المحايد/ ملفات
"لم أحصل على أي تعويضات من الحكومة، ولا أستطيع العمل وممارسة حياتي اليومية كإنسان طبيعي لإصابتي بالسلاح الكيمياوي"، يقول طاهر كريم، الناجي من مجزرة حلبجة بكردستان العراق.
وتعرضت مدينة حلبجة في 16 مارس 1988 لقصف بالأسلحة الكيمياوية، شنته القوات العراقية بقيادة الرئيس السابق صدام حسين، وأسفر عن مقتل أكثر من 5000 مدني كردي، وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين، وتشريد عشرات الآلاف.
ينتظر كريم وأقرانه من ذوي ضحايا حلبجة منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وحتى الآن تعويضهم من الحكومة العراقية عما لحق بهم من أضرار جراء القصف.
وما يزال طاهر كريم، الذي فقد ثمانية من بين أفراد عائلته في المجزرة، يتذكر ذلك اليوم الذي تعرضت فيه مدينته للقصف، حيث تحتفظ ذاكرته بمشاهد موت عائلته وأقربائه وأبناء مدينته.
يقول "انسحب الجيش العراقي من حلبجة مساء 15 مارس 1988 بالكامل، وبدأ الناس يتخوفون من خطر محتمل يحدق بمدينتهم".
ويضيف أن الخوف منع الأهالي من الخروج إلى السوق والشارع بشكل طبيعي في يوم 16 مارس كما يفعلون في الأيام الأخرى، فيما أغلقت غالبية المحلات التجارية أبوابها.
ويتابع كريم، الذي كان يبلغ من العمر ٢٤ عاما حينها، : "عند حلول الساعة 11 صباحا بدأت الطائرات الحربية العراقية تشن غارات مكثفة متزامنة مع قصف بالمدفعية الثقيلة على المدينة، وكان الأهالي يختبئون في أقبية المنازل خوفا من التعرض للقصف، لأن كثافته كانت تمنعهم من الخروج من المدينة".
ورغم استمرار الغارات والقصف، إلا أن أصوات الانفجارات أصبحت بعد مرور نحو ساعة منخفضة، حسب كريم الذي يوضح: "بدأنا نشعر بضيق تنفس شديد واختناق. حينها علمت أننا قصفنا بالأسلحة الكيمياوية، ومن قوة الاختناق لم أستطع البقاء في القبو فخرجت بسرعة نحو الخارج مسرعا، ولم أكن أعي ما أفعله من شدة الأعراض التي ظهرت علي. فقط كنت أركض باتجاه الجبال، لأن منزلنا كان في أطراف المدينة، وواصلت الركض لكنني كنت أفقد القدرة على الحركة شيئا فشيئا حتى سقوطي وفقداني الوعي".
دخل كريم في غيبوبة، قبل أن يستعيد وعيه بالكامل ويحاول العودة إلى منزله لمعرفة ما حدث لعائلته.
"حاولت استجماع قواي. وبعد محاولات متتالية، نهضت وتوجهت إلى المنزل. عند دخولي المدينة وجدت جثث الأطفال والنساء والرجال متكومة، الواحدة فوق الأخرى. ومع اقترابي من البيت كان زقاقنا مليئا بالجثث".
كان منزل كريم ممتلئا هو الآخر بجثث الأطفال والنساء والرجال. اتجه كريم فورا إلى القبو لمعرفة مصير عائلته.
يقول: "القبو كان يحتضن إلى جانب أفراد عائلتي أكثر من 30 شخصا من الأقارب والجيران. لكن الجميع تحولوا إلى جثث هامدة".
خرج كريم من منزله لطلب المساعدة، وتوجه إلى منزل جده الذي كان يقع في حي قريب وأمضى تلك الليلة مع جده الذي نجا هو الآخر من القصف. وفي الصباح، توجها معا إلى بيت كريم لدفن الجثث.
يقول كريم: "حاولنا حفر قبر لدفن الجثث، إلا أننا لم نتمكن من حفر قبر واحد بسبب الإصابة التي كنا نعاني منها. لذلك عدنا الى منزل جدي وكانت عمتي قد وصلت من القرية، لمعرفة فيما إذا نحن باقون أم لقينا حتفنا في القصف. وأخذتني معها الى إحدى القرى حيث توجهت منها إلى الأراضي الإيرانية، وتم إدخالي في مستشفى بمدينة طهران لتقلي العلاج. بقيت في المستشفى 22 يوما وبعدها خرجت وتوجهت إلى مخيمات اللاجئين في إيران ومن ثم عدت إلى العراق".
عند عودة كريم إلى العراق ورغم معاناته من الإصابة، زجت به السلطات العراقية في صفوف الجيش، وواصل الخدمة العسكرية لأكثر من عام ونصف لحين الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1991.
"بعد دخولنا الكويت، قررت مع 27 جنديا آخر عدم القتال وسلمنا أنفسنا للمقاومة الكويتية التي نقلتنا إلى مخيم رفحاء للاجئين العراقيين. ومنه نقلتني القوات الأميركية إلى واشنطن التي تلقيت فيها العلاج لحين عودتي الى كردستان".
يعاني كريم من ضيق حاد في التنفس، كما تعرضت شبكية عينيه للإصابة بنسبة كبيرة ما زالت تؤثر على نظره وتمنعه من السياقة. كل هذه الإصابات تمنعه من العمل، ويعتمد في توفير قوته اليومي على الراتب الذي يتقاضاه من حكومة إقليم كردستان باعتباره من "ذوي الشهداء"، فقد قتل ٨ من أفراد عائلته في حلبجة.
ويختتم كريم حديثه: "لم تعوضنا الحكومة العراقية نحن ضحايا حلبجة وذوي الضحايا، ولم نحصل على الامتيازات التي حصل عليها اللاجئون العراقيون في رفحاء من الحكومة العراقية بعد عام 2003. نطالب الحكومة العراقية بإنصافنا وتعويضنا ماليا ومعنويا كي نتمكن من العيش".