المحايد/ ملفات
وضعت الأزمات المتكررة، حكومة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمام تحديات كبيرة، وسيناريوهات لم تكن بالحسبان خصوصاً بعد استهداف أبراج الطاقة الكهربائية، والتصعيد المستمر بين عناصر الفصائل والقوات الأمريكية، لتوجه الأولى ضربات صاروخية، وترد الثانية بضربات جوية تنتهك السيادة العراقية كما يحدث في الأولى.
ووسط الأزمات الحاضرة، أضحت حكومة الكاظمي من دون وزيرين، وهما وزير الكهرباء ماجد حنتوش الذي قدم استقالته بعد تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وبعد تردي التيار الكهربائي، والوزير الآخر، هو وزير الصحة حسن التميمي، الذي أيضاً قدم استقالته للكاظمي عقب كارثة الحريق الذي وقعت في مستشفى ابن الخطيب، وأدت إلى استشهاد أكثر من 80 شخصاً وإصابة 100 آخرين.
ومع اقتراب الانتخابات النيابية، تخشى الكتل السياسية من تقديم وزيرين لوزارتي الصحة والكهرباء، خوفاً من فشل آخر قد يحدث، ويضعها في موقف محرج أمام المواطنين، خصوصاً وأنهم غاضبون من العملية السياسية التي يرون أنها لم تقدم شيئاً يذكر.
ومع بقاء الوزارتين من دون وزيرين، فتُدارا حاليا من قبل وكلاء الوزراء، تحت إشراف الكاظمي، ووفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والحزبية المعمول به في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، فإن وزارتي الكهرباء والصحة في هذه الحكومة من حصة "التيار الصدري"، لكن الأخير يرفض انتسابهما له، مشدّداً على أن الوزيرين المستقيلين لا ينتميان للتيار.
ووسط نأي التيار الصدري عن الوزارتين، يشير أحد المصادر السياسية المقربة من الحكومة إلى أن "الكاظمي طرح فكرة تسمية وزيرين من داخل الوزارة نفسها لإدارتها، لكن الكتل السياسية لم تردّ عليه، لأن مناصب وكلاء الوزراء والمدراء العامين في الوزارات بالأساس خاضعة للمحاصصة أيضاً، ما يعني أن أي مرشح سيكون سلفا منتميا لأحد الأحزاب الحالية".
ومع المعلومات التي تشير إلى أن حصة الكهرباء من نصيب التيار الصدري، فقد دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى إقالة وزير الكهرباء الحالي لعدم قدرته على حلّ المشاكل الحالية التي يعاني منها الشعب، وقدم مقترحاً لعقد اتفاقات مع شركات عالمية لإعادة تأهيل الكهرباء في العراق.
وقال زعيم التيار الصدري إن "مشكلة الكهرباء في العراق تكمن في عدّة أمور مهمّة تسببت ولو بصورة تدريجية بتردّي الطاقة الكهربائية الكهرباء" عادّاً "الفساد أحد الأسباب التي أدت إلى هدر الطاقة الكهربائية".
الصدر أكد أن الإرهاب والتفجيرات التي يوقعها في الطرق العامة، وسوء توزيع المحطات، واستعمال الكهرباء بصورة مفرطة ولا سيما في التجارة وأهل المحال والفنادق ومؤسسات الدولة، فضلاً عن التجاوز على الطاقة بصورة غير رسمية، جميعها عوامل تتسبّب بتردّي الطاقة الكهربائية في العراق.
وحذر الصدر من عواقب التردي والتراجع الحاصل في الطاقة الكهربائية في العراق، منها تردّي الوضع الخدمي وجودة الخدمات في المجالات الصحية، والزراعية، والتعليمية، والصناعية، كذلك التذمر الشعبي وازدياد النقمة، فضلاً عن انتشار الجريمة والسرقات والقتل في البلاد.
وأوضح الصدر أن "الحكومة العراقية قد أغفلت الكثير من النتائج والأسباب، وركزت على مسألة الخصخصة أو دفع الأجور، وكأنه السبب الوحيد لتردي الطاقة الكهربائية ومن دون وضوح في آلية الخصخصة".
الصدر ذكر خلال تغريدته عدّة مقترحات لاخراج العراق من أزمة الطاقة الكهربائية، ومعالجة المنظومة الكهربائية في البلاد، منها عقد اتفاقات مع شركات عالمية لإعادة تأهيل الكهرباء في العراق، وإيجاد قوة أمنية نظامية وحكومية عالية المستوى لحماية الخطوط الكهربائية، والعمل الجاد لإنهاء الفساد والاستعانة بالخبرات الوطنية في إدارة ملف الطاقة الكهربائية في البلد بعيداً عن التحزب والطائفية".
