المحايد / سياسي
سنوات وما زال العراقيون يعانون نقصا رهيباً بالمناهج الدراسية، مع استمرار استحواذ مثنى السامرائي على ملف طباعة الكتب والذي أسس من خلاله امبراطوريته.
ويعد ملف طباعة الكتب المدرسية من أكثر الملفات التي شهدت سرقة بوضح النهار على الرغم من كونه يمس واقع الملايين من طلبة وتلاميذ العراق وتوفير المستلزمات الضرورية.
وكشف تقرير صادر من ديوان الرقابة المالية عن مبالغ مالية مرعبة حصلت عليها شركة الوفاق التابعة لرئيس تحالف عزم مثنى السامرائي من خلال عقد طباعة المناهج الدراسية.
الوثيقة الصادرة عن ديوان الرقابة المالية في عام 2018 أفادت بأن نسبة شركة الوفاق من العقد هي 95 بالمئة بينما وزارة التربية كانت تحصل على 5 بالمئة فقط، ما يعني أن هناك فساداً كبيراً تخلل هذا العقد طيلة السنوات الماضية.
أزمة المناهج الدراسية التي تسببت بها الشركة التابعة للسامرائي لم تكن وليدة اليوم، وأنما اندلعت بعد عام 2010 عندما وقعت وزارة التربية عقداً مع شركة الوفاق لطباعة الكتب.
الوثيقة الصادرة عن ديوان الرقابة المالية كشفت عن فساد كبير تخلل عقد المشاركة بين وزارة التربية وشركة الوفاق لطباعة الكتب، ما اسفر عن تمكن السامرائي من الحصول على المليارات من هذا العقد.
الادعاء العام قال انه يملك من الوثائق الرسمية والمعلوماتية ما يكفي لإثبات الفساد في مفاصل وزارة التربية والمستلزمات التربوية ومطبعة النهرين.
وأضاف انه "لسنوات طويلة وعلى مدى عدة حكومات هناك من يتحكم بوزارة التربية ويسيطر على طباعة الكتب المدرسية مع وجود ملاحظات ودعاوى مقامة بهذا الشأن في هيئة النزاهة، إضافة الى الكثير من التقارير لديوان الرقابة المالية الاتحادي".
وأشار الى ان "اهم مفاصل الفساد التي شخصت من قبل اللجنة المختصة والتي احيلت للقضاء هي عملية التحايل التي تمت من قبل الاشخاص الذين اقيمت عليهم الشكاوى بصرف مبلغ سلفة لإعادة تأهيل دار النهرين بمبلغ ١٣٠ مليار دينار في عام ٢٠١٥".
وتابع الادعاء ، ان "هناك جانباً آخر من الفساد حيث قامت الوزارة بشراء اراضٍ من صاحب المطبعة المتنفذ وهو أحد أعضاء مجلس النواب وتقع هذه الأراضي في منطقة البتاويين وسط بغداد بمبلغ مليونين و500 الف دينار للمتر المربع الواحد".
واوضح "وإكمالا لهذا الامر وبعد عدة اشهر يعود عضو مجلس النواب ليدخل بعقد مشاركة مع الوزارة لمدة خمس سنوات وبنسبة فائدة 5% للدولة والمتبقي لصاحب هذه الشركة وبنفس الاراضي والتجهيزات التي باعها لوزارة التربية".
وختم الادعاء بالقول، انه "ستقام دعاوى اخرى في الايام القادمة بعد اكمال التقرير النهائي لوضع النقاط على الحروف وايقاف أكبر عمليات فساد مستمرة منذ سنوات في وزارة التربية".
وفي عام 2013 تعاقدت وزارة التربية مع شركة كارنيت (شركة لبنانية مقرها في بريطانيا)، لطباعة مناهج دراسية، بينها عقد لطباعة منهج مادة اللغة الانكليزية وتدريب مدرسيها بقيمة 220 مليار دينار عراقي.
وتعود تلك التعاقدات الى حقبة وزير التربية الاسبق محمد اقبال الصيدلي، ووفقا للمعطيات فان العقد الذي تضمن اعداد وطباعة وتجهيز الكتب المنهجية للغة الإنكليزية بالإضافة الى تدريب الكوادر التربوية، تفوق تكلفة طباعتها لدى الشركات العراقية بعشر مليارات دينار، فضلا عن كون الشركة لا تحمل اصولا رسمية، وغير خاضعة للضرائب.
وبحسب تصريحات سابقة للنائبة عالية نصيف، فإن إحالة العقد تمت بشكل مباشر دون فتح مناقصة، أي أنها إحالة حصرية احتكارية، وبذلك تم حرمان الشركات العراقية التي تشغل أيدي عاملة عراقية من المنافسة"، على حد تعبيرها.
ووفقا لمصادر عليمة، فإن العقد مع الوزارة الغي في العام 2019، ليعود تجديده بعد اقرار الموازنة الاتحادية 2021 بعد ادراج مادة ترفع الحظر الحكومي على طباعة المناهج لدى شركات غير عراقية.
