تمثل عقدة "الشعور بالنقص"، واحدة من أكثر العوامل التي تعيق العديد من النساء العراقيات العاملات في مجالات عدة، وأخريات لا زلن يمكثن في منازلهن بسبب نظرة اسرهن على ان "المجتمع لا يسمح بتواجدهن بين الرجال"، وفقاً لباحثة اجتماعية.
سلوى محمد، استاذة جامعية في مجال علم النفس، تقول انها "مثل نساء كثيرات فهي إلى الآن تشعر بالنقص، بسبب البيئة التي نشأت فيها، ومن خلالها اختارت ان تكون استاذة في أكثر الأشياء ضرراً لها بالحياة.
ومثل سلوى (34 عاماً)، يروين نساءً اخريات، يعانين من تلك العقدة، بسبب ما تعرضن له داخل أسرهن ومعاملتهن على انهن "ناقصات عقول ودين".
في المقابل، تمارس الكثير من النساء العراقيات، حياتهن بشكل طبيعي، حيث يرتقين المناصب المختلفة، ويصبحن بمراكز حكومية حساسة، ويعود ذلك جراء وجود شريحة كبيرة، داخل المجتمع العراقي تؤمن بحرية المرأة وفتحت المجالات الواسعة لها لتحقيق طموحاتها بالشكل الذي تريده.
تشير الشابة الثلاثينية سلوى، وهي تغطي وجهها بخصل من شعرها البني، "قررت فعل أكثر الأشياء رفضاً من قبل عائلتي، أكملتُ دراستي العليا، وقررت خوض العمل بمفردي ورفضت الزواج، اردت اثبات وجودي، وان يكون لي شخصية مهما اثرت الجدل".
وتشير البيانات الرسمية، ان نحو 87% من النساء العراقيات لا يرغبن في الدخول بسوق العمل لأسباب مجتمعية وسياسية واقتصادية ودينية، لتبقى الـ 13% يمثلن سلوى وسارة واقرانها ممن قررن مواجهة الظروف والنزل للعمل.
"حصلت على معدل ضعيف في الدراسة الاعدادية، دخلت على اثره في كلية الآداب قسم علم النفس، لكني وبالصدفة، وجدته من أكثر المناهج قرباً لي، واخترته ليكون طريقي نحو النجاح، فهو علم كبير، يكشف عورات الذات ويقربك من نفسك"، تكمل سلوى.
وترى انها "تحاول الوصول إلى أبعد من هذا الحد، فالشعور بالنقص جعل اهدافها أكبر وأوسع، وصار طموحها علاجها الوحيد للتخلص منه".
وعلى منصة تواصل اجتماعي، تحدث ، مع نساء كثيرات يعانين من "شعور بالنقص" منذ سن مكبرة، ليجمعن بشكل شبه متفق عليه، على أن هذا الشعور امتلكهن منذ المراهقة حتى وصولاً لمرحلة الشباب.
في مول زيونة تقف سارة محمد (27 عاماً)، وهي توزع كتيبات صغيرة للتعريف بالمنتجات التي تبيعها، وتقول، بينما تحاول الحصول على أكبر عدد من الزبائن: "هنا في العمل وجدت نفسي، واحسست بأن لي كياني الخاص، بمعزل عن التفكير المجتمعي بالمرأة وملابسها ومسارها المفترض في الحياة من زواج وانجاب وتربية اطفال".
وتعقب على كلامها بالقول "عائلتي هي السبب، لم تشجعني على اكمال دراستي، كنت ارى اخوتي وهم منهمكين بالعمل، وكنت اريد التفوق، لكنهم كانوا يقولون لي ان مكاني المنزل، لا الدراسة ولا العمل، فالمجتمع اقوى مني بكثير، تبعتهم في البداية، وتركت دراستي وانتظرت زواجي، لكني صحوت على ذاتي، قبل نحو 3 سنوات، ونزلت لأجرب حظي في العمل، ونجحت".
وتوضح وزارة التخطيط العراقية ان 8% من النساء المستعدات للعمل ينجحن في الحصول على عمل فعلا، اذ يسجل العراق رقما قياسيا في غياب المساواة الجندرية، فهو يأتي في ثاني ادنى مرتبة بنسبة العمالة النسائية من بين 130 دولة، بما في ذلك دول الجوار.
وتمثل النسبة العامة للعمالة النسائية في الشرق الاوسط ارتفعت من 15% الى 16% بين عامي 2014 و2017، الا ان العراق شهد هبوطا في نسبة تلك العمالة من 11% الى 8% خلال الفترة نفسها، بحسب بيانات البنك الدولي.
ونتيجة للتمييز الذكوري، وتفشي ظاهرة التحرش اللفظي والجنسي، وتعرض الكثير من الفتيات للاغتصاب والابتزاز الالكتروني وغيرها، فإن هناك شبه اتفاق غير معلن بين العشائر العراقية ذات الطبائع المحافظة على تقييد عمل المرأة، وتهيئة الظروف المناسبة لها لتكون "زوجة صالحة"، وبخالفه فإن على العائلة الحذر من "مشكلة" قد تقع في أي لحظة.
مختصون في الشأن الاجتماعي يرون ان تقييد عمل المرأة يزيد من شعورها بالنقص، ويوسع الهوة مع المجتمع ذا الطبيعة الذكورية والمحافظة، ويحذرون من ان الشعور بالنقص ليس امراً عابراً بل مرضاً قد يفاقم وينتج عن مشاكل نفسية وصحية وجسدية، تصل حد الشروع بالانتحار.
ويضيف باسم علي، الباحث الاجتماعي ان "ليس هناك احصائية دقيقة بعدد حالات انتحار النساء في العراق، لكنها تتفاقم، خصوصاً في محافظات ذات طبائع عشائرية ودينية محافظة، تصل حد منع المرأة من الخروج من المنزل"
ويتفق الشيخ فرهود عبد كاظم، مع هذا الطرح ويقول انه وخلال جلسات العشائر شبه اليومية يتحدث عن ضرورة ايجاد حل لوضع المرأة العراقية الجنوبية، لكنه لا يجد اذاناً صاغية.
ويردف "يمنع اغلب الرجال هنا، في العمارة، النساء من العمل، ومن الدراسة، ومن اخذ الشهادات العليا، لكنهم وحين تمرض نسائهم يبحثون عن ممرضة، وعن طبيبة، وعن سائقة اسعاف، وعن عناصر نسوية، يساعدون زوجاتهم على التخلص من مشاكلهن، وهذا هو التناقض بيعنه".
وينظر الشيخ عبد كاظم، إلى ان "حوار شعور المرأة بعقدة النقص، جاءت بسبب طبيعة التعامل المجتمعي معها، في المنزل وداخل الجامعات وفي العمل، وحتى من زوجها"، داعياً كل العشائر إلى "الالتزام بوصايا الدين النحيف التي نصت على احترام المرأة ثقافيا ومجتمعياً وعلمياً".