المحايد/ ملفات
بعد الاستعراض الذي أقامته قوات الحشد الشعبي بمختلف مسمياتها، في ٢٦ حزيران الماضي، تداول مستخدمو التواصل الاجتماعي صوراً للاستعراض، الذي شهد مشاركة الدبابات والسيارات العسكرية، لتبرز مخاوف لدى بعض المراقبين من أن تتمكن الدولة من السيطرة على قوات الفصائل التي تتستر بالحشد.
وعقب عملية الاستعراض، ظهرت التساؤلات حول الأسلحة التي شُوهدت في الاستعراض، من بينها الدبابات والسيارات العسكرية المسلحة، ليكشف فيما بعد، مسؤولان عراقيان عن مصادر الأسلحة التي حصلت عليها قوات الفصائل، بمساعدة من رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي.
وشهدت الفصائل المسلحة تطوراً متزايداً خلال فترة رئاسة عبد المهدي، الذي منحهم صلاحيات أوسع، حين جعلهم يسيطرون على مقابر سلاح الجيش العراقي السابق (في عهد نظام صدام حسين)".
وأبلغ أحد المصادر العسكرية، أن "المقابر موجودة في ضاحية التاجي شمالي العاصمة بغداد، وفي أطراف البصرة وغربي مدينة الديوانية جنوبي العراق، وأعادت الفصائل إحياء العشرات من الدبابات والمدافع وناقلات الجند، ومضادات طائرات من طراز 57 ملم ومدافع هاون".
وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تم نقل الآلاف من الدبابات والمدرعات وناقلات الجند الروسية والصينية واليوغسلافية، فضلاً عن الأسلحة المختلفة مثل المدافع النمساوية، ومضادات الطائرات ومدافع الميدان والهاون، إلى ما بات يعرف بمقابر السلاح، وهي عبارة عن ساحات كبيرة أخضعت لحراسة مشددة في زمن الاحتلال الأميركي.
ولم تجرِ أي معالجات لتركة الجيش العراقي السابق في هذا السياق، على سبيل إعادة إحياء وصيانة المعدات والأسلحة أو التخلص منها، لكنها ظلّت مصدراً لعمليات نهب مستمرة.
وشهد استعراض الفصائل ظهور طائرات مسيّرة قاصفة إيرانية الصنع، وصواريخ متوسطة المدى ومدافع متنوعة، تعود لفصائل مسلحة نافذة، أبرزها مليشيات "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، ووحدات مسلحة أخرى تصنّف عادة على أنها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وتتلقى دعماً مباشراً منه.
ويشير أحد المسؤليين العسكريين العراقيين إلى أن "العشرات من الدبابات التابعة للجيش السابق ومئات العربات المدرعة وناقلات الجند المدولبة، فضلاً عن مدافع مختلفة، أخرجتها فصائل مسلحة من مقابر الجيش العراقي السابق وأخضعتها لعملية تطوير وتحديث وأدخلتها الخدمة لديها".
وأضاف أن "ذلك تم على الرغم من وجود خطة لوزارة الدفاع بإعادة إحياء تلك الترسانة بالاتفاق مع هيئة التصنيع العسكري التي أعيد تفعيلها أخيراً، بهدف تقليل النفقات وأيضاً التنويع، خصوصاً في ما يتعلق بالدبابات والدروع الأميركية التي تضررت كثيراً في الحرب ضد تنظيم داعش".
ولفت إلى أنّ "تقريراً سابقاً بشأن ملف فساد رافق صفقة شراء 100 دبابة روسية نهاية عام 2014 بعد اجتياح داعشللمدن العراقية، تحدث عن إمكانية إعادة الدبابات الموجودة بسعر بسيط لا يتجاوز 80 ألف دولار لتدخل الخدمة، وبالتالي وقف شراء الدبابات الروسية مجدداً لوجود إمكانية إعادة نفس الطراز المستورد للقتال، الذي يتوزع على عدة مقابر لسلاح الجيش".
وأكد مسؤول آخر طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، أنه "تمت الموافقة على فتح مقابر السلاح في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وجرى الموافقة على شراء محركات لها من إيران، بينما خضع بعضها الآخر لعملية مناقلة فيما بينها ولا سيما في ما يتعلق بالدبابات، بمعنى استخراج دبابة من كل ثلاث أو أربع رابضة في تلك المقابر".
