المحايد/ بغداد
بداعي اليأس وبحثا عن حلول سحرية وآنية لمشاكلهن، تلجأ نساء عراقيات إلى "المشعوذين" ومن يقدّمون أنفسهم على أنّهم يعلمون بالغيب ولديهم قدرة على التأثير.
للأسف، غالبا ما يقعن ضحايا "دجالين"، وقد أفاد جهاز الأمن الوطني العراقي مؤخرا بأن قوة أمنية اعتقلت "مشعوذا" كان قد ابتز أكثر من 40 امرأة للقيام بأعمال "زنا المحارم" وتصوير أنفسهن، في محافظة البصرة.
وتشير التقارير إلى أن المتهم كان يمتلك صفحة على فيسبوك، يدعي فيها أنه من الديانة الصابئية، ثم يستدرج الضحايا الراغبات بالقيام بـ "أعمال سحر وشعوذة"، أو اللواتي يعانين من مشكلات مع أزواجهن أو أهل أزواجهن.
وقال الجهاز، الذي عرض مقطع فيديو عبر حسابه بمنصة إنستغرام اعترافات المتهم، إنه "كان يطلب أولاً صورة عادية من الضحية، ثم يتدرج لطلب فيديوهات جنسية بحجة أنها ضرورية لإكمال العمل".
وأوضح المتهم "بعد ذلك أطلب فيديوهات تقوم فيها الضحية بممارسات مع أحد محارمها، وفي حال رفضت، أو حاولت الانسحاب بعد تنفيذ كل الطلبات، أبتزها بما أمتلك من تسجيلات".
وبيّن المتهم أن إحدى ضحاياه أقدمت على الانتحار، بعد أن أيقنت بعدم قدرتها على الخلاص منه.
وقبض جهاز الأمن الوطني على المتهم، في البصرة أقصى جنوبي العراق، بعد 3 أيام، من تلقيه بلاغاً من إحدى ضحايا “المشعوذ".
وقالت الضحية بذات المقطع الذي نشره الجهاز، وهي امرأة تم حجب هويتها إنها: "طاوعت المتهم بكل طلباته، وصورت فيديو مخلاً مع طفل في العاشرة من عمره".
وأضافت: "بعدما لم أحصل على نتائج من العمل السحري، حاولت الانسحاب وأغلقت هاتفي وحساباتي، لكن المتهم نشر تسجيلات لي على فيديوهات إنستجرام، ما دفعني للإبلاغ عنه".
ممارسة الجنس
المشكلة، لا تنحسر في استغلال الرجال من المشعوذين والسحرة النساء والفتيات من اللواتي يرغبن بعمل سحر أو فكه فقط، بل بحسب إقبال عامر (44عاماً) تتعلق بنساء يعملن سماسرة لهؤلاء مهمتهن تنحصر في قراءة الطالع وتمهيد الطريق عبر إقناع الزبونات في الاستعانة بهم.
وتتذكر إقبال، وهي موظفة حكومية، كيف أنها لجأت لامرأة معروفة بقراءة الطالع لمعرفة أسباب انفصال زوجها عنها وزواجه من أخرى، فنصحتها العرافة بعد قراءة طالعها بفك السحر المعمول لها عبر (شيخ) معروف بذلك.
وتضيف في حديثها "لقد اقنعتي، ثم جهزتُ قدرا من المال مقابل فك السحر، وزرتها لثلاث مرات وفي كل مرة تأخذ المال مني لإيصاله للشيخ، ولكنها في المرة الرابعة أخبرتني بأن مهمتي بدت صعبة لأن السحر من النوع (الأسود) وهذا يحتاج لأن "أمارس الجنس مع (الشيخ) نفسه كي يتمكن من فكّة"، على حد قولها.
وتتابع، "اقتنعت تقريبا بذلك، لكني كنت أخشى ألاّ يتم فك السحر، كما سمعت من كثيرات أعرفهن. لذا تراجعت عن الفكرة ورفضتها".
وتقول إقبال، إنها "تؤمن بوجود السحر، وتسمع دائما أن عمل السحر الأسود وفكّة لا يكون إلاّ بممارسة الجنس مع الساحر"، مشيرة إلى أنها لا تثق "بالذين ظهروا في الأعوام الأخيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لأن الذين يعملون السحر المضبوط ليس لديهم الوقت للإعلان عن أنفسهم لكثرة زبائنهم، فضلاً عن محاولاتهم الدائمة في التخفي والابتعاد عن الناس"، وفق تعبيرها.
