المحايد/ ملفات
يواجه العراق معركة مع إرهاب تنظيم داعش وانتشار السلاح المنفلت، مع قرب الانسحاب الأميركي المرتقب نهاية العام الجاري.
تقرير أميركي نشرته مجلة فورين بوليسي سلط الضوء على الانسحاب المرتقب، فيما أبرزت السلبيات والإيجابيات التي تعقبه.
وقالت المجلة الأميركية، إن العراقيين يخشون أن يأتي الدور عليهم، بعد إنهيار “أفغانستان” وسقوطها في أيدي حركة (طالبان)، عقب الانسحاب العسكري الأميركي من الدولة، بعد حرب استمرت 20 عامًا.
وأضافت المجلة، أنه ربما لا يكون أحد أكثر صدمة تجاه كارثة “أفغانستان”، من الشعب العراقي، حيث يتخوفون بشدة من أن يواجه “العراق” نفس المصير.
وحتى قبل أن يؤدي الانسحاب العسكري الأميركي من “أفغانستان”؛ إلى إنهيار كامل للحكومة، وسيطرة (طالبان) على مقاليد الأمور تمامًا، فإن الكثير من العراقيين كانوا يشعرون بقلق شديد تجاه ما يعنيه الانسحاب الأميركي من “أفغانستان”؛ بالنسبة لـ”العراق”.
وقد انصبت تساؤلات العراقيين حول: هل ستُنهي “الولايات المتحدة” وجودها العسكري؛ البالغ قوامه: 2500 جندي في “العراق” ؟.. وفي حالة حدوث ذلك، هل سيؤدي إلى سيطرة الفصائل الإيرانية على الدولة ؟.. أو عودة تنظيم (داعش) الإرهابي ؟.. أو ربما اندلاع حرب أهلية ؟.
وأردفت المجلة الأميركية؛ قائلة: “أثارت مشاهد اليأس؛ التي وقعت في مطار كابول، الأحد الماضي، مشاعر التوتر والقلق الشديد في صفوف العراقيين، وكانت بمثابة تذكرة لما حدث، في عام 2014، عندما أنهار الجيش والشرطة في العراق، بعد تدريبهما وتسليحهما على أيدي الولايات المتحدة، وفقدوا 03 محافظات في معارك أمام تنظيم (داعش) الإرهابي”.
وكانت “الولايات المتحدة”؛ قد انسحبت من “العراق”، عام 2011، لكنها اضطرت للعودة مرة أخرى لمواجهة تنظيم (داعش)، الذي أقدم على قتل العراقيين وذبحهم.
ويخشى العراقيون أيضًا تجدد المناقشات في “واشنطن” و”بغداد”؛ بشأن الانسحاب الأميركي الكامل من “العراق”.
وأشارت (فورين بوليسي) إلى أنه كما حدث، في 2011، فإن “إيران” تضغط على الحكومة العراقية؛ لتطلب من القوات الأميركية المغادرة، وقد تكون “واشنطن” أكثر استعدادًا لاتخاذ تلك الخطوة الآن.
ورأت (فورين بوليسي) أنه: “من السهل للغاية العثور على المتشابهات في الموقف بين أفغانستان والعراق”.
وقالت: “مثل أفغانستان، فإن العراق لديه حكومة منقسمة، تعطي الأولوية لسياسة المحسوبية على الإدارة السليمة لقوات الأمن المختصة والخدمات الحكومية الأخرى. والأبرز من ذلك، هو أن الحكومة العراقية والحكومة الأفغانية المنهارة تتنافسان على لقب الأكثر فسادًا”.
وأضافت: “كما هو الحال في أفغانستان، فإن الحكومة العراقية والجيش العراقي ليسوا على استعداد للوقوف أمام الفصائل التي تهدد سيادة وأمن العراق، وتهاجم العراقيين.. في أفغانستان، لم يكن الأمر يتعلق بالقدرة، ولكن بالرغبة السياسية، حيث تشكو واشنطن من أن الحكومة العراقية تستطيع قيادة الدولة عسكريًا ضد تنظيم (داعش) الإرهابي وعمليات مكافحة الإرهاب، ولكنها لا تفعل ذلك أمام الفصائل”.
وقالت: “مثل (طالبان)، فإن هذه الفصائل، رغم الضغط العام والدولي، تسعى للوصول إلى السلطة ولديها قدرة أكبر على الصبر لتحقيق هذا الهدف.. إنهم يلعبون مباراة طويلة في هذا الصدد؛ ولديهم دعم إيران، بينما يشك العراقيون في صمود الولايات المتحدة”.
