يعتزم العراق إنشاء سد مائي كبير على شط العرب، للحفاظ على مياهه ومعالجة الملوحة ومنع تمدده والتي طالما عانى منها منذ سنوات في ظل تراجع تدفق المياه من دول الجوار وقلة الأمطار، فضلا عن تقليص مساحاته الزراعية بسبب تغير المناخ.
يشار إلى أن العراق لم يبن سدودا منذ فترة طويلة، غير أن السد الذي يسعى لإنشائه يواجه اعتراضا حول موقعه، بين أن يكون مشتركا مع إيران وبين أن يكون بعيدا عن المياه الإقليمية الإيرانية، وهو بانتظار حسم ذلك الجدل للمباشرة ببنائه.
وقد أعلن العراق عن انتهاء شركة "تكنكل" الإيطالية (Italian Technical Company) من إعداد التصاميم الخاصة بإنشاء السد، الذي من المؤمل أن يحافظ على مليارات الأمتار من المياه المهدورة في شط العرب، ويتكفل بإنهاء شح المياه في المناطق الجنوبية.
ووفق مستشار لجنة تحسين جودة المياه التابعة للأمانة العامة في مجلس الوزراء العراقي نجم عبد طارش فإن السد الذي أنجزت شركة "تكنكل" الإيطالية تصاميمه، سيعمل على تنظيم حركة المياه وإيقاف تدفقها وهدرها، إضافة إلى منع المياه المالحة من تكوين ألسنة ملحية داخل الأراضي العراقية لا سيما في محافظة البصرة (جنوبي البلاد)، كما أنه سيسهم بتوفير كميات كبيرة من المياه للمحافظات الجنوبية، خصوصا البصرة وذي قار وينهي بشكل تام الشح المائي في هذه المنطقة، كما يساعد على تغذية الأهوار في حال انخفاض مناسيب مياهها.
وأكد طارش على أن السد صمم بشكل يساعد على تدفق 70 مترا بالثانية من المياه، وهذه تكفي لزراعة 550 ألف دونم، مشيرا إلى أنه سيسهم أيضا بإعادة إحياء آلاف الدونمات من البساتين التي تأثرت بالملوحة والجفاف.
وأشار إلى أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تدعم بقوة تنفيذ هذا المشروع، وقطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، مشددا على أنها عازمة على إنجازه، حيث تبلغ كلفته الإجمالية نحو مليار دولار، ويمكن البدء بتنفيذه خاصة مع وجود وفرة مالية حاليا من مبيعات النفط في ارتفاع أسعاره عالميا.
ونوه طارش بأن المشروع يواجه اعتراضا من إيران بشأن تأثيره على موانئها في شط العرب، مستدركا بالقول إن هذا يمكن حله من خلال إنشاء السد جنوب البصرة (منطقة أبو فلوس) بنحو 20 كيلومترا، وهذا يطمئن الإيرانيين بأن موانئهم لن تتضرر.
ويرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية الدكتور رمضان حمزة محمد أن المشروع ضروري؛ ولكنه يجب أن يكون -وفق رأيه- بالتكامل مع منظومة مياه البزل (المياه الملوثة الراجعة من الأنهر وغير صالحة للشرب أو للزراعة وتكون طينية)، ومياه الصرف الصحي بعد معالجتها، والمياه المتأتية إلى شط العرب، ويرى أن الموقع الأفضل لإنشاء السد هو منطقة أبو فلوس.
ويقول محمد للجزيرة نت إن من الأفضل أن تصمم مكونات السد بجزأين؛ الأول خرساني غاطس والآخر ركامي مكمل للجزء الغاطس، بحيث تكون هناك قناة ملاحية لعبور البواخر والزوارق البحرية، وكذلك يجب أن يكون هناك مهرب يفتح عند الفيضانات، مشيرا إلى أن هذا المشروع سيساهم باحتواء أزمة المياه الحالية، والتي بلغت مستويات خطيرة، حيث أصبح إنشاء السد من الأولويات، وفق قوله.
وتقول وزارة الموارد المائية العراقية إن الهدف من إنشاء السد هو إيجاد حلول واقعية لمعالجة الملوحة ومنع التمدد الملحي في شط العرب الواصلة إليه من الخليج العربي.
ويؤكد مصدر مسؤول في الوزارة للجزيرة نت (فضل عدم الكشف عن هويته) أن هناك دراسة لتحديد 3 مواقع لاختيار الموقع الملائم من النواحي الفنية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، على أن يتم تأمين الكمية والنوعية المناسبة من المياه للاستخدامات البلدية والصناعية والإروائية في منطقة المشروع، إضافة إلى تأمين الملاحة في نهر شط العرب بعد إنشاء السد.
ولخبيرة المياه الدكتورة مها رشيد رأي مخالف، حيث تؤكد أنه لا وجود لمياه تهدر في شط العرب، كون ما يصل شط العرب عند محافظة البصرة لا يتعدى 20 مترا مكعبا بالثانية، بينما يتطلب توفير ما لا يقل عن 50 مترا مكعبا بالثانية، فضلا عن أن إنشاء السد سيؤدي إلى تغدق الأراضي وزيادة في الملوحة.
وتقول الدكتورة مها -وهي أستاذة الهندسة المدنية في جامعة دجلة- للجزيرة نت إن إنشاء السد قد يؤدي لتخزين المياه وهي ملوثة بمياه الصرف الصحي، وذلك يتطلب إجراءات لتنقية المياه.
إشكالات على اختيار موقع السد
ويقول نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة المهندس علاء البدران إن الجهات المختصة بالمياه سبق أن قدمت مقترحات حول إنشاء السد على شط العرب، ومنها جامعة البصرة.
وأوضح أن معظم المقترحات تركزت على أن يكون إنشاؤه في منطقة أبو فلوس، أي قبل الحدود مع إيران لتفادي مياه البزل الإيرانية المتدفقة نحو شط العرب، وبسبب وجود مشروع مبزل عراقي يمتد من محافظة واسط وحتى البصرة شرق نهر دجلة.
ويؤكد البدران للجزيرة نت أن إيران لم تعترض على إنشاء السد في هذا الموقع، لكنها اقترحت إنشاء السد في منطقة رأس البيشة التي يتقاسم العراق وإيران فيها شط العرب، بينما قدم العراق تحفظه على ذلك الاقتراح، غير أن وزارة الموارد المائية العراقية قدمت مقترحا لإنشاء السد في منطقة كتيبان بالبصرة، لكن حكومة البصرة المحلية اعترضت، لكونه سيتسبب بتملح الأهوار، إضافة إلى تكلفة استخدام وإدارة المياه في المناطق الواقعة جنوب السد.