ويقول المحامي زاهد شلال إن "إلقاء القبض على المشعوذين الذين يقومون بابتزاز الضحايا (النساء والفتيات) بالبلاد هو أمر شائع بين المحافظات كالديوانية ودهوك وأربيل وبابل وغيرها".
وغالبا ما يتم اعتقالهم بعد تلقي شكوى من امرأة أو فتاة كانت قد تورطت بعملية سرقة أو احتيال أو ابتزاز خشية الفضيحة، وفي حال لم يتم التبليغ عنهم فإن الأجهزة الأمنية لا تمتلك أية مسوغات تسمح باعتقالهم أو إلقاء القبض عليهم، لأن متابعة ومراقبة عمل مراكز وبيوت السحر والشعوذة تقع مسؤوليته على وزارة الصحة العراقية وليس على الأجهزة الأمنية والشرطة التي يكون دورها تنفيذيا وليس رقابيا، بحسب وزارة الداخلية.
لكن أكثر ما يثير قلق المحامي، بحسب قوله، هو "في عدم القدرة على الحد من ظهور هؤلاء المشعوذين، ما يجعلهم يتزايدون يوماً بعد آخر".
ووفقاً لمديرية الجريمة الاقتصادية في وزارة الداخلية، يوجد أكثر من 8 آلاف شخص يتعاملون بالسحر والشعوذة في عموم العراق، قسم كبير منهم يمتلكون ثروات طائلة جراء تلك الأعمال، ومقدار ما يتحصلون عليه من أعمالهم لا يقل عن 3 آلاف دولار شهرياً حتى عام 2015.
ويوضح شلال أن "تهم الفساد والرشاوى والمحسوبية وراء استمرار تزايدهم".
ويقع عمل السحرة والمشعوذين والمتعاونين معهم ضمن قانون النصب والاحتيال، إذ جاء في المادة 456 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969.
ويرى المحامي أن معاقبتهم بقانون النصب والاحتيال لا يعد كافياً، لأنه وبعد عام 2003 صارت مسألة السحر والشعوذة وسيلة تستعين بها عصابات الجريمة المنظمة لاستدراج الضحايا، وخاصة النساء في جرائم أخرى مثل تجارة البشر.
ويشير إلى أن الحل يكمن في "إصلاح المنظومة الصحية التي تعاني من تهم فساد، وألاّ تنحسر العقوبات التي لا تطبق دائما نتيجة الفساد أيضا على أصحاب مهن الشعوذة والسحر فحسب، بل يجب أن يعاقب كل من يستعين بهم".
الروحانيات والموروثات
ورغم إصدار وزارة الداخلية العراقية في عام 2017 قرار ا يقضي بإغلاق مكاتب السحر والشعوذة المنتشرة في بغداد وباقي محافظات العراق، فضلاً عن معاقبة المخالفين للحد من تزايدهم، ترى الباحثة الاجتماعية أسماء هشام أن تزايدهم باستمرار يعود إلى أن الكثير من الناس ينظرون إلى وجود ارتباط وثيق بين الروحانيات والموروثات الشعبية والدينية.
فمن يريد التخلص من الأمراض والفقر والعنوسة سيلجأ لبيت "شيخ أو سيد" كما يسميه الناس بذريعة "مس الجن" أو السحر المعمول له، بحسب هشام.
وتقول لموقع "لكن الأمر الآن تجاوز ذلك، وباتت النساء في منصات التواصل الاجتماعي تروج لعمل السحر وقراءة الطالع أكثر من الرجال، وصار الإقبال عليهن بشكل كبير، ما يعني أن القضية خرجت من إمكانية الجهات الأمنية أو الصحية الحد منها على أرض الواقع".
وتتابع، "لقد صاروا يعملون السحر أو يفكّونه ويقرؤون الطالع بانتظام وبشكل مباشر على الإنترنت من دون الحاجة إلى زيارة الزبون لمنازلهم، إذ يتم التعامل إلكترونيا عبر التحويل المالي ويتم الابتزاز وغير ذلك أيضاً إلكترونيا".
وتشير الباحثة أسماء هشام إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أفسحت المجال للمحتالين والنصابين لتمكين احتياجاتهم من استغلال النساء والفتيات عبر إيقاعهن بفخ الطالع والسحر وتوريطهن بممارسات جنسية مقابل المال أو الفضيحة في مجتمع عشائري محافظ.