المحايد/ بغداد
عاد الخلاف يتمحور مُجدّدا حول تفسير مفهوم الكتلة الأكبر في البرلمان التي يحق لها تشكيل الحكومة الجديدة بعد الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي والتي أجريت الأحد الماضي.
وأظهرت النتائج الأولية فوزا كبيرا للتيار الصدري بـ73 مقعدا، لتُطرح عدة سيناريوهات بشأن الآلية التي سيُعتمد عليها في تشكيل الحكومة المقبلة.
وبعد وقت قصير من إعلان النتائج، وصف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الانتخابات بأنها "يوم النصر على المليشيات"، مؤكدا أن الأوان قد آن لحل المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، داعيا الشعب للاحتفال بهذا النصر بالكتلة الأكبر.
في غضون ذلك، طعنت ما تسمى مجموعة "الإطار التنسيقي" -التي تضم قوى سياسية وفصائل مسلحة تطلق على نفسها فصائل المقاومة، أبرزها "تحالف الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" والنهج الوطني وتحالف قوى الدولة- بالنتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات.
الدستور العراقي لسنة 2005 منح أحقية تشكيل الحكومة للكتلة النيابية الأكثر عددا، إذ ينصّ البند (أولا) من المادة 76 منه على الآتي: "يُكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية"، لكن الآراء ما زالت منقسمة حتى الآن حول مفهوم "الكتلة النيابية الأكثر عددا"، هل المقصود منها الفائزة في الانتخابات أم التي تتشكل داخل قبل البرلمان من تحالفين أو أكثر بعد إعلان النتائج؟
فسّرت المحكمة الاتحادية العليا هذا المفهوم بقرارها الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) يوم 25 مارس/آذار 2010 قائلة "إنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني: إمّا الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، وإما الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثمّ تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عددا، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتلة أو الكتل الأخرى، بتشكيل مجلس الوزراء استنادا إلى أحكام المادة 76 من الدستور".
وسحبت على إثر هذا التفسير البساط من تحت رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي زعيم القائمة العراقية في انتخابات الدورة الثانية لتشكيل الحكومة عام 2010، رغم أن قائمته كانت حصدت آنذاك 91 مقعدا، وتمكن رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي -الذي حصلت قائمته "ائتلاف دولة القانون" على 89 مقعدا- من تشكيلها بعد تحالفه مع قوى مختلفة.
تفسير المحكمة الاتحادية أعلاه كان يُعمل به في السابق، لكن بعد تشريع قانون جديد للانتخابات رقم 9 لسنة 2020 والذي منع في المادة 45 منه انتقال النائب أو الحزب أو الكتلة المسجلة ضمن قائمة مفتوحة إلى ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة، يمنح التيار الصدري أحقية التكليف بتشكيل الحكومة، وفقا لتوضيح الخبير القانوني طارق حرب.
من جانبه يقول المحلل السياسي الدكتور محمد نعناع إنه لم يعد هناك مفهوم وواقع حقيقيان للكتلة البرلمانية الأكثر عددا حسب المادة 76 من الدستور بعد انتخابات 2010، وتم تجاوز المسار الدستوري في انتخابات 2014 من خلال تجمع القوى الشيعية عبر انشقاقات كتل متعددة تمكنت من صياغة اتفاق سياسي اختار حيدر العبادي رئيسا للوزراء عام 2014 وصوتت له الكتل الأخرى على أساس أنه ممثل حصة الشيعة وليس مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا.
وأضاف أن السيناريو نفسه تكرر في 2018 حيث تم اختيار عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء بعد اتفاق بين كتلتي الفتح وسائرون (وهما الكتلتان الأكبر في البرلمان) بعد فشل حيازة تحالف الإصلاح وتحالف البناء في الوصول إلى الأرقام النيابية المطلوبة لتحقيق الكتلة الأكبر عددا.
ويسترسل نعناع في حديثه بأنه لا يمكن حاليا الرجوع إلى اعتماد الكتلة الأكبر عددا حسب تفسير المحكمة الاتحادية في العام 2010 بسبب وجود الظروف نفسها لانتخابات 2014 و2018 لعدم قدرة الكتل على الاندماج مع بعضها لاختلاف توجهاتها وأولوياتها.
"ستُبقي هذه الأسباب الترتيبات المحاصصاتية لتكون الآلية المتبعة في عملية تشكيل الحكومة المقبلة التي أُضيف إليها في آخر جولات تفاوضية عند اختيار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي بأن تكون شخصية رئيس الوزراء مقبولة ضمن الفضاء الوطني"، وهذا يعني حسب حديث نعناع "أن لا يكون محسوبا على اتجاه معين بل يوازن بين رغبات المتحاصصين".
فالسيناريو الأقرب أو المسار الأكثر واقعية لتشكيل الحكومة الجديدة -كما يتوقع المحلل العراقي- لن يكون على أساس الكتلة الفائزة في الانتخابات، ولا على أساس الكتلة النيابية الأكثر عددا في البرلمان، بل سيتم الاتفاق على مسار تفاوضي يأخذ من خلاله كل طرف حصته من المناصب الحكومية حسب حجمه الانتخابي، وسيضرب بعرض الحائط البرنامج الحكومي لأنه سيكون توافقيا وليس برنامجا حكوميا مهنيا مدروسا وقائما على أساس فني يراعي المصالح والأولويات الوطنية.