الصفحة الرئيسية / "فقدنا اطرافنا خدمة للعلم".. أربعة ملايين معاق ينتظرون قانونهم ويتحدثون عن "مأساة الكراسي المتحركة"

"فقدنا اطرافنا خدمة للعلم".. أربعة ملايين معاق ينتظرون قانونهم ويتحدثون عن "مأساة الكراسي المتحركة"

المحايد/ ملفات 


فقد قيس عبد الله (36 عاماً) فقد ذراعه اليسرى بشظية عبوة ناسفة أثناء فراره من الموصل شمال العراق، خلال  سيطرة داعش على المدينة عام 2014.

واليوم، يدير محلاً لبيع المستلزمات المنزلية والسلع الغذائية في العاصمة بغداد. يقول إن "الإعاقة لن تحد من قيامه بمهمة إعالة أسرته، رغم التحديات الصعبة التي كان وما زال يواجهها في توفير لقمة العيش".

وقبل إصابته، كان قيس عاملاً في مخبز بمدينة الموصل، وهو مسؤول عن إعالة زوجة وخمسة أطفال وأم طاعنة في السن.


ولسنوات بعد بتر يده، لم يجد عملاً مناسباً، خصوصاً أنه لم يكن يجيد سوى صناعة الخبز، إذ ورث هذه المهنة أباً عن جد، إلى أن عمل أخيراً عام 2018.

يوضح قيس: "غالبية الناس كانوا وما زالوا يرون وجودي بلا فائدة، ولا يُظهرون سوى مشاعر الشفقة والأسى تجاهي. هذا يؤلمني".


"كما أن عملي الآن لا يسد احتياجاتي المعيشية كافة"، يؤكد قيس. 


يقول الشاب الذي كانت الذي كانت مهمته الوقوف على جسر الشهداء إن "العجز هو ما أشعر به الآن".

علي، الذي لم يتمكن من انهاء دراسته في مرحلة الخامس ابتدائي، يرى أن حياته التي أمضى سنواتها في الانتقال من عمل إلى آخر بحثاً عن دخل مناسب. كان يعيشها بشكل طبيعي رغم مصاعبها.

ويضيف، "الناس ينظرون إلى الشخص الذي يستعين بكرسي متحرك بكثير من الشفقة، كما أن هذا التعامل دفعه يوماً بعد آخر للشعور بهذا العجز

 

"غياب الإرادة الحكومية"


وقيس الذي يعمل مقابل راتب شهري مقداره 400 ألف دينار عراقي، واحد من قرابة أربعة ملايين معاق، نتيجة العنف والحروب والإرهاب في عموم البلاد، حسب إحصائية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 2021. 

يقول المحامي علوان زوير، إن "الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون في البلاد، سواء الذين أصيبوا في الحروب أو الإرهاب أو الحوادث العرضية، من صعوبات وتحديات جمّة".

وذلك "نتيجة غياب الإرادة الحكومية عن تحقيق مطالبهم وتحسين أوضاعهم الإنسانية والصحية والخدمية"، حسب زوير.

 

ويضيف: "إذا نظرنا إلى التعليم سنكتشف انتشار الأمية بين صفوفهم، أو اتجهنا نحو العمل، سنجد أن غالبية ذوي الإعاقة يعانون من البطالة حتى مع امتلاكهم بعض المؤهلات، فضلاً عن التمييز والتعامل معهم كأنهم مواطنون درجة ثانية". 


ويوضح زوير، أن من أهم الأمور التي تحد من حصول الأشخاص من ذوي الاعاقة على حقوقهم "عدم تفعيل القوانين الخاصة بهم مثل المواد المتعلقة بتخصيص 5% من وظائف القطاع العام و3% من وظائف القطاع المختلط، وفقا لقانون رعاية ذوي الإعاقة، رقم 38 لسنة 2013".


ويستدرك قائلاً "الأمر لا يتوقف عند قانون ذوي الإعاقة رقم 38 لسنة 2013 الذي تضمن الكثير من الحقوق والامتيازات لشريحة ذوي الإعاقة، بل يتعداه إلى القوانين والتشريعات الدولية، إذ لم يتم التعاطي معها بشكل جدي من قبل الحكومة والجهات المعنية حتى الآن". 


وفي أواخر عام 2020، أقرّ وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي، بأن "حقوق ذوي الإعاقة ما زالت دون مستوى الطموح"، مؤكداً "لا بد من تطبيق قانون ذوي الإعاقة رقم 38 لسنة 2013".


