المحايد/ ملفات
انتهت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وانتهت معها سيطرة الإصلاحيين على الرئاسة طوال الثمان سنوات الماضية، لتبدأ حقبة جديدة مع المحافظين، عقب وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية، الذي قالت عنه وسائل إعلام إيرانية في وقت سابق، إنه سيكون خليفة المرشد الأعلى، علي خامنئي، وقد تبدأ معه المشاكل في المنطقة عموماً والعراق خصوصاً.
إبراهيم رئيسي وصل إلى كرسي الرئاسة وهو على قائمة العقوبات الأمريكية، بعد ما وضعته الإدارة الأمريكية على لائحة العقوبات بسبب أدواره السابقة، حين كان قاضياً متهماً بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان حين نُفذت عمليات الإعدام في العام 1988، وكان آنذاك عضواً بارزاً في "لجنة الموت" المختصة بالإعدامات، واتُهم رئيسي أيضاً بالمشاركة في قمع احتجاجات الثورة الخضراء في طهران عقب انتخابات 2009.
رئيسي قد يكون مختلفاً عن حسن روحاني، خصوصاً بعد ما قال الأول، إن الأخير "يهدف للتقارب مع الأعداء، وعرّض البلاد إلى مشاكل اقتصادية، وهذه المؤشرات، تدل على أن رئيسي ليس براغماتيا في مقارباته السياسية، ولا يعول على التقارب مع الغرب لحل مشكلات البلاد السياسية والاقتصادية.
وفي السياق، يرى بعض المراقبين والباحثين في الشأن الإيراني، أن "ملفات التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين كلها من اختصاص مرشد الجمهورية والحلقة الضيقة من الخبراء المحيطة به، والتي توكل تنفيذ هذه السياسات إلى فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن السياسات الإقليمية".
وأضاف المراقبون، أن "تسنم إبراهيم رئيسي منصب رئيس الجمهورية، وهو الرجل المعروف بقربه من الحرس الثوري ومن مكتب المرشد، سيعني تنسيقا أكثر في تنفيذ السياسات الإيرانية الإقليمية وتجاوز الصراعات التي حدثت بين الحكومة والحرس الثوري إبان عهد روحاني".
وما يخص الملف السوري واللبناني، فيعده رئيسي "خطا أحمر" لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو ينتقد السياسات الحكومية تجاهه، إذ تتعاطى طهران مع الشأنين السوري واللبناني كملف واحد قائم على الدعم غير المحدود لسياسات حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى دعم نظام بشار الأسد غير المحدود بكل ما يحتاجه".
وأشار دبلوماسيون إلى أن "هذا الملف اُعتبر تجليا، أو ساحة جانبية للصراع الإيراني الإسرائيلي، إذ تحملت إيران العديد من الضربات الإسرائيلية التي طالت معسكرات تواجد الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله اللبناني في سوريا من دون ان ترد بشكل فاعل على هذه الضربات حتى الآن".
الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي كانت قد وصفت سياسته الخارجية بأنها "ستتوزع على ثلاثة مجالات رئيسة، وهي: الأمن من مبدأ السلطة، والسلام من مبدأ القوة، والتفاوض والدبلوماسية من مبدأ العزة والمنفعة، كما سبق لرئيسي توضيح وجهة نظره فيما يخص مفاوضات الملف النووي أثناء مناظراته مع مرشحي الرئاسة، إذ قال حينذاك «يجب الالتزام بالاتفاق النووي كعقد من تسعة بنود وافق عليه المرشد الأعلى، وكالتزام يجب على الحكومات القيام به"، ليهاجم آنذاك أداء حكومة روحاني واعتبرها ضعيفة ومتخاذلة تجاه الغرب.
وفي العودة إلى العلاقات الإيرانية السعودية، يشير بعض المختصين إلى أن إيران ستمارس نفس سياستها السابقة، ولا يكون تقارب بين البلدين بعد وصول رئيسي إلى الحكم، إلا أنه كان قد قال: "إيران تريد التفاعل مع العالم، وإن أولوية حكومتي ستكون تحسين العلاقات مع جيراننا في المنطقة"، مضيفاً: "يجب أن توقف السعودية وحلفاؤها فورا تدخلهم في اليمن".
ولفت رئيسي إلى عدم وجود "عقبات" أمام استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، حين قال: "لا عقبات من الجانب الإيراني أمام إعادة فتح السفارتين» في وقت تجري المحادثات سعيا لتحقيق تقارب بين الدولتين الخليجيتين اللتين قطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ مطلع 2016، إلا أن سياسة رئيسي قد لا تهدف إلى تحسين العلاقات، حسب ما يقول بعض المراقبين.
ومن هذا المنطلق، فإن ملف الصراع الإسرائيلي – الإيراني إذا شهد توترا وتصعيدا في ظل حكومة يمينية متشددة في تل أبيب هي حكومة نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا، يقابلها رئيس محافظ متشدد في طهران، أزاح حكومة الإصلاحيين بعد ثمان سنوات من حكم روحاني، لذلك يُقرأ المشهد الحالي على أنه ينبئ بتصعيد بين الطرفين، التي قد تنعكس سلباً على أمن العراق والمنطقة.
