المحايد/ بغداد..
لم يكتفِ العراقيون بالأزمات التي لاحقتهم منذ سنوات طوال، حتى جاء تصريحٌ من وزير المالية علي علاوي، ليبثَّ الرعب في نفوس العراقيين بشأن مستقبلهم، الذي توقعه علاوي أن يكون محفوفاً بالأزمات، خصوصاً بعدما يشهد العراق تسريح عدد كبير من موظفيه.
الوزير علاوي، معروفٌ بتصريحاته التي يدافع عنها ويقول إنها تستند إلى الوقائع، خاصةً بعد دفاعه عن قرار تغيير سعر صرف الدولار، بعد تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، معللاً ذلك، بأنه يأتي "لحماية المنتج الوطني، وتقليل الاستيراد من الخارج، والمحافظة على العملة الصعبة"، إلا أن عدداً كبيراً من المواطنين انتقدوا ذلك القرار، بسبب ارتفاع الأسعار في الأسواق.
وعلى الرغم من انتقاد عدد غير قليل من العراقيين لقرار سعر صرف، إلا أن الحكومة أعلنت عن تحقيق فوائد من القرار، حين قال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إن "تغيير سعر الصرف أعطى قوة لكثير من المفاصل الاقتصادية للبلاد، وهو ما يتسق مع تصريحات البنك المركزي التي أكدت أن رفع سعر الصرف أدى إلى زيادة تنافسية المنتج المحلي، فضلا عن تخفيض ضغط النفقات على وزارة المالية بنسبة 23% وهو ما مكّن وزارة المالية من تجاوز الأزمة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط عالميا خلال 2020 والأشهر الأولى من 2021".
وعلى هذا النسق، يدعو الوزير علاوي إلى الاستمرار، حين قال إن "سوق الطاقة سيشهد تغييراً هائلاً في السنوات العشر المقبلة على المستوى العالمي"، مشيراً إلى أن "استمرار اعتماد العراق على النفط يشكل خطراً وجودياً ما لم يلجأ إلى تنفيذ إصلاحات قاسية".
وأضاف، أن "قطاع النقل يستهلك نحو 60 بالمئة من النفط العالمي، غير أن الاعتماد على ذلك سيتوقف بحلول عام 2030 بعد أن ينتقل العالم إلى صناعة السيارات الكهربائية وطي صفحة الوقود"، مؤكداً أن "التغيير الهائل الذي سيضرب سوق الطاقة في العالم لا يختلف عما حصل حول الحطب ثم الفحم وبعدها الانتقال إلى الوقود الأحفوري".
وتابع: "ذروة (الأزمة التي ستواجه العراق) قد تحصل في 2030 أو 2040"، محذّراً من أن البلاد معرضة لانهيار في إيرادات النفط في السنوات الخمس أو العشر المقبلة، وذلك بسبب الاعتماد الكلي على الخام".
وأكد علاوي أن "الهيكلية المالية في العراق جامدة للغاية ولا مرونة فيها أبداً... وعندما تنهار أو تنخفض الإيرادات فالنتيجة هي إما تسريح أعداد كبيرة من الناس... وهذا الشيء لا يمكن أن يحصل سياسياً، أو تتراكم المتأخرات" في إشارة إلى تأخير صرف الرواتب.
ولفت الوزير، إلى أن "رواتب المتقاعدين سترتفع في السنوات الخمس المقبلة إلى 25 تريليون دينار، وحالياً ينفق العراق 19 تريليون دينار على المتقاعدين"، مبيناً أن "التزامات المتقاعدين تتزايد باستمرار"، فيما أشار إلى أن "مستوى التهديد على المدى المتوسط كبير جداً جداً".
وأوضح، أن "الزيادة في استحقاقات رواتب الموظفين والتعاقد جراء الوفرة المالية، ضغطت على مالية الدولة بسبب تراجع أسعار النفط".. مشيرا إلى أن "الإنفاق الاستثماري في العراق كبير بعد 2003، لكن لم يكن وفق ضوابط وأغلب المشاريع وقفت وراءها دوافع شخصية أو قطاعية وليس مشاريع اقتصادية".
وأشار إلى أن "هناك هدرا كبيرا وسوء استخدام للموارد أكثر من كونه سرقة أو فساداً وأناس غير كفؤين قدموا المشاريع وأدارها أشخاص غير مؤهلين وهناك موارد هائلة تصرف على مشاريع لكن أثرها الاقتصادي قليل"، موضحًا أن "هناك مشاريع مستشفيات أقرت بعد العام 2011 لكن لم تكتمل وقسم منها لم تكن لها تخصيصات وانسحب المختصون واستفاد البعض وبقيت هياكل".. مشيراً كذلك إلى أن "المشاريع الصغيرة في أغلب الأوقات تكون أكثر نفعاً للاقتصاد من المشاريع الكبرى".
وحول الإمكانات المتوفرة وكيفية استثمارها، قال علاوي إن "العراق من الممكن أن يستفيد من وضعه الجغرافي ليكون معبراً عبر تنفيذ موانئ وطرق سريعة ترتبط بسكك حديد، ومشاريع صناعية، والعراق يحتاج لإصلاح جذري لنظام إدارة الاقتصاد لمواجهة التحديات ومن بينها تراجع أسعار النفط".
وحذر علاوي من أن "الاقتصاد العراقي مبني كليا على الإيرادات النفطية وبنسبة 95%، وفي آخر عامين بدأت اقتصاديات الدول الكبرى والصناعية تبحث عن بديل للنفط وهذا خطر علينا ويجب إيجاد موارد بديلة للنفط لمواجهة هذا التراجع، دول الخليج لديها استثمارات مالية بقيمة ترليوني دولار لمواجهة خطر تراجع اسعار النفط".
وأشار إلى أن "إنفاق الدولة كبير لكن بالمقابل يحتاج لموارد إضافية، مثلاً عدم دفع فواتير الكهرباء من قبل المواطنين يكلف الدولة 15 تريليون دينار سنويا"، مؤكداً أن العراق يمتلك طاقات بشرية اقتصادية ورؤية تشخص التحديات وتضع الوسائل للاستقرار الاقتصادي".
ولم يتفق بعض الخبراء الاقتصاديين مع رأي الوزير علاوي، حول تسريح الموظفين خلال السنوات المقبلة، ومن بينهم الخبير الاقتصادي ضياء محسن، الذي قال، إن "تصريح وزير المالية بشان تسريح الموظفين بعد 10 سنوات، أمر مستغرب، كون العراق يجب أن يستفيد من الإيرادات المتحصلة من الثروات النفطية في البلاد لاستثمارها في مشاريع صناعية وزراعية لتطوير البنى التحتية في البلد، وهذا الأمر لم يركز عليه وزير المالية".
وأوضح، أن "رفع سعر صرف الدولار كان مطروحاً أمام الورقة البيضاء وحتى في اعداد الموظفين، وكان يفترض ان تكون هناك معالجات لهذا الموضوع".