وأضاف خلال كلمة ألقاها بمناسبة "يوم المعاق العالمي"، الموافق 3 ديسمبر من كل عام، أن الوزارة وهيئة رعاية ذوي الإعاقة "لا تتحملان وحدهما مسؤولية عدم تطبيق القانون إنما هو مسؤولية تكاملية وتضامنية من قبل الدولة بكل وزاراتها وطاقاتها".


يصف ممثل جرحى الجيش العراقي في جمعية المعاقين علي الشريفي، أجهزة المعاقين والمعينات الطبية بـ"المعوقات الطبية"، ويضيف الجندي الذي بترت ساقيه في إحدى المعارك ضد التنظيمات المسلحة، أنه "عند التسجيل على طرف صناعي يستلزم ذلك موعدا من 7- 8 أشهر كموعد أولي، أما الكراسي التي تمنح لنا فإنها تسبب تقوسات في الظهر بسبب رداءة المصدر

 

لجنة العمل والشؤون الاجتماعية


وكانت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والمهجرين دعت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى إتمام الصياغات القانونية لقانون الإعاقة، حيث تضمن فقراته حقوق المعاقين جراء العمليات الإرهابية والحربية وذوي الاحتياجات الخاصة.


وقال عضو اللجنة فاضل الفتلاوي في تصريحات للإعلام المحلي، بداية أغسطس الماضي، إن "هناك العديد من القوانين المهمة التي تنتظر اللجنة إرسالها من الوزارة الى الحكومة ومن ثم من الحكومة إلى مجلس النواب".

 

"لكنها لن تقر في هذه الدورة النيابية وإنما في الدورة المقبلة بعد تشكيل مجلس النواب الجديد عقب الانتخابات، ومن تلك القوانين (قانون الإعاقة) الذي يعد من القوانين المهمة والضرورية لضمان حق ذوي الاحتياجات الخاصة ومن تضرر في العلميات الحربية"، تابع الفتلاوي.


وأضاف أن "القانون المذكور سيضمن حق شريحة المعاقين من العمليات الإرهابية وذوي الاحتياجات الخاصة في جميع جوانب الحياة من السكن والغذاء وضمان التخصيصات المالية من الرواتب لضمان معيشتهم بشكل مستقر".

وأشار الفتلاوي إلى أن "القانون مازال في الوزارة وتعكف على صياغته النهائية بشكل مدروس ومتقن من أجل ضمان الحقوق لجميع المعاقين وإرساله الى مجلس الوزراء ومن ثم الى مجلس النواب". 

القدرات المالية والفساد


من جهتها، تشكك الناشطة المدنية مها جمال بفاعلية قانون الإعاقة في حال تشريعه. 

 

وتوضح وجهة نظرها قائلة: "القرارات التي تعلن عنها الحكومة والقوانين التي تحاول تشريعها لا تعني شيئاً، لسبب بسيط وهو أننا ما زلنا لغاية اللحظة نطالب بتفعيل الكثير من القوانين والقرارات القديمة فكيف سنثق بأن ما سيأتي من جديد سيتم العمل به بشكل جدي".  

 

وتضيف جمال، أن "على الحكومة أن تعي أن السبب الأول وراء معاناة شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة يعود إلى الفقر وعدم قدرتهم على الإدماج في مجتمع ينظر إليهم كأشخاص يفقدون الأهلية". 


وتشير بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لعام 2016 إلى ارتفاع نسبة إعالة ذوي الإعاقة من قبل أحد أفراد أسرته لتبلغ (68%)، تقابلها نسبة إعالة الشخص من ذوي الإعاقة لنفسه التي بلغت (15.%) فقط، بينما تبلغ إعانات شبكة الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة (11%). 


وتبيّن "بجانب الفقر وتدني المستوى المعيشي لهم، تظهر تداعيات أخرى تتعلق بالخدمات الصحية التي تكون مشكلة في حد ذاتها للذين لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية المجانية بسبب الفساد والمحسوبية وغير ذلك". 

 

جانب آخر من مشكلة الأشخاص ذوي الاعاقة يتعلق بما تقدمه الحكومة وجهاتها المعنية بهذا الشأن من خدمات تأهيل وبرامج تطوير ودعم، تشير جمال إلى أنها "ضعيفة وأشبه ما تكون معدومة بذريعة ضعف القدرات المالية ونقص الخبرات". 

 

وتختم حديثها بأسف: "ليس لشريحة الأشخاص ذوي الإعاقة ما يؤهلهم للعيش بشكل إنساني وطبيعي، بسبب ضعف سلطة القانون والفساد المستشري".

2-09-2021, 11:04
العودة للخلف