و”يخشى الكثير من العراقيين من أن النقاش حول الانسحاب من بغداد، والذي تدفع إيران نحو تحقيقه، يمكن أن يجد بابًا مفتوحًا في واشنطن، ليس فقط لأن الفريق الذي نفذ الانسحاب الأميركي من العراق، عام 2011، عاد مرة أخرى إلى البيت الأبيض، ولكن لأن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، يمكن أن تتعايش مع حكومة عراقية تقودها الميليشيات إذا تراجعت الهجمات على المصالح الأميركية”.
ومضت المجلة مشيرة إلى إن: “هناك مخاوف لدى الكثير من العراقيين؛ إزاء تداعيات الموعد النهائي للإدارة الأميركية لسحب القوات القتالية من العراق، بحلول نهاية العام الجاري.. ومن المؤكد أن أولويات واشنطن المتغيرة، والإجهاد من العراق لا يقتصر على موقف الإدارة الديمقراطية فقط.. فقد هددت إدارة الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد، بعد زيادة هجمات الفصائل على العسكريين والموظفين الدبلوماسيين الأميركيين”.
وعلاوة على ذلك، فإن التقلبات السياسية الحادة في “واشنطن” تؤدي إلى إرباك أصدقائها وشركائها في “العراق”، الذين بدأ العديد منهم في البحث عن رعاة أجانب آخرين لمواجهة النفوذ الإيراني.
ورأت المجلة الأميركية؛ أنه رغم تلك التشابهات، فإن “العراق” يختلف بالطبع، ما يمنحه فرصة لتجنب مصير “أفغانستان”.
على عكس “أفغانستان”، يتمتع “العراق” بتاريخ من المؤسسات الوطنية القوية وهناك دعم من الحزبين: “الديمقراطي” و”الجمهوري”، في “أميركا”، لمواصلة المسار في “العراق”، وقيادة التحالف المناهض لتنظيم (داعش) الإرهابي، لمنع الجماعة الإرهابية من الظهور من جديد، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، ولا تستطيع “الولايات المتحدة” تجاهل التهديد الذي تُشكله أجندة “إيران” التوسعية في “العراق” على المنطقة.
وأكدت (فورين بوليسي)؛ أنه بغض النظر عن المصالح الأميركية، فإن “العراق” لديه فرصة أفضل لكبح حكم الفصائل المدعومة بقوة من “إيران”، وعلى عكس (طالبان)، تفتقر الفصائل العراقية المتنوعة إلى القيادة الموحدة والقبول على الصعيد الوطني، كما أن نجاح المهمة الأميركية ضد تنظيمي (داعش) و(القاعدة)، في “سوريا”، يعتمد على وجود “الولايات المتحدة”، في “العراق”.
مع ذلك؛ فإن “العراق” يمكن أن يتجه نحو المسار الأفغاني، إذا لم يتم ضبط العلاقات بين “واشنطن” و”بغداد”، ويتمثل ذلك في الحفاظ على دور “الولايات المتحدة” في مكافحة الإرهاب وتنويعه أيضًا، ومنع “إيران” من تنفيذ مخطط تدمير العلاقات العسكرية “الأميركية-العراقية”، مع إصرار الفصائل على الاستمرار في مهاجمة المصالح الأميركية؛ في ظل علمها بأن “الولايات المتحدة” تفتقد للصبر والردع.
وذهبت (فورين بوليسي) إلى أنه؛ كي تستمر العلاقات “الأميركية-العراقية”، فإن هناك حاجة لتحويل التركيز نحو الاستثمار في بناء القوات العسكرية الأمنية العراقية، وتعزيز القدرة المؤسسية على مواجهة الإرهاب وفي مجالات أخرى، ولذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب أن يكون الوجود الأميركي، في “العراق”، غير مسيس، ويتعين على “واشنطن” أن تُعلن بوضوح أن إعادة رسم وجودها العسكري في “العراق”، ليتحول إلى تقديم المشورة والمساعدة، لا يعني إطلاقًا
وأكدت الصحيفة أنه؛ بشكل حاسم، يحتاج الشعب العراقي إلى الشعور بفوائد العلاقة في مجالات؛ مثل: التجارة والرعاية الصحية والتعليم، إذ حاولت سلسلة من “الحوارات الإستراتيجية”، “الأميركية-العراقية”، الوصول إلى مثل هذا الهدف.
وختمت (فورين بوليسي)؛ تقريرها بالقول: “بعد ما حدث في أفغانستان، ربما يرى القادة العراقيون أن الولايات المتحدة لم تُعد شريكًا يمكن الاعتماد عليه.. ومع ذلك، فإن الاتجاه نحو إيجاد بديل لواشنطن، سواء كان إيران أو تركيا، أو أي دولة أجنبية أخرى، سيؤدي فقط إلى تفاقم اعتماد العراق على شركاء لا يمكن الوثوق بهم.. يجب على العراقيين إصلاح حكومتهم، والاعتراف بحجم الفساد، بوصفه التحدي الحقيقي للأمن القومي العراقي”.