المحايد- ملفات
بينما تطفو محافظة البصرة جنوبي العراق على بحر من النفط، يعاني نصف سكانها من الفقر المدقع، و يهاجم مرض السرطان نحو أكثر من 2000 مواطن بصري سنوياً بسبب الانبعاثات النفطية والمخلفات الحربية، ليتحول الكنز الأسود الهائل إلى نقمة تهدد حياة ملايين المواطنين.
وفي بيان سابق، حذرت مفوضية حقوق الإنسان، من ارتفاع نسبة الفقر في محافظة البصرة، وطلبت وضع خطة عاجلة لتوزيع الثروات بـ"عدالة" بين أفرادها.
وقالت إنها "تتابع وترصد تفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة والزيادة المستمرة في نسبتي الفقر ودون خط الفقر في مدينة أصبح الخوض بوصف خيراتها وحجم ثرواتها لهذه الثروات لا ينفع أهلها، إلا بالمزيد من الآثار القاتلة من الأمراض والبطالة ونقص في الحرث والنسل".
يقول الخبير الاقتصادي باسم أنطوان، إن "البصرة تعد مركز صناعة النفط في العراق، وتنتج نحو 3.4 ملايين برميل يومياً، كما أنها المنفذ البحري الوحيد بالعراق المطل على الخليج العربي، وهذا ما يحولها إلى واحدة من أغنى المدن في العالم".
ويضيف "لكن فشل الحكومات والفساد المتفشي في مختلف مؤسسات الدولة وسيطرة الأحزاب على الوزارات السيادية والخدمية، وعلى صناعة القرار في العراق، حوّل النفط إلى نقمة تضرب سكان البصرة، فالسرطان والفقر وانعدام الأمن وانهيار الخدمات هو الشيء الغالب على ما كانت تعرف سابقاً بـ(عروس الشرق)".
"وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن الفقر في البصرة تمكن من 40% من سكان المحافظة، لكن وعلى أثر اشتداد الأزمة الصحية بسبب جائحة كورونا التي ضربت المحافظات العراقية، فإن النسبة يمكن أن تشمل حالياً نحو 50% من سكان هذه المحافظة الغنية بالنفط، الذي لو استغل بشكل صحيح، لضاهت البصرة بعمرانها وثقافتها ومناطقها أجمل مدن العالم". يتابع أنطوان.
2000 إصابة بالسرطان سنوياً
يقول أبو عمار (54 عاماً)، وهو موظف في إحدى مستشفيات المحافظة، إن "السرطان يفتك بالبصريين، ويطيح بالآلاف منهم سنوياً، وكل ما فعلته حكومة البصرة المحلية أنها أتت بجهاز حديث واحد في مستشفى البصرة لعلاج المصابين بالأمراض السرطانية، بينما ينتظر المئات في طوابير طويلة، وبعضهم قد يموت بالمرض قبل أن يكمل رحلته العلاجية".
البصرة: التلوث يقتلنا
يقول الناشط المدني عمار سرحان "البصرة غير صالحة للعيش، كل شيء ملوث، الأراضي الزراعية جرفت وتحولت إلى سكنية على طول شط العرب وصولاً إلى الفاو، بسبب عدم توزيع أراضي سكنية على أبناء المحافظة، بالتالي انخفضت نسبة المساحات الخضراء بشكل كبير جداً".
وفي حديث لوكالة الأنباء العراقية، قال مدير عام دائرة بيئة الجنوب، وليد حميد، إن "البصرة وحدها تسجل 2000 إصابة بالسرطان في البصرة سنوياً بسبب الشعلات النفطية التي تطلق الكثير من الغازات السامة المستخرجة".
وأضاف أن " الغازات السامة المستخرجة تؤدي لإصابات مباشرة بسرطان الرئة والأنواع الأخرى منه".
وعن الحلول المتاحة للسيطرة على انتشار الأمراض السرطانية، دعا حميد إلى "التزام الشركات النفطية المستخرجة بالمنظومات والضوابط البيئية والصحية المعتمدة، ومراعاة المعايير الصحية".
وفي بيان صحافي حذرت مفوضية حقوق الإنسان من كارثة تسمم في البصرة.
وقال عضو المفوضية، فاضل الغراوي "نحذر من ارتفاع نسبة الملوحة في شط العرب في محافظة البصرة بشكل خطير، مما ينذر بكارثة بيئية وصحية وإنسانية تلحق بسكان المحافظة".
وأضاف أن "امتداد اللسان الملحي إلى قضاء أبي الخصيب وقلة ضخ المياه العذبة ينذر بكارثة تسمم كبيرة جدا".
من جهتها، طالبت لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، الحكومة والجهات المعنية بخطوات سريعة لإنعاش الأهوار قبل تلوثها وجفافها.
وقال رئيس اللجنة سلام الشمري، إن "موسم المياه والزراعة الحالي والمستقبلي ينذر بالأسوأ نتيجة النقص الحاد في حصة العراق من المياه، التي أدت إلى جفاف مناطق كاملة وزحف التصحر عليها وعلى غيرها".
وتابع أن "دولتي منبع النهرين والروافد تركيا وإيران لا تزالان على موقفهما من عدم الالتزام الواضح بحصص العراق التي تحتاج إلى موقف حكومي واضح للتعامل مع هذا الملف، الذي بات أزمة مستعصية دون حلول منذ سنوات عديدة".
"غليان شعبي"
يقول عفيف القريني وهو أحد وكلاء المواد الغذائية في منطقة التنومة المحاذية لشط العرب في البصرة "لم أعهد البصريين ناقمين هكذا على الوضع مثلما يحدث الآن. هناك غليان شعبي سينفجر في أية لحظة".
ويضيف القريني (55 عاماً) "البصريون هادئون وأطباعهم سمحة، لذلك فإن الأحزاب التي جاءت من الخارج وحكمتنا، استغلت نقطة الضعف هذه، وسلبت من البصريين حقوقهم من النفط وبقية الثروات".
ويتابع "الشباب البصري يهرب من حر الصيف اللاهب نحو شط العرب فيصطدم بملوحة المياه اللاذعة هناك، وبين انقطاع الكهرباء وحرارة الصيف وملوحة المياه، وفساد الأحزاب، يزداد التوتر الأمني شيئاً فشيئاً، ويجعل البصرة تغلي وقد يتحول هذا الغليان إلى احتجاجات أقوى من سابقاتها".