المحايد/ مجتمع
يمكننا الحديث بآلاف الكلمات عن تردّي الأوضاع المعيشية في العراق، عطفاً على أحوالها الأمنية والسياسية والاقتصادية والصحيّة، لكن بين كل ذلك تشع طاقات شبابية عُمراً وروحاً، من مختلف المحافظات، تصلنا عبر مواقع التواصل والصفحات الإعلامية المهتمة بإبراز الرياديين/ات.
من بين هؤلاء، شابة ثلاثينية من محافظة ميسان جنوب البلاد، تنقلت في العيش بين مدينتها وبغداد، لتستقر أخيراً في كردستان، كمراقبة لجودة التعليم (Education monitor) في مخيمات اللاجئين السوريين شمالاً.
فرح سالم حساني، التي تدرجت مهنياً في سلك التعليم، وواجهت عديد التحديّات والعراقيل، لكنها كما تقول، تجاوزتها بـ"العناد ورفض الانهزام والاستسلام" حتى صارت صانعة قرار في مجالها، فهي مديرة لمدرسة مختلطة خاصة بالنازحين في قضاء السليمانية (شمالاً)، تضم الفئة العمرية (11-17) عاماً.
وتشارك بعضاً من تجربتها، وفخرها وثقتها بما تفعل، أصدقاءها ومتابعيها عبر مواقع التواصل، مثل تويتر.
وفي يوم الشباب الدوليّ، الذي أقرته الأمم المتحدة في 12 أغسطس من كل عام، الموافق اليوم الخميس، نستعرض تجربة حسّاني، كنموذج لشابة تحاول عبر وظيفتها وإمكانياتها ومبادراتها، أن ترسم بعض ملامح التغيير، من خلال الأجيال الفتيّة، لصالح مستقبل أفضل.
تقول "رغم يأسي من أي تغيير ممكن، عندي حافز وهدف أنني لو لم أعش التغيير، قد يعيشه أطفالي وطلبتي، لذا أقوم بدوري بعمل كل شيء جميل، وأحاول جعل المدرسة مكاناً ينقل الطلبة من بيئة قاسية ربما، عبر النشاطات المتنوعة ومنحهم الثقة وبناء صداقة معهم، فالعلاقة بيننا ليست آمراً ومأموراً".
وطلبة المدرسة التي تديرها فرح، أغلبيتهم أيزيديون من سهل نينوى تحديداً سنجار، أما البقية من محافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد والموصل وكركوك والبصرة وديالى.
خارج النمط
حين قرأت لأول مرة أن فرح حسّاني أصبحت مديرة مدرسة، وجاءتها التهاني من الأصدقاء على صفحتها في تويتر، كان الأمر لافتاً، إذ لا تشبه الصورة النمطية لمديرات المدارس، على الأقل في ذاكرتي.
سألتها "هل الأمر في ذاكرتي فقط أم أن الصورة نفسها في العراق؟ أو ربما هذا جزء من تغيير حاصل على مدار سنوات؟".
تقول حسّاني "صحيح، الصورة نفسها في العراق، حيث يتم اختيار المدير عادة من الرعيل الأول، وكبيراً في السن، ذلك لامتلاك خبرة كبيرة".
"وربما لعبت الصدفة دوراً أيضاً في اختياري، خاصدة أنني أظهرت حبي للمهنة وأملي بالتطوير حال حصولي على الوظيفة، فتم منحي هذه الفرصة لتمكين نفسي أكثر"، تضيف حسّاني.
وتخبرنا عن اليوم الأول لها كمديرة مدرسة "انتابني الخجل قليلاً، خصوصاً أن في المدرسة أساتذة أكبر مني سناً، بالإضافة لوجود قوانين يجب الالتزام بها للتعامل معهم، شعرت بأن بيني وبينها حاجز العُمر والخبرة".
