوضع الراهن لا يسمح بذلك، فالمنطقة الخضراء، وهي مقر السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، محاطة باسوار عالية لم يسبق لها مثيل، واليوم الجدران الكونكريتية ارتفعت اكثر من اي وقت مضى، فكيف يمكن لحكومة تخشى المواطن والحراك الشعبي وتضع هذه الجدران المحصنة والتدابير العسكرية التي حولت بغداد الى ثكنة عسكرية، ان تحقق التوافق وتردم الهوة بينها وبين الشعب؟".
الرفض الشعبي
ويطرح فهمي سؤالا مهماً مفاده "السؤال هنا هل يمكن ان تتشكل حكومة بدون موافقة التيار الصدري؟ هذا ممكن من الناحية العملية، والبرلمانية، لكن الاشكالية هي سياسية، هل سيشكلون حكومة بالرغم من اعتراض التيار الصدري والرفض الشعبي الذي يتمثل بقوى التغيير والتيار المدني الرافضين لنهج المحاصصة والتوافقية، بمعنى ان هذه الحكومة سوف تستهل عملها وهي بحالة مواجهة مع الشعب العراقي وقوى التغيير، خاصة وان الآن يتحدثون عن تفاهمات او تحالف (ادارة الدولة) الذي سيشارك فيه الجميع، باستثناء الحزب الشيوعي والتيار الصدري، وصارت مقولات مثل (المجرب لا يُجرب) عقيمة ومجرد عناوين يتم ترديدها وليس تنفيذها، والمهم عندهم هي مصالح المتحاصصين".
وأوضح فهمي قائلا: "للعلم انا لا اعتبر هذا التحالف الاوسع (إدارة الدولة) مفاجئ، لأن كل هذه القوى المشاركة في هذا التحالف لم ترفض في اي يوم مضى منهج المحاصصة.. وبعض هذه القوى التي احتفلت سواء بالعلن او بالسر عما تعتقده بفشل تظاهرات الأول من تشرين الأول الحالي، واعتقادهم بأنه لم تعد هناك معوقات امامهم وان التيار الصدري ما عاد مؤثراً، خاصة بعد دخول جماهيره الى مجلس النواب والقصر الجمهوري ولم يتحقق اي شيء وانه لن يحدث مستقبلا اكثر من هذا، حسب اعتقاد القوى السياسية المصرة على المحاصصة، وبالتالي سوف يمضون بمخططاتهم لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وهذا ممكن، لكن هذا يعني انهم لن يسيروا بخطوات كبيرة".
انتخابات مبكرة لاجل التغيير
فهمي، وفي رده عن سؤال حول احتمالية قيام انتخابات مبكرة للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، اجاب: "اذا ارادوا تنفيذ انتخابات مبكرة بصيغة مشابهة لما حصل لانتخابات 2019، اي تكييفها بما يضمن مصالح القوى المتحاصصصة، فهذا لن يؤدي الى اي نتيجة. الانتخابات المبكرة بمعنى تغيير المشهد السياسي الحالي وليس للابقاء عليه، وان تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين، وان تتم وفق منظومة صحيحة من حيث قانون الانتخابات ومفوضية انتخابات جديدة. اما ان تجري انتخابات وفق توافقات بين الاحزاب بما يخص قانون الانتخابات واختيار المفوضية فهذا يعني عمليا انهم سيأتون بصيغة مشابهة لما هي عليه الآن وبالتالي فان التغيير سيؤجل وتبقى الاوضاع على ما هي عليه ".
ويؤكد فهمي بأنه "لا بد من تغيير حقيقي وجذري لأن الفساد يستشري وأدى الى نتائج وخيمة وصلت الى حد انهيار ابنية ببغداد راح ضحيتها الابرياء، مثلما حصل مؤخراً، انهيار بناية المختبر الوطني في ساحة الواثق وسط رصافة بغداد". وقال: "انا استمعت لتصريحات رئيسة هيئة الاستثمار التي كشفت بأن هذه الحالة سوف تتكرر، وتعني انهيار الابنية، لان الفساد كان كبيرا في موضوع منح اجازات الاستثمار، وشراء الموافقات، او البناء بدون موافقات وضوابط الجهات المختصة بما فيها امانة بغداد، واعترفت بان المئات من هذه الاجازات، اذا لم تكن أكثر، قد صدرت بهذه الطريقة.. لاحظوا انا هنا اشير الى حجم وتأثير الفساد في مفصل واحد فقط وهو الاستثمار". منبها بقوله: "ولنا ان نحسب حجم وتاثير الفساد على مفاصل الصحة والأدوية والتربية والتعليم، والمفاصل الاخرى وهذا مثل مرض السرطان الذي استشرى، وما يزال يستشري في كل جسد الدولة العراقية وما عاد ينفع معه العلاج بل البتر هو افضل الحلول".
وخلص الى "ان اي حكومة توافقية غير قادرة على انهاء الفساد وتحقيق الاستقرار لان الجميع متورطون بملفات الفساد، وحسب اعتراف قيادي في حزب الدعوة تنظيم العراق قال بان كل الحكومات التي جاءت بعد 2003 باطلة، بمعنى ان كل التاسيس قام على باطل، طيب كيف قبلتم وتقبلون العمل في حكومات باطلة؟ وكل ما يحدث اليوم هي تراكمات نهج المحاصصة والسكوت على الباطل والفساد والخراب والتستر على الفاسدين حتى صارت هناك جبال من ملفات الفساد، اذن كيف لحكومة تستطيع مجابهة هذا الوضع وهي قائمة على المحاصصة ومن فيها هم المسؤولون عن هذا الخراب".
لن نشارك بهذه الحكومة
ونفى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، نيتهم بالمشاركة في "اية حكومة تقوم على نهج المحاصصة"، وقال: "لم يفاتحنا اي احد او جهة في الاشتراك بالحكومة وهم يعرفون موقفنا من حكومات المحاصصة والتوافقية، نحن ضد الفساد وضد المحاصصة وليس من المعقول الاشتراك بهكذا حكومات، نحن عندنا موقف مبدأي لمصلحة البلد والشعب العراقي، ونرى ان هناك كارثة حقيقية يعيشها العراق اليوم ونؤمن بأن التغيير هو ليس شعاراً شعبوياً او رغائبياً، بل ان التغيير ضرورة موضوعية مهمة وملحة يحتاجها البلد خلاف ذلك فان العراق يمضي الى ازمات اكثر عمقا وتعقيدا، هناك جيوش من العاطلين وغالبيتهم من الشباب الخريجين، والمشاريع تتقاسمها حيتان الفساد، وان القطاع العام مسروق والدولة معطلة".