المحايد/ ملفات
أثار مشروع قانون خدمة العلم والمعروف بـ"التجنيد الإلزامي"، جدلاً جديداً في العراق، مع تخمة الأجهزة الأمنية بأعدادها، وانعدام التخصيصات المالية للدرجات الوظيفية.
وأول أمس، أقر مجلس الوزراء مشروع قانون خدمة العلم الذي طرحه مجلس شورى الدولة، وأحاله إلى مجلس النواب لدراسته وتصديقه.
ويستند القانون الجديد إلى مشروع سابق أقره البرلمان عام 2016، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي رفض المصادقة عليه نتيجة لضغوط سياسية.
وكانت سلطة الائتلاف المؤقت قد ألغت قانون التجنيد الإلزامي بقرار من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003، حلّ بموجبه كافة التشكيلات العسكرية والأمنية، واعتمد نظام التطوع في المؤسسات الأمنية والعسكرية بدلاً من الخدمة الإجبارية.
ويرى مراقبون أن إقرار القانون في هذا الوقت يهدف إلى تعزيز المؤسسة العسكرية بقوات إضافية تدعم جهودها في القضاء على تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة، وحماية المناطق المتأزمة.
وقد يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تحييد المنظومة العسكرية والأمنية من خلال إدخال مختلف أطياف الشعب في هذه المؤسسات لتسهل عملية فرض سيادة الدولة بعد ارتفاع أعداد الجماعات المسلحة التي أضعفت ثقة الشعب في الحكومة وقوّضت السيادة الوطنية.
ويجب على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار قبيل تنفيذ القانون إمكانية تحويل المجتمع المدني إلى عسكري، إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لمنع انتشار السلاح وحصره بيد الدولة، وإلا فإن التهديدات الحالية ستتأزم بشكل أكبر مستقبلا.
ويضيف أن تغلغل الجهات الحزبية والعشائرية داخل مؤسسات الدولة ساهم في تصاعد موجة التوترات الأمنية.
وظهرت دعوات إلى الحكومة للقضاء على الظواهر المسلحة أولا ثم إحياء خدمة العلم، حيث من الممكن مستقبلا أن تستغل بعض الجماعات الحزبية والمسلحة قانون التجنيد لخدمة مصالحها الخاصة، إذا استطاعت فرض وجودها خلال توزيع المجندين الجدد بما يخدم سياستها المحلية.
ويعتبر آخرون أن التجنيد غير ممكن في الظروف الحالية جراء سيطرة الكاظمي على معظم قادة القطاع العسكري، وهو ما ينافي توجهات بعض الجهات الحزبية ويدفعها لمعارضة تمرير القانون بحجة عدم مراعاته مصالح الشعب.
وتحوّل بعد عام 2003 إلى بؤرة للنفوذ الحزبي، حيث يتم قبول المتطوعين بحسب تزكيتهم الحزبية وانتماءاتهم العشائرية والفئوية، وهو ما أضر بحيادية الجيش العراقي.
ويعاني العراق من زيادة في أعداد المتطوعين والضباط في الوقت الحالي، حيث هناك أكثر من مليون عسكري في مختلف صنوف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى منتسبي الحشد الشعبي.
وتفيد مصادر بأن هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة النظام العسكري وتشريع قوانين وسياقات جديدة له في حال تنفيذ القانون، خاصة وأن البلد يعمل بنظام التطوع حاليا ولا يملك سياقات عصرية للتجنيد الإجباري، مما سيدفعه إلى تنشيط الآليات والضوابط القديمة التي اتبعها النظام السابق في هذا الشأن.
ويملك البلد مساحات ومعسكرات كافية لاحتواء وتهيئة هؤلاء المجندين إذا تمت خصخصة العديد العسكري الحالي.
ومن الضروري إقرار قانون شامل يتيح التنسيق المشترك لتوزيع الشباب ضمن المؤسسات المختلفة، ويكون ملزما بحفظ حقوق الجنود الحاليين أو إحالتهم إلى التقاعد بما يكفل حقوقهم ويكافئهم على خدمة البلد.
وتختلف ردة فعل المجتمع ما بين مؤيد يرى الخدمة الإلزامية ستقضي على المشاكل الاجتماعية، ومعارض لعسكرتها مجتمع يعاني من السلاح المنفلت.
ويحتاج قانون التجنيد الإلزامي إلى دراسة موسعة وشمولية، حيث إن سلبياته على المجتمع تفوق إيجابياته في الوقت الحالي.
ولا يمكن اعتبار هذا القانون حلا لإبعاد الشباب عن الانحرافات والسلوكيات غير المهذبة نظرا لعدم خلو المؤسسة العسكرية من هذه التصرفات وتدني المستوى التعليمي لكثير من منتسبيها الذين يحتاجون أساسا الى إعادة تأهيل اجتماعي.
ويعد الفساد الإداري والوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به البلد يجد في هذا القانون حلا مؤقتا لأزمة البطالة ولكن سيؤزمها أكثر مستقبلا، لما سيترتب عليه من صفقات فساد جديدة تهدر المال العام.
وسيؤدي قانون التجنيد الإجباري إلى عسكرة المجتمع المدني ويعيد المضايقات والحواجز الأمنية وبالتالي لا يمكن اعتباره فائدة للمجتمع المدني.
وكان القائد العام قد غرد بعد إقرار مجلس الوزراء لمشروع خدمة العلم قائلاً: "أنجزنا ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار خدمة العَلم التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا، وطرحنا مشروع صندوق الأجيال الذي سيحميهم من الاعتماد الكامل على النفط، ومعاً سنمضي إلى الانتخابات المبكرة وفاءً للوعد.
العراق خيارنا الوحيد".
وكان الناطق بأسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، قد ذكر في تصريح صحفي أن "الراتب التقريبي للمجند الالزامي في خدمة العلم سيكون من 500 الى 750 الف دينار".