هذه كانت البداية فقط، لتتمكن حسّاني بعدها من بناء علاقة "طيبة" ليس مع الطاقم التعليمي فقط، بل أيضاً مع الطلبة، تقول "أحاول أن أشعرهم بأنني أفهمهم وأفهم ميولهم وتوجهاتهم وبأنني معهم في كل مرحلة".
وتتابع "صحيح أن الإدارة أضافت شيئاً لطريقة التعامل مع الطلبة، مختلفة قليلاً عن كوني معلّمة، خصوصاً أن علي الالتزام بالقوانين، وإظهار الهيبة مهم أثناء تطبيقها، وفي نفس الوقت أنا صديقتهم".
وبصوت فخور بتجربته التي مر عليها عام تقريباً، تقول حسّاني "وصلنا كتاب شكر وتقدير من مديرية التربية في محافظة السليمانية، وزارنا وفد منها أثناء فترة الامتحانات، فأبدى إعجابه بعملنا وحجم الترتيب والنظام في المدرسة".
وتوضح "المدرسة أساساً كرفانية، وحين استلمت إدارتها، كانت تعاني من فوضى كبيرة بترتيب الملفات، لذا قمت مع الكادر التدريسي بتخصيص أسبوع كامل فقط لتنظيم السجلات والوثائق والأوراق الرسمية. فعلياً بدأنا من الصفر".
وبعد هذه المرحلة، تم الانتقال لتنظيم وإعادة ترتيب شكل غرف المعلمين والصفوف المدرسية وتزويد ما يلزمها من النواقص، حسب حسّاني.
ولأن المدرسة كرفانية، تنقصها خدمات ومرافق عدة، تقول حسّاني "بعضها وفرته من مالي الخاص وآخر لا يمكنني وحدي، إذ يحتاج دعماً مالياً كبيراً".
وبسبب عدم وجود موظف لشؤون النظافة، تقوم حسّاني يومياً، بالتعاون مع الطلبة، بتنظيف المدرسة وترتيبها.
"لا شيء مستحيل"
قد يبدو عنوان الفقرة مألوفاً بالنسبة للقارئ، لكنها العبارة التي يرددها كل شخص تعب واجتهد وحقق حلمه أو في طريقه لتحقيق حلمه، في حياة كما نجد فيها الدعم والرعاية والمحبة، تصدمنا بالعثرات والرفض والأحكام غير المنصفة.
تقول حسّاني "في المجتمع العراقي نادراً ما نجد تساهلاً في أي مسألة، ومن الطبيعي جداً أن تكون العقبات المرافق الرئيسي لأي شخص في كل رحلة على المستوى الشخصي أو المهني".
ومن بغداد إلى السليمانية، محطات مهمة في حياة حسّاني، إذ عملت مدرسة مادة أحياء للفتيات المتميزات بإحدى مدارس العاصمة، وفي الثانية أصبحت مديرة مدرسة ومراقبة لجودة التعليم.
وعلى المستويين المهني والشخصي، واجهتها العقبات، لكن أيضاً كانت محاطة بالداعمين من عائلتها وصديقاتها وأيضاً طالباتها.
توضح حسّاني "طيلة فترة تواجدي في بغداد، واجهتني عوائق تخص وضعي الاجتماعي كوني مطلقة. كنت أشعر أنني مطالبة دائماً بتبرير حياتي وشكلها، لكني لم أتورّط في هذه المعادلة، فواصلت طريقي".
"وحين انتقلت للعيش في كردستان، وجدتُ مجتمعاً مختلفاً نوعاً ما، كما أنني علاقاتي الاجتماعية محدودة، ما ساعدني في تخطّي تلك المرحلة"، تتابع حسّاني.
ولأنها تحب التغيير الذي يكون خارجاً على المألوف في النظم التعليمية الدارجة، مثل إعطاء الامتحانات العملية وابتكار طريقة جديدة في الأسئلة النظرية، وإطلاق مجلة أدبية فنية تهتم بمواهب الفتيات في الكتابة والرسم، صادفت حسّاني الكثير من العراقيل.