وتشير أطراف سياسية الى دور مثنى السامرائي بإعادة التعاقد مع الشركة اللبنانية، نظراً لسطوته المعروفة على الشركة العامة للمستلزمات المدرسية في وزارة التربية.
وقبل حصوله على مقعد نيابي، فقد عرف عن السامرائي احتكاره لعقود الشركة العامة للمستلزمات المدرسية عبر شركتي الوفاق للطباعة الفنية المحدودة، وشركة الوراق.
وتتهم أوساط سياسية السامرائي بالوقوف وراء الغاء قرار مجلس الوزراء القاضي بمنع طباعة المناهج المدرسية خارج البلاد، من خلال صياغة المادة 14 بشكلها النهائي الذي تم التصويت عليه.
وتنص (المادة 14 / رابعا) على ما يلي ((لوزارة التربية دعوة القطاعين الخاص والعام داخل العراق لتنفيذ طبع الكتب المدرسية لسدّ ... مع الغاء قرار 790 لسنة 2018.)).
وأصدرت لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء في العام 2017 قرارا حمل رقم 790 ألزمت فيه وزارة التربية بما ورد في قرار مجلس الوزراء رقم 272 لعام 2015، الذي ينصّ على ((إلزام الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة كافة والمؤسسات الحكومية الأخرى، بطبع وتنفيذ مطبوعاتها في المطابع الحكومية ومطابع القطاع الخاص داخل العراق، على أن لايتم التعاقد من الباطن مع مطابع خارج العراق)).
وتضمنت المادة المعدّلة خطأ واضحاً في تاريخ قرار مجلس الوزراء، فبدلاً من الإشارة الى قرار 790 لعام 2017، نصّت على قرار 790 لعام 2018. وكشفت أوساط مطلعة عن إعادة وزارة التربية لعقدها مع شركة (كارنيت) بالتزامن مع إقرار الموازنة العامة لعام 2021.
واشّر تقرير لهيئة النزاهة، في كانون الثاني 2019، جملة مخالفات وتحايل قانوني، في العقد المبرم مع شركة كارنيت، كما أكَّد إبرام وزارة التربية لعقدٍ لتأليف الكتب وطباعتها على مدى 6 سنواتٍ ابتداءً من عام 2014 لغاية 2020.
ولفت تقرير النزاهة إلى عدم اتباع الأساليب التعاقديَّة المنصوص عليها في تعليمات تنفيذ العقود الحكوميَّة رقم (2) لسنة 2014. وبحسب التقرير فانه تمَّ تكليف عددٍ من الشركات بطبع عناوين الكتب المدرسيَّة التي تختارها، على الرغم من أنَّ المادَّة (41) من قانون الموازنة العامَّة الاتحاديَّـة لسنة 2018 نصَّت على (دعوة القطاعين العامِّ والخاصِّ داخل العراق لتنفيذ طبع الكتب المدرسيَّة) أي أنَّها تضمَّنت مبدأ المنافسة بين القطاعين، وليس الدعوة.
ويعد ملف طباعة المناهج الدراسية أحد الملفات الشائكة لتضمنه مخالفات وشبهات فساد كبيرة، كما اشار تقرير ديوان الرقابة المالية في العام 2019، حين شخص عددا من المخالفات القانونية منها ابرام الشركة العامة لإنتاج المستلزمات التربوية عقودا مع مطابع غير عراقية منذ2011.
يشار الى ان وزارة التربية تعاقدت عام 2016 مع (الشركة العامة للمستلزمات التربوية) لطباعة دفاتر مدرسية بقيمة 36327676000 دينار، أي ما يزيد عن 31 مليون دولار.
لكن تقريراً لديوان الرقابة المالية اكد أن الشركة "قامت بإحالة تنفيذ العقد بالكامل إلى شركة (الوراق) والتي قامت بطبعها خارج العراق".
وبلغت مبالغ عقود طباعة الكتاب التي ابرمتها وزارة التربية عام 2016(103273674076) دينار، أي ما يزيد عن 88.2 مليون دولار.
وكشف تقرير ديوان الرقابة بأن أغلب الكتب المدرسية طبعت خارج الشركتين المتخصصتين: (شركة النهرين للطباعة) و (الشركة العامة لإنتاج المستلزمات التربوية)، حتى بعد دمج الشركتين في شركة واحدة في العام 2018 تحت اسم "شركة النهرين للطباعة وإنتاج المستلزمات التربوية". ويشير التقرير الى ان مجموع ما نفذته الشركتان كان (6.85٪، 38.25٪، 36.46٪) على التوالي في السنوات 2016 و2017 و2018.
وبحسب تقرير ديوان الرقابة المالي فإن 93٪ من العقود الموقعة مع الشركة العامة لإنتاج المستلزمات التربوية تم إحالتها إلى الشريك (شركة الوراق) والتي قامت بطباعتها داخل وخارج العراق. وترجح أوساط سياسية وجود دوافع انتخابية وراء تمرير هذا البند الذي وصف بـ"الملغم" في الموازنة العامة