المحايد/ ملفات
بعد الانتقادات الواسعة التي طالت مجلس القضاء الأعلى، خرج رئيسه فائق زيدان بتصريح خلال مقابلة صحفية مؤكداً صدور أحكام بحق قتلة المتظاهرين وهشام الهاشمي، الذي مر على اغتياله أكثر من عام، لكن المواطنين والمراقبين للشأن السياسي في العراق، لم يروا عملية اعتقال طالت أسماء كبيرة.
وقال زيدان إن "بعض قضايا قتلة المتظاهرين أنجزت منها صدور أحكام الإعدام بحق ضباط في واسط وبابل"، مشيراً إلى أن "قضية قتلة المتظاهرين معقدة وشائكة وفيها أطراف كثيرة، وهناك أطراف سياسية تدخلت لغايات انتخابية ولتسقيط جهات أخرى"، ما يدفع إلى الشك بإجراء عمليات إلقاء القبض التي توقع كبار المتورطين.
وكان الكاظمي قد شكل في 20 تشرين الاول اكتوبر عام 2020 "فريق تقصي الحقائق" مهمته التحقيق في الأحداث الدموية وحالات القتل والإصابات التي تعرّض لها المتظاهرون عقب موجة الاحتجاجات التي انطلقت في تشرين الأول اكتوبر عام 2019 وهي تضم 5 قضاة متقاعدين مدعومين بفريق من المحققين.
وخلّفت انتفاضة تشرين في العام ٢٠١٩، أكثر من ٧٠٠ شهيد وآلاف الجرحى، بعد استخدام القوة المفرطة في عهد حكومة عادل عبد المهدي، التي أجرت تحقيقاً آنذاك أظهر استخدام القنص والقتل، وركزت على بعض أعمال التخريب التي رافقت التظاهرات.
وأبلغ أحد المصادر المقربة من الحكومة، "المحايد"، أن "الحكومة التي لم يبقَ على عمرها سوى ٣ أشهر، قد تكشف عن جزء قليل من المتورطين بقتل المتظاهرين، وهؤلاء هم جنود صغار أو ضباط صغار، دون الكشف عن الجهات التي تقف خلفهم أو التي أصدرت أوامر باستخدام القوة المفرطة".
وأشار إلى أن "المحاصصة والميليشيات والسلاح المنفلت، يمنع الكاظمي من محاسبة عبد المهدي، أو قادة الميليشيات التي تتهمهم بعض أسر الشهداء بقتل أبنائهم في التظاهرات".
وكان أحمد ملا طلال، الذي شغل منصب المتحدث باسم رئيس الوزراء، قد كشف عن التوصل لخيوط تخص جريمة قتل الباحث الأمني هشام الهاشمي، وعن اعتقال بعض المشاركين في عملية قتل المتظاهرين.
وقال ملا طلال آنذاك، إن "اثنين من قتلة هشام الهاشمي تم التعرف عليهما، وهناك جهات هربت القتلة إلى خارج العراق، لكن الكاظمي قد وعد بملاحقة قتلة الهاشمي، وسيتم جلبهم من خارج العراق".
وبعد حديث ملا طلال وعقب استقالته، قال الناطق باسم القائد العام اللواء يحيى رسول في مقابلة متلفزة: "كان على احمد ملا طلال ان يكشف اسماء قتلة هشام الهاشمي بدلاً من التلويح بمسك رأس خيط الجناة".
وردّ ملا طلال في تغريدة على تويتر، ساخراً، "هذا شغلكم مو شغلي آني مهمتي تقتصر على توفير الكهرباء ٢٤ ساعة وحصر السلاح بيد الدولة وانضمام العراق الى مجموعة الدول الصناعية السبع".
وبعد وصول الكاظمي إلى سدّة الحكم، تعهد بالكشف عن قتلة المحتجين والتحقيق بالمجازر التي حدثت في عهد حكومة عبد المهدي، مع مطالبات أهالي الضحايا بأن تكون التعهدات حقيقية، وتكشف القتلة والمتورطين، دون النظر إلى مناصبهم ومكانتهم في المجتمع.
وكانت عائلات خمسة عراقيين، تقدمت بشكوى قضائية لدى النيابة العامة، المختصة بمكافحة الجرائم ضد الإنسانية في العاصمة الفرنسية باريس، ضد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي”، حين اتهمته فيها بـ "القيام بجرائم ضد الإنسانية، منها التعذيب والإخفاء قسري، خلال قمع مظاهرات انتفاضة تشرين".
وبعد مصارحة القصاء بإصدار احكام بحق قتلة المتظاهرين، قال مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية، إن "الأيام المقبلة ستشهد الإعلان عن عديد من اللجان التحقيقية، التي شُكّلت في ملف التظاهرات"، مشيراً الى أن "الحكومة العراقية ستعلن عن ملف اغتيالات الناشطين، بعدما توصلت إلى نتائج ايجابية حول الجناة، الذين قامت باعتقال بعضهم".
واتهم المصدر "بعض الأحزاب وميلشياتها باستغلال الموضوع، ومحاولة خلط الأوراق، وحرق الخصوم السياسيين، قبيل الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي حُددت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021".
بموازاة ذلك يحذر أعضاء في لجنة الأمن والدفاع النيابية من "المماطلة في تحقيق مطالب الشعب العراقي، والاستهزاء بدماء الأبرياء، واخضاع ملف قتل المتظاهرين لمصالح حزبية، وتنافس انتخابي لا طائل من ورائه".
