المحايد/ ملفات
مرَّ عام كامل على حادثة اغتيال الباحث والخبير الأمني العراقي الشهيد هشام الهاشمي في هجوم مسلح قرب منزله في حي زيونة بالعاصمة بغداد، بعد خروجه من مقابلة تلفزيونية انتقد فيها أنشطة الجماعات المسلحة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ ومهاجمة البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، واصفاً إياها بـ "قوى اللا دولة".
ما زالت جريمة اغتيال الشهيد الهاشمي تشكل صدمة كبيرة لدى العراقيين بمختلف مستوياتهم وثقافاتهم، من دون التوصل إلى الجناة أو الكشف عنهم، بسبب معرفتهم أن الجاني ينتمي لجهة من الفصائل المسلحة، والقبض عليه يعني اشتعال حرب بين قوى الدولة وقوى اللا دولة، حسب ما يرى بعض المختصين بالشأن الأمني.
وعلى الرغم من صداقة رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، بالشهيد الهاشمي، إلا أنه لم يعلن عن شيء يظهر قتلة الهاشمي، رغم أن كاميرات المراقبة أظهرت عملية الاغتيال أمام منزل الهاشمي، وفي منطقة تعتبر مستقرةً أمنياً.. إلا أن الكاظمي اكتفى بالإعلان عن التوصل لخيوط من الجريمة.
وكان آخر تعليقٍ من حكومة الكاظمي بشأن الحادثة، هو ما صدر عن المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء أحمد ملا طلال، في تشرين الثاني الماضي، حين قال، إن "قوات الأمن تعرفت إلى قتلة الهاشمي من خلال ضبط دراجتين ناريتين في منطقة بالعاصمة بغداد"، كاشفاً عن "التعرف إلى شخصين كانا يستقلان إحدى الدراجتين في عملية الاغتيال".
وأضاف في مقابلة متلفزة: "تبين لاحقاً أنه تم تهريب هؤلاء الأشخاص إلى خارج العراق من قبل بعض الجهات"، ولم يصدر أي توضيح من الحكومة حول عملية التهريب، ليعلن بعدها ملا طلال بفترة ليست كبيرة، استقالته من منصب المتحدث باسم رئيس الوزراء، بينما في شهر رمضان، كان الناطق باسم القائد العام، اللواء يحيى رسول قد ظهر في مقابلة متلفزة أيضاً، وسُئل عن معلومة الملا طلال ليكتفي بالقول: "اسألوه ألم يقل هو ذلك"، دون الكشف عن تفاصيل خيوط جريمة اغتيال الشهيد الهاشمي.
وحول تطور التحقيقات، يكشف حارث الهاشمي، شقيق الشهيد هشام في تصيح صحفي، إن "أسرة المغدور ما زالت تنتظر نتائج التحقيقات التي تأخرت كثيراً، رغم أن هناك بعض الأطراف الحكومية والقضائية كانت قد وعدت بأن عملية التحقيق لن تأخذ وقتاً طويلاً، نظراً للتنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية".
ويشير إلى عدم معرفته "بأي تطورات عن التحقيق، حتى أن إخوته لا يعرفون شيئاً عن تطورات التحقيقات وإلى أين وصلت القوات الأمنية والقضاء العراقي في الملف".
وحيال شكوك العائلة، يؤكد مصدر أمني رفيع من وزارة الداخلية أن "التحقيقات التي أجريت للتعرف إلى قتلة الهاشمي، كانت مشتركة من قبل جهاز المخابرات ولجان تحقيقية من وزارة الداخلية ووكالة الاستخبارات وجهاز الأمن الوطني. وقد حاولت (مديرية أمن الحشد الشعبي) الدخول ضمن فريق التحقيق إلا أن مصطفى الكاظمي رفض ذلك".
وقال المصدر، إن "الملف الخاص بالتحقيقات أُنجز بالكامل وتمَّ تحويله إلى مكتب رئيس الحكومة، وكان من المفترض أن تتم مناقشته بين الكاظمي والقضاء العراقي، لكن لا أحد يعرف شيئاً عن مصير الملف بعد تسليمه"، مضيفاً، أن "الملف كشف عن هوية المتورطين بالجريمة، وجميعهم ينتمون إلى فصيل مسلح منضوٍ ضمن (الحشد الشعبي). وبحسب التحقيقات فقد كان القتلة ثلاثة شبّان، وقد هرب أحدهم إلى إيران فعلاً عبر منفذ بري".
ويؤكد أحد المقربين من الهاشمي، أن أبرز سبب لقتل الهاشمي، هو أن المغدور كان قد كشف للمرة الأولى عن وجه القيادي في مليشيا (كتائب حزب الله) حسين مونس، المعروف باسم (أبو علي العسكري)، على تويتر. وهو ما دفع المليشيا إلى تهديده لأكثر من مرة بالتصفية".