وأشارت مسؤولة الملف الإيراني في المعهد الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية «INSS» سيما شينى إلى أن "المرشد الأعلى علي خامنئي هو المقرر للسياسة الخارجية والداخلية في إيران، وأن تسهيل وصول رئيسي إلى مقعد الرئاسة، إنما يهدف لتحضيره لخلافة خامنئي".
من جهتها، ذكرت قناة «12» التلفزيونية الإسرائيلية، أن "المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ترى إن انتخاب رئيسي يفرض على تل أبيب إعداد مخطط لشن عمل عسكري على المنشآت النووية الإيرانية"، كاشفةً عن "إجراء وزارة الحرب الإسرائيلية نقاشا حول تداعيات انتخاب رئيسي رئيسا لإيران".
وأشارت القناة إلى أن "التقديرات التي قُدمت أثناء النقاش أشارت إلى إن الرئيس الجديد سيتبنى التوجهات «المتطرفة» من البرنامج النووي التي يتشبث بها المرشد علي خامنئي، وربما جاء الخبر الذي نشرته وسائل إعلام رسمية إيرانية عن إحباط السلطات الإيرانية محاولة تخريبية استهدفت مبنى لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في كرج (غرب طهران) يوم 23 حزيران/يونيو الجاري مصداقا للتخطيط الإسرائيلي لتنفيذ هجمات تستهدف برنامج إيران النووي قبل أن يتم إحياء الاتفاق النووي من جديد".
ووفقاً للمؤشرات الأولية، فإنها تشير إلى استمرار مفاوضات فيينا بنفس النهج، بينما التصريحات المتبادلة بين إيران ودول «5+1» متباينة، وفي بعض الأحيان متضاربة، بعض المراقبين ركزوا على أهمية المرحلة الانتقالية قبل تسلم إبراهيم رئيسي مهامه رسميا مطلع آب/اغسطس، وأشاروا إلى إن إدارة بايدن إذا لم تنجز العودة إلى الاتفاق النووي في غضون هذا الشهر، فإن الكثير من التعقيدات ستطفو على السطح ما قد يسبب تراكما لأزمات لا أحد يعرف مدى خطورتها بعد تسلم المحافظين لهذا الملف الخطير".
وكان أول ظهور رسمي مؤثر للرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي قد حدث في أيار/مايو عام 2016 عندما زاره قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال علي جفري مع قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في مدينة مشهد، وقد أشارت صحيفة «الاندبندت» البريطانية واصفة المشهد في تقرير لها بالقول "اعتبر مراقبون الصور الصادرة عن ذلك اللقاء، بمثابة تحضير لرئيسي من المؤسسة الأمنية القوية في البلاد الحرس الثوري، ليكون حاملاً للوائها.. وبعد عام على ذلك اللقاء، خرج رئيسي من بين حشد من المتشددين كأقوى منافس يخلف الرئيس المعتدل حسن روحاني".
واعتمادا على المعطيات المتوفرة فإن موقف رئيسي من الملفين اللذين تحاول إدارة بايدن الحاقهما بالملف النووي، وهما الملف الصاروخي الإيراني، وملف تحجيم الدور الإقليمي لإيران سيكون مصيرهما الرفض بالتأكيد، لانهما يمثلان رئة الحرس الثوري الإيراني التي ستتسبب في موت هذه المؤسسة إن تم إغلاقهما أو التحكم بهما.
وقد أعلن الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي موقفه من ملفي البرنامج الصاروخي وتحجيم التدخلات الإيرانية إقليميا في أول مؤتمر صحافي له يوم الاثنين 21 حزيران/يونيو الجاري بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، إذ تعهد بالسير على نهج الثورة، معتبرا أن فوزه في الانتخابات هو رسالة شعبية بضرورة حماية «قيم الثورة» مؤكدا أن القضايا الإقليمية والصاروخية التي تتبناها بلاده «غير قابلة للتفاوض".
رئيسي أشار إلى إن "السياسة الخارجية لبلاده لن تتقيد بالاتفاق النووي المبرم عام 2015"، مضيفاً: "سياستنا الخارجية لن تتقيد بالاتفاق النووي، وسيكون لدينا تفاعل مع العالم، ولن نربط مصالح الشعب الإيراني بالاتفاق النووي".
أما الملفات الإقليمية الأخرى في السياسة الخارجية الإيرانية في عهد رئيسي فيبدو إنها تتجه نحو مزيد من التشدد، المفارقة إن إبراهيم رئيسي كتب في موقع تابع له قبل أيام أن "التعاون الوثيق وتبادل المنافع مع جميع الجيران ووضع الأساس لذلك بهدف الحفاظ على الإنجازات وتعميق السلام والاستقرار الإقليميين، هي من الأولويات الأولى للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول العربية ودول الجوار".