المحايد/ ملفات
يستذكر العراقيون في الرابع عشر من تموز من كل عام، ذكرى الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية العراقية.
وفي كل عام، يرافق ذكرة 14 تموز انقساماً في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد للانقلاب ومعترض على الإطاحة بالملكية وقتل عائلة الملك فيصل الأول.
ولا تزال تلك الأحداث محط اهتمام الناس في مثل هذا اليوم من كل عام، وتعتبر من أشهر التحولات التي حصلت، حينها انتهى عهد الملكية بإعلان النظام الجمهوري.
ومنذ عام 1958، وما جرى في قصر الرحاب ببغداد، ضد العائلة المالكة وحتى اليوم، لا يزال العديد من العراقيين يرونه نهاية لمشروع الدولة المدنية، وظهورا لنظام جديد مهد فيما بعد لأنظمة سياسية غير مستقرة، دفعت بالبلاد لمزيد من الانقلابات والحروب.
ويعرف العراقيون جيدا، ما يمثله قصر الرحاب في بغداد وارتباطه بالذاكرة بما جرى للعائلة الملكية عام 1958 وإعلان الجمهورية العراقية بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم.
ويعتبر الرحاب، القصر الملكي الثاني بعد قصر الزهور، تم بناؤه على نفقة العائلة المالكة غربي محافظة بغداد ما بين منطقة الحارثية ومعرض بغداد الدولي، تحت إشراف الوصي على العرش الأمير عبد الإله عام 1937 وجاءت تسميته نسبة إلى قرية الرحاب، مقر سكن العائلة الهاشمية في الحجاز، وصمم هذا القصر وأشرف على بنائه مهندس معماري من مصر.
ففي صبيحة يوم 14 يوليو/تموز عام 1958، استيقظ الملك فيصل الثاني والعائلة المالكة على أصوات إطلاقات نارية قبل أن يدخل مجموعة من الضباط إلى القصر ويطلبوا منهم الاستسلام، فاستجابوا للطلب، وتم تجميعهم وإطلاق النار عليهم جميعا وأردوهم قتلى.
وفي كل عام يحدث شرخ بين أطياف المجتمع حول هذا الموضوع، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة العراقية تقوم سنويا بتعطيل الدوام الرسمي في 14 يوليو/تموز، ولا يمكن معرفة نواياها، هل هي إضفاء الصفة الشرعية للانقلابات المقبلة أو أنها تحابي من يعتبره ثورة؟!
انقسام العراقيين
وتصدر، وسم "#انقلاب_تموز_الأسود"، مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، حيث دون العراقيون الأحداث وأعادوا القراءة لما جرى، لينقسموا بين قائل إن ما جرى انقلاب وبين من يرى أن ما جرى هو ثورة.
ويقول المدون ياسين طه للـ"محايد"، إن "ذكرى 14 تموز تمثل نهاية العهد العراقي العظيم، والذي كانت فيه البلاد من الدول المتقدمة صناعياً وزراعياً وفي مجالات التعليم والصحة والتطور في عدة مجالات".
فيما يرى المدون المؤيد للانقلاب عباس الراشد أن "النظام الملكي لم يوفر كل متطلبات الحياة، وكان نفوذ الإقطاع واستغلال الفلاحين سائدا، وكانت الحكومات التي يتم تشكيلها آنذاك مرتبكة، كما أن حياة الناس كانت بدائية وبسيطة، ولم يتغير الكثير منها في العهد الملكي، لكن ما حصل للعائلة المالكة، كان جريمة يندى لها الجبين.
ويرى، مدون آخر، أن "ما حدث في 14 يوليو/تموز هو بالمعنى الحرفي انقلاب ولا يمكن اعتباره ثورة، فالتاريخ يؤكد من يأتي بانقلاب لا يذهب بانتخابات، وهذه القاعدة فيها استثناء ما حدث في انقلاب السودان الذي قاده المشير عبد الرحمن سوار الذهب عام 1985 ودعا إلى انتخابات ولم يرشح وسلم الحكم للصادق المهدي".