ورأى الصدر أن إعادة تأهيل الكهرباء يتطلب الجباية، وسن قانون يتعلّق بمعاقبة المتخلفين عن دفع الجباية ومن يحاول التجاوز على الخطوط، وكذلك يفرط في استخدام الطاقة الكهربائية، لافتاً إلى وجود "جهات داخلية تعمل على إبقاء الأزمة الكهربائية لمنافع حزبية وشخصية داخلية أو خارجية، وعلى الحكومة أن تتعامل بحزم مع الأمر".
وبعد مقترحات الصدر لمعالجة الكهرباء، أجرى الكاظمي اتصالا هاتفياً نهاية الأسبوع الماضي، وطلب منه دعمه في فكرة التوجه إلى الشركات الأجنبية لتأسيس منظومة كهربائية، حسب ما يقول أحد المصادر المقربة من الكاظمي.
ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أن "الكاظمي طلب من الصدر دعمه في فكرة التوجه إلى الشركات الأجنبية للبدء بعملية تأسيس منظومة كهرباء تنهي المشكلة بشكل جذري، فضلاً عن دعم مشروع الربط مع الخليج والأردن كحل آني، كون الخطوة تلاقي معارضة من قبل فصائل مسلحة وأحزاب حليفة لإيران".
وأشار إلى أن "الصدر أبدى دعمه للكاظمي في خطواته بشأن أزمة الكهرباء، وطالب بالنأي باسم التيار الصدري عن ملف الكهرباء والتصرف من قبل رئيس الحكومة بما يراه مناسباً".
وأوضح، أن "الأجواء الحالية، وبسبب قرب الانتخابات والإخفاق بوزارتي الصحة والكهرباء، فإن كل الكتل ترفض المطالبة بالمنصب، لذا قد تستمر حالة الوكالة".
ويعود التيار الصدري مجدداً تأكيده بعدم علاقته بوزارة الكهرباء، عبر لسان عضو تحالف سائرون، رعد المكصوصي، حين قال في تصريح، إن "التيار لا علاقة له بوزارة الكهرباء، لكن هناك جهات سياسية داخلية وأخرى خارجية تريد توريطه بأي فشل حكومي يحدث في البلاد، رغم أن من حق التيار أن يدير أربع وزارات، بالاعتماد على نتائج انتخابات 2018".
وشدّد على أن "اختيار وزير جديد لأي وزارة شاغرة، هو من صلاحية رئيس الوزراء وحده، حتى وإن كان المنصب من استحقاق التيار الصدري، فلا يتدخل أحد من التيار لفرض اسم معين".
وبرأي النائب باسم خشان فإن "وكلاء الوزير ينتمون عادة إلى كتلة سياسية أيضاً، لأن منصب الوكيل مدرج ضمن المحاصصة، ومعظم الوكلاء والمدراء في وزارتي الصحة والكهرباء يتبعون التيار الصدري، لذلك فإن التيار ليس مهتماً كثيراً لاختيار وزير جديد، طالما أنه لا يزال يتحكم بالوزارتين".
وأشار خشان إلى أن "قادة التيار الصدري، وفي أي وقت يفكرون باختيار وزراء جدد، فلن يكون أمام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي غير القبول بهم، من دون أي نقاش".
أما خبراء قد أكدوا أن بقاء الوزارتين من دون وزيرين أمر مرجح، وأشاروا إلى أن "الصدر لن يتورط أكثر ولن يختار أي وزير جديد للوزارتين الشاغرتين، بل سيوافق على نظام العمل بالإدارة أو تحويل صلاحياتها إلى رئيس الوزراء، الذي ينفذ هو الآخر معظم المصالح التي يطلبها التيار، فضلاً عن كونه أساساً صديقاً مقرّباً من الصدر".
وأوضح الخبراء، أن "الكتل الأخرى لا تريد الدخول بأزمة في هذا الإطار قبل أقل من 100 يوم على الانتخابات"، مشيرين إلى أن "إدارة وزارات بالوكالة سابقاً، لفترات امتدت ثلاث سنوات، كما حصل في زمن حكومة نوري المالكي الثانية بين عامي 2010 و2014، يجعل من مسألة بقاء الوزارتين أمراً طبيعياً بين القوى السياسية، حتى مع معاناة الشارع من قطاع الصحة والكهرباء".