موجات النزوح الكبيرة التي خلفها عصابات داعش عام 2014 وما بعده وأثناء عمليات التحرير، أسفرت عن خسارة أغلبية النازحين ممتلكاتهم ووثائقهم الشخصية، من بينها عقود الزواج والطلاق وشهادات الميلاد، وأكثرها ما تم داخل مخيمات النزوح، وهذا أدى لتعقيد إثبات هوياتهم وتقييدها في سجلات النفوس الرسمية.
يقول فيصل سامي، وهو نازح في مخيم شاريا بمحافظة دهوك: "فقدت هوية الأحوال المدنية، اثناء مغادرتي مدينتي في الموصل إبان احتلال داعش، وحتى الآن لم أستحصل على وثيقة بديلة عنها جراء التعقيد المعتمّد في الإجراءات الإدارية المتبعة في مؤسسات الدولة".
ويضيف "خضت جولة من المراجعات عند دوائر النفوس لاستصدار صورة قيد لابنتي التي أرادت الحصول على جواز سفر، وكلف ذلك نحو مليوني دينار".
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، دعا السلطات العراقية إلى اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنح نحو عشرة آلاف نازح وثائق ثبوتية بدلًا من التي فقدوها أثناء فرارهم من منازلهم صيف 2014 وما بعده.
وأشار إلى أن "هؤلاء النازحين محرومون من العمل، سواء خارج المخيم لعدم قدرتهم على الحصول على أذونات للخروج، أو حتى داخل المخيم لأنّ الأعمال المتاحة تُلزمهم بإحضار أوراق ثبوتية".
وهذا أثّر على نحو كبير على وضعهم المعيشي المتدهور أصلًا، إذ لا يتمكنون من تأمين احتياجاتهم الأساسية لتعذر الحصول على مصدر دخل، ويعتمدون في عيشهم على بعض المساعدات الغذائية الشحيحة، حسب المرصد.
وبيّن وفق مقابلات أجراها مع نازحين، أن بعضهم "يُرغمون في كثير من الحالات على محاولة تأمين مبالغ مالية باهظة ودفعها كرشاوى مقابل الحصول على وثائق ثبوتية" مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ معظمهم لا يمتلكون المال بسبب تعطلّهم عن العمل.
ولفت المرصد إلى أنّ تبعات فقدان النازحين لوثائقهم الثبوتية لا تتوقف على حرمانهم من الحق في العمل، بل قد تحول دون حصولهم على المساعدات الغذائية، وتجعلهم عرضة للاعتقال في حال خروجهم من المخيم لأي سبب.
وقال إحدى النازحات (فضلت عدم ذكر اسمها) لفريق المرصد "أعاني كثيرًا بسبب عدم امتلاكي لوثائق ثبوتية، فكثير من الجهات الإغاثية رفضت تزويدنا بالمساعدات كوننا لا نمتلك أي أوراق تثبت هويتنا. أودّ الخروج مع ابني خارج المخيم لكنّني أخشى أن يتم اعتقالنا وأن نُلقى في السجن، خاصة مع وجود حالات اعتقال سابقة مشابهة".
وكانت وزارة الداخلية العراقية، أعلنت في ديسمبر 2020، عن استحداث آلية خاصة لإصدار الوثائق الثبوتية الخاصة بالنازحين في مقار نزوحهم، في أعقاب الحملة التي أطلقتها السلطات آنذاك لإغلاق جميع المخيمات.
وأوضحت أن آليات التنفيذ ستتضمن إرسال لجان مختصة من مديرية الأحوال المدنية إلى مخيمات النازحين في السليمانية، وأربيل، ودهوك، وكركوك، وصلاح الدين، لإنجاز معاملات النازحين الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية.
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، حينها، قرار الحكومة العراقية بأنه "خطوة إيجابية"، لكنها حذرت من إجبار سكان المخيمات على الخروج بلا "سبل بديلة" للحصول على الخدمات الأساسية لهم.
وزارة الهجرة والمهجرين
يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي جهانكير، أن "إصدار الوثائق الثبوتية يجري وفق السياقات الإدارية والقانونية وهو مستمر في الدوائر المعنية باستصدار الأوراق الرسمية"، مستدركاً "لكن هناك بعض العراقيل التي تبطئ من إنجازها بالسرعة والوقت اللازمين لذلك".
ويقول إنه "تشكيل لجان مشتركة من أطراف عدة، بينها الهجرة والنفوس والداخلية والأمم المتحدة وجهات أخرى، يتطلب وقتاً قد يتجاوز في أفضل حالاته شهرا واحدا بفعل الإجراءات الإدارية والمخاطبات الرسمية، حتى يتم استكمال الفريق، وهو أحد الأسباب التي تؤخر إنجاز استصدار الوثائق في وقت مناسب".
"كما أن الظروف السياسية التي تعيشها البلاد ألقت بظلالها على عمل تلك اللجان المكلفة بمتابعة طلبات النازحين سواء في المخيمات أو خارجها"، يضيف جهانكير.
بدوره، يقول جياي صدقي، وهو مدير شؤون النازحين في منظمة "هاريكار" الإنسانية، التي تعنى بتقديم الخدمات القانونية لسكان المخيمات في دهوك: "خلال عملية توثيق أعداد النازحين في المخيمات وخارجها وجدنا أن هنالك أكثر من 26 ألف شخص يرمون للحصول على الوثائق الثبوتية".
ويوضح "أكثر من 13 ألف نازح قدموا طلبات للحصول على شهادة الجنسية العراقية البقية في استحصال هوية الأحوال المدنية".
ويبيّن أن آليات عمل المنظمة تقع في تسيير فرق تابعة لهم يستقر تواجدها عند مخيمات النازحين أحياناً أكثر من شهرين، مهمتها تنظيم طلبات الوثائق الثبوتية، ثم تقديمها لاحقاً إلى اللجان الرسمية المختصة عند زيارتها تلك الأماكن للنظر في الملفات.
وكانت آخر حملة أجرتها وزارتي الهجرة والداخلية بمساعدة منظمة "هاريكار"، في مخيمات راونكا والداودية وباجمكالا، وأصدرت بموجبها 3400 شهادة جنسية عراقية و1800 هوية أحوال مدنية، بحسب صدقي
ويتابع أن "مجموع ما تم استصداره من وثائق ثبوتية عن طريق المنظمة وعبر أربع حملات على مدار ثلاثة أعوام، انتهاءً بشهر يونيو الماضي، بلغ أكثر من 25 ألف وثيقة ثبوتية، تنقسم إلى 8272 هوية أحوال مدينة و16373 شهادة جنسية عراقية".