وكان رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية “محمد الحيدري” قد حذرالحكومة العراقية من "عدم التعاطي بإيجابية مع ملف ضحايا تظاهرات تشرين"، موضحاً أن "ثائرة الناس لن تهدأ، مالم تقف على حقيقة الانتهاكات التي تم ارتكابها، والمسؤولين عنها".
وفي وقت سابق، أعلنت لجنة تقصي الحقائق العراقية في قتل المتظاهري عن التحقيق مع 112 ضابطا ومنتسبا للقوات الامنية في القضية منوهة الى انها استمعت الى شهادات ذوي الضحايا ودرست الأدلة الجنائية والأوراق القضائية في 7 الاف وثيقة قضائية صادرة عن المحاكم من قبل قضاة في اللجنة مؤكدة ان اعلان نتائج تحقيقاتها مسألة وقت فقط".
وقال المتحدث باسم اللجنة محمد الجنابي إن "اللجنة وبإشراف وتوجيه من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومستشاره للجنة تقصي الحقائق المشكلة وفق امر ديواني العام الماضي والخاصة بالتحقيق في قتل المتظاهرين والكشف عن الجناة وتعويض المتضررين من عوائل الضحايا قد استدعت شهوداً واطلعت على الأدلة الجنائية والأوراق القضائية في 7 الاف وثيقة قضائية من المحاكم من قبل قضاة أعضاء في اللجنة تم اختيارهم من قبل الكاظمي بمهنية وحيادية عاليتين لضمان الوصول إلى نتائج حيادية ورفع الضبابية عن هذا الملف الشائك".
ولفت إلى أن "مستشار لجنة تقصى الحقائق أكد أن الجرائم كانت بشعة وأن الكشف عن الجناة مسألة وقت لان العملية قضائية وقانونية وتحتاج الى كشف الأوراق والأدلة الجنائية وكشف الدلالة والاطلاع على سجلات الطب العدلي والاستماع الى الشهود وذوي الضحايا إضافة إلى استدعاء المتهمين لضمان صدور قرار قضائي صحيح يحال الى المحاكم المختصة دون وجود أي ثغرة قانونية أو خطأ أو اتهام أحد جزافا".
وأوضح الجنابي أن "اللجنة استدعت أيضاً عوائل الضحايا من المحافظات وسجلت شهاداتهم وقامت بإحالتهم الى المؤسسات الرسمية كمؤسسة الشهداء وضحايا الارهاب لتعويضهم وشمولهم ضمن القوانين السارية في الدولة".
وبخصوص منتسبي الأجهزة الأمنية قال أن "اللجنة استدعت 22 ضابطاً من رتبة نقيب إلى لواء ونحو 90 منتسباً من وزارتي الداخلية والدفاع".. موضحا أن "قسماً من الضباط والمنتسبين متهمون بقضايا قتل والقسم الآخر من المتضررين والضحايا".
وشدد على "ضرورة أن تكشف حقائق الأمور وتفرز الأوراق بصورة صحيحة من خلال الاستماع الى الشهود لضمان مجازاة المتضررين ومعاقبة المسيئين". وبشأن موعد الكشف عن الجناة وصدور قرارات قضائية بحقهم اشار الجنابي الى إن "اللجنة رفعت القضايا المثارة من قبل ذوي الضحايا الى المحاكم المختصة وأخذت مجراها القانوني ليتم الاطلاع عليها مرة أخرى من قبل القضاة المختصين من أصحاب المهنية والحيادية، وإعادة التحقيق حتى يتم إصدار القرارات القضائية الصحيحة".
وأكد ان الكشف "عن الجناة والمجرمين هو مسألة وقت".. منوها الى ان اللجنة مستمرة في عملها منذ تشكيلها العام الماضي وحشدت كل الوزارات والمؤسسات المعنية من وزارات الداخلية والدفاع والعدل والصحة ومجلس القضاء الأعلى وأجهزة الأمن الوطني والمخابرات ومكافحة الارهاب لكشف الحقائق الى الرأي العام الداخلي والدولي أيضاً".
وقال الكاظمي خلال اجتماعه مع أعضاء الفريق "ان تشكيل هذا الفريق يمثل إعادة لولادة قيم الدولة الساعية إلى العدل والإنصاف، والتي تتعامل بمسؤولية مع حقوق شعبها".
وشهدت بغداد في ٢٥ أيار الماضي، تظاهرات تحت شعار "من قتلني" لكشف المتورطين بقتل المتظاهرين، إلا أن خلال التظاهرات، قُتل متظاهران واصيب 150 أخرين منهم ومن افراد القوات الامنية اثر صدامات بين الطرفين في ساحة التحرير وسط بغداد.
وتؤكد منظمات حقوقية عراقية ان البلاد شهدت نحو 89 اغتيالا ومحاولة اغتيال و44 عملية اختطاف لنشطاء نفذتها مليشيات عراقية موالية لايران منذ اندلاع تظاهرات الاحتجاج الشعبية.
وقال أحد الناشطين في الاحتجاجات لـ "المحايد"، إن "هناك بوادر استجابة من بعض المؤسسات لكنها ما زالت بطيئة، وهذا غير مرض لنا، ومن الممكن تصعيد خطواتنا في حال عدم وضع حد لظاهرة قتل العراقيين، كما يحصل في الوقت الراهن، على أيدي الميليشيات".
ويشير أحد المراقبين للشأن السياسي إلى أن "الحكومة قد تعلن عن قتلة المتظاهرين قبل فترة الانتخابات بأيام قليلة، من أجل كشف زيفهم، وتشكيل ضغط شعبي ضدهم، لكن السلاح المنفلت قد يكون له رأي آخر".