ويعد الهاشمي البالغ من العمر 47 عاما من الخبراء العراقيين في مجال الجماعات المسلحة وخاصة الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة وخليفته تنظيم الدولة الاسلامية، وكان متابعا لما يشهده العراق من اضطرابات وفوضى وهزات منذ نحو عقدين من الزمن.
وخلال مرحلة الاضطرابات وأعمال العنف التي سيطرت على العراق في أعقاب الغزو الأمريكي، وظهور جماعات العنف السني كان الهاشمي يقدم المشورة لمختلف الساسة والمسؤولين العراقيين وغيرهم خلال تلك المرحلة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من بين الشخصيات الدولية التي طلبت منه الاستشارة الشخصية حول بعض القضايا، حسب تقارير شبكة البي بي سي البريطانية.
كما أجرى الهاشمي، مقابلات مع الشخصيات الاسلامية المتطرفة خلف القضبان في الدول الاوروبية والشرق الأوسط في اطار بحثه في فكر وتوجهات الجماعات المتطرفة وتقديم النصح والاستشارة للمسؤولين بناء على تلك المقابلات.
وكانت المستشارة السياسية للقيادة العسكرية الأمريكية في العراق ما بين 2007 و2010 ايما سكاي، وصفته قائلة بأنه كان محللا فذاً وكاتباً غزير الانتاج ومراقبا جديرا بالاحترام للشأن العراقي.
وقالت: "كان يحب بلده وفي قلبه مصلحة العراقيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي او الطائفي، وكان الهاشمي يحدوه الأمل في إمكانية بناء عراق آخر".
وفي اعقاب هزيمة التنظيم وتراجع نشاطه التفت في كتاباته الى الجماعات الشيعية المسلحة وخاصة تلك المقربة من إيران مثل كتائب حزب الله العراقي وحركة النجباء وعصائب أهل الحق.
وتقول مراسلة الشؤون الدولية في بي بي سي ليز دوسيت إن كل من التقى بالهاشمي شعر أنه قريب منه فلم يكن يبخل بالوقت والصبر على الصحفيين الشباب وكان مقصد الدبلوماسيين عندما يحتاجون إلى معرفة معمقة عن العراق كما أن المسؤولين والمحللين كانوا بحاجة مستمرة اليه".
وكان الهاشمي يسلط الضوء على انشطة الجماعات المسلحة المقربة من إيران التي اكتسبت نفوذا متعاظما في الحياة السياسية في العراق بسبب الدور الذي لعبته في المعارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية. ورغم دمج هذه الجماعات وإلحاقها بالمنظومة الأمنية الحكومية ظلت معظم هذه الجماعات خارج السيطرة وتتصرف كما تشاء.
وكتب مدير برنامج الكويت وأستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد البروفيسور توبي دوج في مدونته على موقع الجامعة في رثاء هشام يقول: "إن قتل هشام ضربة معنوية كبيرة ضد الشعب العراقي. قُتِل لأنه كان يعمل دون كلل من أجل اصلاح النظام السياسي العراقي الذي ينخره الفساد والعنف".
وحول الجهة التي تقف وراء اغتيال الهاشمي قال دوج:" إن قناعة الهاشمي بضرورة إصلاح النظام السياسي في العراق دفعه الى العمل مع الرئيس برهم صالح كمستشار ومع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ضمن فريق الليبراليين الاصلاحيين الذين يعملون معه وقتل بكل تأكيد بسبب العمل الذي كان يقوم به في هذا الشأن".
وأضاف دوج أن "جماعات مسلحة منفلته استولت على الدولة في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية، ولا تتورع عن اللجوء الى العنف للدفاع عن مصالحها الواسعة. وهذا الامر كان موضع اهتمام هشام الهاشمي في الآونة الأخيرة وهذه الجماعات هي التي قامت بتصفيته بهدف ايصال رسالة واضحة لدعاة الاصلاح ولرئيس الحكومة مفادها أن يدها تطال الجميع دون استثناء" حسب قوله.
وكتب مراسل صحيفة الغارديان البريطانية في الشرق الاوسط مارتن تشولوف أن عملية اغتيال الهاشمي في وضح النهار وبكل جرأة تدفع الكثيرين إلى أن يفكروا مليا في الثمن الباهظ الذي قد يدفعونه جراء الحديث علنا وتسمية الاشياء بمسمياتها".
وكان الهاشمي يدرك الثمن الباهظ الذي قد يدفعه جراء مواقفه الجريئة، وتحدث قبل ساعات من اغتياله لأحد أصدقائه في لندن عن التهديدات التي تلقاها من هذه الجماعة طالبا من صديقه النصح في كيفية التعامل معها، لكن رصاصات القتلة كانت أسرع في الوصول إليه.