الشارع العراقي- بغداد
تتذكر بهية علوان (61 عاماً) وهي تتابع هانه نسرين التي تعمل الآن "أسطى كباب" في منطقة "هورامان" التابعة لمحافظة السليمانية.
وتقول "لطالما كنت مع بناتي نعد الطعام لزوجي عندما كان يدير مطعما".
وتضيف: "لم يكن يسمح لنا نحن النساء والفتيات الوصول إلى المطعم لإعداد الطعام آنذاك، كان يرسل لنا بعض العاملين كي يستلموا قدور الأطعمة المطبوخة بذريعة العادات والتقاليد الاجتماعية".
لكن يبدو أن الوقت قد تغير، حيث تمكنت هانه نسرين وغيرها من النساء من تحدي الصور النمطية في مجتمع عشائري، ينظر لـ"أسطى كباب" وإدارة المطاعم بأنها من مهن رجالية فقط، حسب علوان.
في نفس الوقت، تقول علوان، إن "الكثير من المهن والوظائف في العراق تفصل بين الجنسين أساساً، وبعضها محرمة على النساء اجتماعياً، حتى أنها قد تجلب (وصمة) العار لعائلة المرأة وعشيرتها".
وتوضح: "لو سمح للنساء بالعمل في مهن تُحتسب على الرجال، فإن تواجدهن سيكون برفقة الرجل مثل (الأب أو الزوج أو الأخ)، فضلاً عن أن كثيرات يفرض عليهن قسراً ارتداء ألوان وأشكال محددة من الثياب".
تقول منى "هذا التطبيق يحفزني ويدفعني للشعور بالحماس أكثر على أداء تمارين المشي، حيث يعرض عدد الخطوات والمسافة المقطوعة مقارنة بالأيام السابقة".
السياحة والفندقة
من جهتها، تقول سناء عادل (26 عاماً)، إن كل محاولاتها للعمل بعد تخرجها من كلية الإدارة قسم السياحة وإدارة الفنادق "فشلت"؛ لأن والدها يرى هذا العمل "غير لائق" بها كامرأة.
وتقول "توقعتُ أن أعمل بعد التخرج وألتحق بتخصصي، لكن أبي رفض ذلك بشدة.. يكفي أن يُفتح موضوع العمل في المجال السياحي، حتى يضع أبي وأخي تبريرات أخلاقية وشرعية لمنعي. وينسحب هذا الأمر على الكثير من الوظائف والمهن كالهندسة والطب والتمريض والقانون وغيره".
وتشير عادل إلى أن "الكثير من النساء اللاتي تعرفهن، بانتظار الزواج في بيوتهن، بعد أن تخرجن بشهادات جامعية، بسبب النظرة الاجتماعية لتخصصاتهن، على أنها رجالية ولا تصلح لعمل النساء".
" إن "مسألة تمثيل النساء وفق الكوتا، واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه عملية إبراز دورهن، خاصة عندما نكتشف أن فرصة استبدال الحزب لبرلمانية يكون عادة برجل وليس من الجنس نفسه.
"سطوة العقائد والعشائرية"
تظهر بيانات وزارة التخطيط العراقية، أن نسبة النساء العاملات بالمؤسسات العامة في مختلف التخصصات المهنية تبلغ أقل من ثلث المجموع الكلي للموظفين (الرجال والنساء)، فيما تفتقد جميع الوزارات العراقية عدا التربية والتعليم العالي والمالية، التوازن الجندري، فنسب الموظفات فيها صغيرة مقارنة بعدد الموظفين الرجال.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء في الوزارة لعام 2018، تبلغ نسبة النساء اللواتي يعملن في الوزارات المؤسسات الحكومية أقل من 30% من المجموع الكلي للعاملين في ذلك القطاع.
وتتركز النسبة الأعلى للنساء العاملات بالقطاع العام في وزارة التربية، حيث تبلغ نحو 55% من عموم العاملين في تلك الوزارة.
ويشكل عدد النساء العاملات في وزارة التربية 72% من مجموع الموظفات العراقيات في القطاع العام عموماً، فيما تعمل باقي النسبة 28% من الموظفات في باقي الوزارات.
في هذا السياق، ترى الباحثة الاجتماعية أسماء هشام، أن تزايد عدد النساء الموظفات في وزارة التربية في البلاد عنه في باقي الوزارات، يعود إلى نظرة المجتمع وعاداته العشائرية.
"إذ يفضل الآباء دوما تقرير مصير بناتهم والالتحاق بالكليات والجامعات التي يتخرجن منها للعمل مباشرة كمعلمات ومدرسات"، تضيف هشام لـ"ارفع صوتك".
وتتابع: "تحظى مهنة المُعلمة والمُدرسة في المجتمع العراقي بوضعية خاصة، نظراً لأنها وظيفة يقل فيها الاختلاط بالرجال، وكنموذج عن عمل المرأة، إلى جانب قرب مقر عملها (المدرسة) من منزلها الذي تسكن فيه، عادةً".
ووفق وزارة التخطيط، فإنه لكل 25 امرأة تعمل في وزارة التربية هناك امرأة واحدة فقط تعمل في وزارة الداخلية، وتسجل أرقام مقاربة في وزارة التعليم العالي، في حين أنه مقابل كل 25 رجلاً موظفا هناك فقط 7 نساء موظفات.
وتؤكد هاشم "وجود أزمة اجتماعية حول عمل النساء في وزارة الداخلية أو في الوظائف الأمنية بالبلاد، لأن كل العادات والتقاليد تنظر إلى المرأة مكانها الأول والأخير هو المنزل، وأن العاملات في المجال الأمني هن بالضرورة يختلطن بشرائح خارجة عن القانون والعادات والعقائد الدينية".
وتبيّن أن "تركيبة المجتمع العراقي متناقضة ومختلفة من حيث المدن والأماكن، ففي القرى مثلاً تجد النساء يعملن في الحقول، ويرعين المواشي ويبعن المحاصيل الزراعية، ولكن في المدن الحضرية تعد هذه المهن رجالية أو محصورة بهم فقط".
كما أن هناك مهناً تعطي جانباً أخلاقياً "سيئاً" للنساء، مثل العمل في النوادي والمقاهي والمطاعم وصالونات الحلاقة والمراكز الرياضية وغيرها، حسب ما توضح الباحثة.
وتقول إن ما يروّج له كقانوني وحق من حقوق المرأة في العمل "ليس إلا عبارات مكتوبة على الورق لا يمكن تطبيقها أو الأخذ بها، نتيجة لسطوة العقائد الدينية والأفكار العشائرية".