وأضاف أنه تم العبث بما يفترض أنه ثروة تبلغ مئات الملايين من الدولارات، والكثير من الفصائل استخدمت تلك المقابر بما فيها "حشد العتبات" أيضاً، إذ إن الدبابات من طراز "الكفيل 1" التي كشفت عنها سابقاً الفصائل، هي في الأساس دبابات "تي 72" التابعة للجيش السابق، جرى سحبها من مقابر السلاح وإجراء صيانة لها.
ولفت إلى أن أكثر من 800 ناقلة جند ومدرعة من طراز "بي أم بي 1" و"بي أم بي 2"، جرى الاستيلاء عليها من مختلف الفصائل، في وقت يجب أن يبقى مثل هذا النوع من السلاح حكراً.
من جهته، اعتبر عضو التيار المدني، الناشط السياسي العراقي محمد العبودي، أن امتلاك فصائل مسلحة للدبابات "أمر خطير للغاية على هيبة الدولة".
وأضاف في تصريح صحفي تابعه "المحايد" أن "قانون الحشد نصّ على أن تكون القوة التسليحية لقوات الحشد شبيهة بالقوة التسليحية لقوات الشرطة الاتحادية، التي لا تمتلك الأسلحة الثقيلة، وهناك مؤشرات خطيرة من الاستعراض لهذه الأسلحة، خصوصاً أن بعض الفصائل لا توالي الدولة العراقية أصلاً".
وأشار الى أن "أحد ألوية منظمة (بدر) في مدينة كربلاء، يمتلك ترسانة كبيرة تضاهي الجيش، بما في ذلك عربات أميركية وصواريخ موجهة، وهذا التنامي بالتسليح يجعل مكانة الجيش العراقي كقوة رقم واحد بالبلاد مهددة مع مرور الزمن".
ولفت العبودي إلى أن "قادة الحشد الشعبي، وتحديداً العقائديين من حيث موالاتهم لإيران، كانوا قد اجتهدوا خلال سنوات الحرب على داعش، وبعد انتهاء المعارك، لاستغلال المقابر العسكرية، ولم تكن حكومة حيدر العبادي مهتمة بهذا الأمر، ولم تكترث لخطورة أن تمتلك قوة مختلف على ولائها للدولة، على الدبابات والمدافع التي يصل مدى بعضها إلى 45 كيلومتراً، مثل المدفع النمساوي، الذي تمتلكه فصائل مثل عصائب أهل الحق والنجباء، وجاءت حكومة عبد المهدي لتشرع الأمر لهم رسمياً".
وتعليقاً على هذه المعلومات، قال عادل الكرعاوي، المتحدث باسم جماعة "أنصار الله الأوفياء"، إحدى الفصائل المسلحة المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، إنّ "الموضوع ليس سراً ومعروف". وأضاف الكرعاوي في تصريح صحفي: "ليس هناك أي شيء غريب أو غير قانوني في إعادة تصنيع أو صيانة أو تطوير الأسلحة التالفة أو القديمة من قبل الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الإسلامية، ما دامت هذه العمليات تجرى بعلم الحكومة وبموافقة القائد العام للقوات المسلحة، بالتالي، فإن هذا الموضوع ليس سراً ومعروف".
واعتبر الكرعاوي أن "هناك افتراءات كثيرة من قبل أعداء محور المقاومة الإسلامية، منها أن الحشد الشعبي يطوّر أسلحته ليكون أقوى من الجيش العراقي، أو من أجل الاستعداد لفرض نفسه والانقلاب والاستحواذ على الحكم، وهذا الكلام يدعو للسخرية".
وتابع: "ليس الحشد الشعبي وفصائل المقاومة إلا ظهيرا للدولة ومساندا لها في ملفات القضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن، والتوجه نحو تسليح الحشد الشعبي، يعني تسليح القوات الأمنية، مما يعود بالفائدة بالتالي على الحكومة العراقية والعراقيين".
ورداً على سؤال عما إذا تم استعمال مقابر السلاح التابعة للجيش العراقي، قال "نعم وأُعيدت الحياة للكثير منها".