المحايد/ ملفات
في يوم الثلاثاء المصادف (15 حزيران 2021)، صوّت مجلس الوزراء على مشروع إنشاء مدينة الرفيل في المناطق المحيطة بمطار بغداد الدولي، من أجل حلّ أزمة السكن في العاصمة بغداد، ولتكون عاصمة إدارية تضم مجمعات سكنية ومشاريع اقتصادية، على حد رؤية المجلس، إلا أن المشروع قد يكون له آثار وخيمة.
ومدينة الرفيل سُميت بهذا الاسم، نسبة إلى نهر الرفيل القريب من المنطقة، والذي كان من الأنهر القديمة ويُنسب إلى دهقان الذي كان من الفرس، إلا أن بعض المختصين انتقدوا فكرة المشروع، لأنه سيبنى في المناطق المحيطة بالمطار، والتي يتواجد بها مواطنون إلا أن رئيسة هيئة الاستثمار الوطنية، سهى النجار، كانت قد قالت، إن المواطنين سيُعوضون عند أخذ الأرض منهم لبناء المدينة.
النجار أوضحت، أن "مشروع الرفيل سينفذ على أربع مراحل، الاولى لإنشاء مجمعات سكنية وتعليمية وطبية وتجارية وخدمية وترفيهية، وحسب التصاميم المقترحة من قبل الشركة الامريكية (CH 2M) والتي اشترتها مؤخرا الشركة الهندسية العملاقة (جيكوبز انجنيرنج جروب- تكساس)".
وأشارت إلى أن "المرحلة الثانية خُصصت لمشاريع لوجستية خدمية مجاورة للمطار، بينما الثالثة لمشاريع زراعية غذائية، أمَّا المرحلة الرابعة، فستغطي أراضياً واسعة من قضاء أبو غريب شمال وغرب المطار، وستُعرض هذه المراحل كفرص استثمارية (لجهات غير عراقية على الأغلب)، مع إعداد تصاميم تفصيلية لكل فرصة تحدد فيها المشاريع مع توفير الخدمات التحتية اللازمة"، موضحةً أن "الهيئة بصدد طرح 12 فرصة استثمارية قريبا عبر لجنة حكومية وسيراعى فيها كل شروط الشفافية".
ورغم هذه التوضيحات، إلا أن مشروع المدينة شهد جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والمراقبين، حين أشار بعض السياسيين إلى أن "تهجير المواطنين من مناطقهم لبناء مدينة تكون عاصمة إدارية، مخالف ومنافي لحقوق الإنسان، وكذلك تحويل الأراضي الخضراء إلى بناء يضرّ في البيئة"، لتردَّ على الكلام سهى النجار قائلة إن "الحديث عن تحويل أراضٍ زراعية بمحيط مطار بغداد إلى مشروع سكني غير دقيق، وأنّ ما يثار من مواضيع حول وجود عقد استثماري لتحويل أراض زراعية تحيط بمطار بغداد الدولي إلى مشاريع استثمارية عار عن الصحة، وهي زوبعة إعلامية يقودها بعض المرشّحين للانتخابات النيابية بهدف كسب أصوات الناخبين بطرق الاحتيال".
وتابعت: "لا وجود لأي مشروع استثماري في المناطق الزراعية المحيطة بمطار بغداد الدولي"، مؤكدة أنّ ما أثير يهدف لـ"كسب أصوات الفلاحين والعوائل الفقيرة". ولفتت إلى "رفع دعوى قضائية ضدّ كل من يثير هكذا مواضيع تهدّد أمن واستقرار العوائل العراقية، ولا سيما تلك العائلات التي مضى على سكنها في الأراضي المحيطة بمطار بغداد الدولي مئات السنين".
ووسط هذه المناوشات، قال مسؤول في محافظة بغداد رفض الكشف عن هويته، إنّ "فكرة الاستثمار في محيط مطار بغداد ليست جديدة، وتعود للحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، التي حاولت إنشاء مجمّعات سكنية في منطقة الرضوانية بجوار المطار، إلا أنها لم تتمكن من ذلك بسبب استقالتها قبل نهاية عام 2019".
وحاولت الحكومة السابقة انتزاع آلاف الهكتارات الزراعية المحيطة بمطار بغداد الدولي، الواقع غربي العاصمة بغداد، ومنحها لشركات أجنبية بدعوى الاستثمار، ما أثار اعتراضات واسعة حينها من قبل العشائر التي تسكن تلك المناطق، والتي رفضت التلاعب بأراضي وتركيبة حزام بغداد.
ويقول مصدر سياسي مطلع لـ "المحايد"، إن "قرار إنشاء مدينة الرفيل اتُخذ رغم معارضة اللجنة القانونية بمجلس الوزراء ووزارة التخطيط عليه، وبمعزل عن امانة بغداد والمخطط الانمائي الشامل لبغداد 2030"، مبيناً أن "هذا القرار له تبعات خطيرة للغاية وهو غير قانوني ومن غير المعقول اتخاذه بهذه السهولة والعجالة من قبل حكومة تصريف أعمال غير منتخبة".
وكانت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، قد طالبت في وقت سابق، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإيقاف أي قرار او موافقة على إعلان الاراضي المحيطة بمطار بغداد كفرصة استثمارية.
