يواجه سائقو سيارات الأجرة في شوارع بغداد ما يصفونها بـ"الأوقات المأساوية"، التي تجعل منهم أشخاصاً "بلا مستقبل ولا يستطيعون توفير لقمة العيش لعائلاتهم بكرامة دون التعرض لشتى أنواع الإذلال والابتزاز"، وفق ما يقول عباس عبد الحسين، الذي يعمل سائقاً للأجرة منذ عقود.
وفي العراق توجد ملايين السيارات، وسط فوضى مرورية، وطرق رديئة، وبنى تحتية متهالكة، وفساد مستشرٍ أدى إلى تفاقم أزمة الازدحامات والحوادث التي تتسبب بمصرع الآلاف سنوياً.
يقول محمود كاظم (61 عاماً)، الذي يملك عدداً سيارات الأجرة، إن أغلب السائقين في شركته الخاصة "من أصحاب الشهادات والمتخرجين حديثاً، الذين لم يجدوا وظائف حكومية أو أهلية تتناسب معهم".
ويضيف: "هناك من يعمل معي بالأجرة اليومية، حيث أحتسب له نسبة من مجموع ما حصّله خلال ساعات العمل، وهناك من يطلب راتباً شهرياً أو أسبوعياً".
"أغلب من يعمل عندي شباب مثقف وواع، يدرك جيداً أن لا مجال للجلوس في البيت بانتظار فرصة الوظيفة الحكومية التي بلغ سعرها (10 آلاف دولار)، بينما تصل بعض الوظائف في وزارات أخرى كالمالية والنفط والأمن الوطني إلى 30 ألف دولار، وهذا الأمر معروف لدى الجميع"، يتابع كاظم، في إشارة إلى الرشاوى المقدمة لمسؤولين حكوميين مقابل الوظائف.
من جهته، يقول السائق عبد الحسين (53 عاماً)، لـ"ارفع صوتك": "في السبعينيات، كان سائق التاكسي له امتيازات حكومية ووظيفية، ولم يكن باستطاعة أي شخص العمل بصفة سائق أجرة، إلا بعد استحصال الموافقات الرسمية".
أما الآن "أصبح باستطاعة أي شخص وضع شارة التاكسي على سيارته، ويزاحمنا في رزقنا وقوتنا اليومي"، كما يرى عبد الحسين.
ويضيف "نعرف جيداً أن هناك الكثير من الموظفين يعملون بعد الدوام الرسمي كسائقي أجرة، نتيجة ضيق الحال بهم، وارتفاع الأسعار بصورة مبالغ بها".
شرطة المرور والمخالفات
وخلال حديث مراسل، مع سائقي التكسي المتواجدين في تقاطع جامع النداء بما يخص معاناتهم، أشار قاسم حميد (43 عاماً)، إلى ضابط مرور متواجد قرب الطريق السريع، بقوله "نعاني من مأساة حقيقة بسبب ملاحقة عناصر المرور المستمرة لنا".ويؤكد "نعرف أننا نخالف قوانين المرور أحياناً، لكن لا حيلة لنا، فليس هناك شركات حكومية توظفنا لنعمل كسائقي أجرة لديها، وليس هناك منظمات حقوقية ونقابات خاصة بنا تتبنى طرح مشاكلنا أمام أصحاب القرار".
فيما يشير إحسان قادر، إلى أن الزبائن يشكون ارتفاع أسعار أجور التكاسي، موضحاً "من حي القاهرة إلى منطقة الكرادة نطلب 10 آلاف دينار، يذهب ربعها للوقود بسبب الزحامات الشديدة وربعها الآخر لصيانة السيارة، والبقية بين إيجار وأدوية ومصاريف عائلاتنا وهكذا، نعيش في معاناة مستمرة، لا نحسد عليها".
"100 وصل غرامة يومياً"
يؤكد أحد المنتسبين في دوائر المرور، فضل عدم الكشف عن اسمه، معاناة سائقي الأجرة من "الابتزاز والفساد والملاحقة الدائمة".ويضيف أن "هناك ضباطاً يطلبون من كل عنصر مرور تابع لهم من المنتشرين في التقاطعات والشوارع، تسجيل 100 وصل غرامة يومياً".
ويوضح المنتسب: "هناك فساد كبير داخل دوائر المرور، ففي أحسن الأحوال لا يصل مقدار الربع من مبلغ الغرامات التي جرى جمعها بطرقها القانونية، أو من خلال الضغط على رجال المرور المنتشرين في عموم تقاطعات بغداد، إلى الخزينة المالية الرسمية لوزارة الداخلية".
حاتم زامل (50 عاماً)، سائق باص على خط بياع- ساحة الخلاني، وعضو في نقابة غير رسمية، لسائقي المركبات في العراق، يقول إنه "فوجئ أكثر من مرة مثل العديد من زملاء المهنة، بتسجيل غرامات مالية ضدهم، رغم عدم ارتكابهم لها".
ويتابع: "هذا الأمر ليس جديداً، لكنه يزيد مع اتساع دائرة الفساد في المؤسسات والوزارات العراقية، خصوصا دوائر وزارة الداخلية والمرور العامة".