ولا بد من معرفة ما جرى في العراق سنة 1958؛ أهو ثورة أم انقلاب؟ ولا يمكن معرفة ذلك إلا من خلال معرفة معنى الثورة والانقلاب.
الثورة هي تغيير النظام من خلال إرادة شعبية جماهيرية ووطنية، باستخدام كل الوسائل السلمية أو بالقوة، ويكون الجيش سانداً لهذه الثورة ضد النظام القائم.
أما الانقلاب فهو سيطرة فرد أو مجموعة أفراد من القوات المسلحة على الحكم لغرض مكاسب شخصية دون المشاركة الشعبية ودون التأييد الجماهيري لها، وإنهاء النظام القائم واستبداله بحكم عسكري.
وصدرت الأوامر العسكرية في عام 1958 إلى اللواء 20، بقيادة العقيد عبد السلام عارف، للتحرك إلى الأردن لمساعدة الحكومة الأردنية من التهديدات الإسرائيلية، علماً أنه كانت هناك وحدة بين العراق والأردن تسمى بالوحدة الهاشمية.
فهنا وجدت الفرصة المناسبة لتنظيم الضباط في العراق، الذي يتزعمه عبد الكريم قاسم بعد إقصاء العميد رفعت الحاج سري عن قيادة التنظيم لتنفيذ الانقلاب على النظام الملكي القائم، خصوصاً أنه كانت هناك محاولات سابقة للانقلاب على النظام الملكي لكن لم تتوفر الفرصة الكاملة لتحقيق الانقلاب.
ولأن الأوامر صدرت إلى اللواء 20 ولم تصدر للواء 19، الذي يتزعمه عبد الكريم قاسم، فهنا لا بد أن تكون مهام التنفيذ لهذا الانقلاب على يد العقيد عبد السلام عارف، آمر اللواء 20، فتحرك اللواء فجر يوم 14 يوليو متوجهاً إلى الأردن، وعند وصوله إلى أطراف جنوب بغداد توقف اللواء واعتقَل عبد السلام جميع الضباط الذين ليس لديهم علم بالانقلاب، أو الذين يشك فيهم أثناء التنفيذ.
وبعد اعتقال الضابط والسيطرة الكاملة على القوات العسكرية التي معه دخل اللواء 20 إلى بغداد مجدداً، وتوزع إلى أربعة محاور؛ وهي محور يسيطر على القصر الملكي، ومحور يسيطر على الإذاعة والتلفزيون، ومحور يسيطر على قصر رئيس الوزراء نوري سعيد، ومحور رابع يسيطر على مديرية الشرطة، وبدأ القصف على القصر الملكي حتى تمت السيطرة عليه كاملاً واستسلمت جميع العائلة الحاكمة دون أي مقاومة تذكر، وعمد الضباط الانقلابيون إلى تصفية أفراد العائلة الحاكمة، ومن ضمنهم الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله، في حين نجت الأميرة عالية فقط من هذه المجزرة.
إذن لم يكن عبد الكريم قاسم موجوداً أثناء تنفيذ الانقلاب، بل كان يراقب الوضع وهو في معسكره في ديالى حتى سمع بيان الانقلاب الذي أعلنه عبد السلام عارف من مقر الإذاعة والتلفزيون، وأعلن الانقلاب على الحكم الملكي والانتقال إلى الحكم الجمهوري، بعد ذلك تحرك عبد الكريم قاسم إلى بغداد لتولي زمام المسؤولية بعدما قدمها له عبد السلام كاملة دون أي جهد يذكر من عبد الكريم قاسم.
ولهذا بقي الخلاف بين عبد السلام وعبد الكريم قاسم قائماً إلى أن انقلب عبد السلام على عبد الكريم قاسم سنة 1963، وكان عبد السلام عارف يعتبر نفسه أحق بالسلطة والحكم؛ لأنه هو من نفذ الانقلاب حين كان عبد الكريم قاسم يستقوي بالحزب الشيوعي على شركائه بالانقلاب.