وقالت اللجنة، إن "لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية/ اللجنة الفرعية للاستثمار التي اترأسها ناشدت رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بإيقاف أي قرار او موافقة على إعلان الاراضي المحيطة بمطار بغداد كفرصة استثمارية وفقا لأحكام نظام بيع وايجار عقارات واراضي الدولة والقطاع العام لاغراض الاستثمار والمساطحة عليها رقم (6)لسنة 2017 الذي يجعل بالمواد 4 و5 منه بدل تلك الاراضي رمزي بنسبة (2%) من قيمتها خلافا لأحكام المادة (9/سادسا) من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 التي اشترطت ان يكون تخصيص الاراضي للمشاريع السكنية داخل حدود التصميم الأساس للمدن ببدل".
وأضافت أن "لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية اعترضت منذ العام 2018 على العمل بهذا النظام وطالبت بوقف العمل به وتعديل الاحكام المخالفة منه لاصل القانون لما يسببه استمرار العمل به من هدر وضرر بالمال العام وقد ايد ذلك كل من ديوان الرقابة المالية الاتحادي بكتابه المرقم (12205/2/19) في 2020/9/28 بمخالفة المواد (4و5) منه حكم المادة (9) من قانون الاستثمار".
ويشير احسان فتحي، وهو معماري ومخطط مدن عراقي وخريج جامعة شفيلد- المملكة المتحدة إلى أن "إنشاء هذه المدينة سيسبب كارثة إنسانية وبيئية وتغييراً ديموغرافياً خطيراً تشهدها بغداد في تاريخها المعاصر، لأنها ستزيح حوالي 300 ألف انسان بغدادي الى اماكن مجهولة دون ذنب، وستتسبب باستقطاب أعداد هائلة من المركبات واختناقات مرورية على طريق المطار والطرق الاخرى، وستزيل مساحات كبيرة من حزام بغداد الاخضر، إضافة إلى مشاكل بيئية ضارة بسبب تعمير الاراضي الزراعية الخضراء واستبدالها بطرق وابنية".
وتابع قائلاً: "عند اكتمال إنشاء كافة مراحل المدينة، سيحاصر المشروع، مطار بغداد الدولي، حين تتنامى طاقة المطار الاستيعابية حتما في المستقبل القريب الى حوالي 10-15 مليون راكب سنويا، بالعمران الكثيف مما سيضطر سلطات المطار الى التفكير جديا بنقل المطار الى موقع اخر جديد".
وأشارت لجنة الاقتصاد النيابية في بيانها إلى أن "القائمين على إدارة الهيئة الوطنية للاستثمار يراد منهم تخصيص (12000) الف دونم ضمن اراضي محيط مطار بغداد الدولي كفرصة استثمارية وفقا لأحكام نظام بيع وايجار عقارات واراضي الدولة والقطاع العام لاغراض الاستثمار والمساطحة عليها رقم 6 لسنة 2017 سيئ الصيت والتغطية على الجريمة التي سترتكب بحق المال العام بغطاء قرار يصدر من مجلس الوزراء يسمح بتخصيص تلك الاراضي واعلانها كفرصة استثمارية".
وطالبت اللجنة رئيس الوزراء بـ"إيقاف إصدار هكذا قرار والايعاز إلى الاجهزة التنفيذية في الامانة العامة لمجلس الوزراء والهيئة الوطنية للاستثمار والجهات الاخرى المختصة بإيقاف العمل بالنظام رقم (6)لسنة 2017 المعدل بالنظام رقم (5) لسنة 2018 وان يكون بدل الاستثمار داخل حدود التصميم الاساس ببدل حقيقي وليس رمزيا والمضي باجراءات تصويب الوضع القانوني لما تم منحه خلافا لأحكام قانون الاستثمار النافذ".
وأوضح فتحي قائلاً، إن "اختيار الموقع الجديد كان من الممكن، أن يكون قرب بحيرة الحبانية لتكون عاصمة إداريّة جديدة وهي تبعد حوالي 50 كيلو متر من المطار، لأنه سيكون أفضل بكثير بيئيا واقتصاديا".
وبيّن، أن "الحكومة لا تعطي مثل هذا المشروع إلى مكتبٍ ما، بل تعلن الدول مثل هذا المشروع الكبير كمسابقة بين عدد معين من أفضل المكاتب الاستشارية المتخصصة في تخطيط المدن، بعد اكتمال دراسة الجدوى طبعا وبرنامج المتطلبات (TOR)، لتقديم أفكارهم العامة وتصوراتهم عن العاصمة الإدارية الجديدة لكي يتم اختيار التصور الافضل (Concept) من قبل لجنة تحكيم متخصصة واعضائها على درجة عالية من الاحتراف والخبرة".
وطالب فتحي، هيئة الاستثمار الوطني "بإعادة النظر مرة أخرى في هذا المشروع، وأن تفكر جديّاً بخيار إنشاء المدينة الجديدة في منطقة الحبانية، لأن المضي قدماً في مشروع مدينة الرفيل، بغض النظر عن كل نتائجه الوخيمة المذكورة اعلاه، سيتحمله تاريخيا كل مسؤول وقع على تنفيذه".
ويبلغ عدد سكان مناطق حزام بغداد أكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وتشمل مناطق الطارمية وأبو غريب واليوسفية وصدر اليوسفية والرضوانية والتاجي وجسر ديالى، وتُعتبر مناطق زراعية خصبة، وتقطنها منذ قرون قبائل عربية، أبرزها زوبع، والدليم، والقره غول، والجبور، والمشاهدة، والمجمع، والجنابيين والعبيد، وشمر.