تعرف أم مهدي جيداً أن حياتها لن تتغير أبداً، وهي المرأة الريفية التي يأخذها ابنها بسيارته (البيك آب)، فجر كل يوم، من أبو غريب شرق مدينة الفلوجة، إلى سوق شعبي وسط العاصمة بغداد.
ومنذ 27 عاماً، تفترش ركناً بجانب فرن الخبز، تبيع ما لديها من قيمر وجبن وحليب وزبدة للمارة، وعند الانتهاء تعود مع ابنها نفس الطريق.
تقول أم مهدي إنها تعمل مع زوجات أبنائها الأربعة وبناتهم السبعة في زراعة قطعة أرض صغيرة، يربون الماشية والأبقار، لتوفير لقمة العيش.
وتشير إلى أن عدد النساء اللائي يعملن في الزراعة وتربية الحيوانات في الريف، أكثر من عدد الرجال وبشكل ملحوظ.
وتضيف أم مهدي، أن "الفتيات منذ صغرهن يرتبطن ارتباطاً وثيقاً بمهمة الزراعة وتربية الحيوانات، لأن الكثير من سكان الريف يعتبرونها ميزة جيدة عندما يتعلق الأمر بالزواج".
وفيما يتعلق بدراسة وتعليم الفتاة الريفية، نادراً ما تسمح العشائر التي تسكن الريف، لبناتها، باستكمال المراحل الإعدادية والجامعية، إذ توقفهن عند الابتدائية، باعتبار أنهن تعلمن ما يكفيهن من مهارات القراءة والكتابة التي تعينهن في حياتهن.
توضح أم مهدي: "حياة نساء الريف لم تتطور ولن تتغير. يمكن أن تكون هناك أسباب تتعلق بالفقر أو تقاليد عشائرية أو بيئية لذلك. وفي حالتي، فإن مهمتي الحفاظ على عاداتنا العشائرية التي ورثناها".
وتتابع "صحيح أنني كنت أعاني من هذا الأمر في صغري وأثر علي، لكنني وجدت ترك الدراسة أو الزواج وأنا بعمر 11 عاماً غير مهم".
"فهناك تحديات أخرى، إذ يتعين علي العمل في الزراعة وتربية الحيوانات وبيعها لتوفير المال للرجال، الذين يميلون إلى تغليب راحتهم ورفاهيتهم على راحة المرأة. وهي ظاهرة موجودة في المجتمعات الريفية إذ تنحصر مهمة أغلب الرجال في تجميع المال من جراء عمل النساء فحسب"، تؤكد أم مهدي.
رغم عودة الكثيرات لمقاعد الدراسة ضمن الالتزام بإجراءات السلامة، "منعت" عائلات عراقية بناتها من ذلك
أطلقت منظمة "الأمنية لشؤون المرأة والإعلام"، العراقية، منذ أيام، حملة لإعادة الفتيات إلى مقاعد الدراسة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان "تعلّمي".
المجتمع الريفي
تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام جعفر، إن "المجتمع الريفي يفرض قيودا صارمة على النساء والفتيات بسبب طبيعته التي تتسم بالعنف".
"وهذا العنف جعل المرأة الريفية تواجه تحديات تتعلق بتغييب وإقصاء دورها واستغلالها للعمل بديلاً عن الرجل، وكذلك الأمية والفقر وتدني حالتها الصحية، فضلا عن حرمانها حقوقها من الميراث"، تضيف جعفر.
وتؤكد أن المجتمع الريفي "يشجع أيضاً على تزويج القاصرات لأنهن من المشاريع الناجحة في زراعة الأراضي ورعاية الحيوانات".
وتتابع جعفر: "المجتمع الريفي كان دائماً وما زال يربط بين فرص تعليم النساء وتزايد إنتاج المحاصيل الزراعية ورعاية الحيوانات، وأصبح ذلك ذريعة لإبعادهن عن الدراسة".
وفي الآونة الأخيرة تزايدت هذه التحديات بدرجة كبيرة بسبب الأزمة المركبة (الاقتصادية- الصحية) في البلاد، على النساء الريفيات، فأغلبهن لا يحصلن على رعاية صحية جيدة ويواجهن الإجهاض والسرطانات ولم يتلقين التطعيم ضد فيروس كورونا.
كما أن الكثيرات في الريف لا يملكن أراض زراعية خاصة بهن، بل يعملن في أراض مملوكة للغير، مقابل تأمين بعض الأجور الزهيدة، حسب جعفر.
يأتي هذا في وقت يحتفي العالم باليوم الدولي للمرأة الريفية، الجمعة، الموافق 15 أكتوبر، تقديراً لدورها الكبير في تعزيز التنمية الزراعية، ومساهمتها في تحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف.
باستمرار ترجع الهيئات الحكومية في العراق ووزارة التربية، ارتفاع نسبة الأمية إلى عوامل اقتصادية وأمنية ومجتمعية، في ظل وجود قانون خاص لمحو الأمية لم يطبق بشكل صحيح على أرض الواقع، كما يقول مراقبون للشأن التعليمي.
الجهاز المركزي للإحصاء
كانت وزارة التخطيط أعلنت، أن نسبة 30% من نساء العراق يسكنّ الأرياف.
ومن خلال المسوح الميدانية للجهاز المركزي للإحصاء، وتقديراته السنوية للسكان، توصل إلى أن نسبة النساء في الريف تشكل 30% من مجموع نساء العراق، فيما تشكل نسبة النساء الريفيات اللاتي يترأسن أسرهن 7.6%.
ويعمل الجهاز عبر دوائره المتخصصة في رصد واقع المرأة الريفية.
ووصل معدل النشاط الاقتصادي للنساء الريفيات إلى 13.8% فيما تعاني 14% منهن من البطالة، و41% منهن لم يكملن تعليمهن، ما يرفع نسبة الأمية بين النساء في الريف إلى 30%.
ووفقا للجهاز، فإن سكان الريف عموما يشكلون 30% من سكان العراق، وهناك أربع محافظات شكلت نسبة سكان الريف فيها أعلى من الحضر، هي: صلاح الدين والمثنى بنسبة 55% لكل منهما، وبابل بنسبة 52%، ثم ديالى بنسبة 51%.