بات تلوث الهواء بالغازات السامة في ناحية القيارة جنوب الموصل المشكلة الأبرز التي تؤرق سكان الناحية، الذين يعاني العديد منهم بسبب التلوث من أمراض جلدية وتنفسية مزمنة وسرطانات.
وتعود مشكلة تلوث الهواء في القيارة إلى يوليو 2016، بسبب الكارثة البيئية التي شهدتها الناحية عندما فجر مسلحو داعش العديد من آبار النفط في المنطقة لمنع تقدم القوات العراقية. وتحتضن المنطقة نحو 97 بئراً نفطياً، فجر داعش الكثير منها.
وغطت حينها السحب السوداء سماء الناحية والقرى الواقعة على أطرافها، بينما سال القير المنصهر فوق أراضيها الزراعية.
تقول صفية جبار وهي امرأة من أهالي القيارة": "أصيب ابني بحساسية حادة. يعاني من نوبات اختناق وصداع شبه مستمر نضطر دائما إلى نقله للمستشفى لتلقي العلاج بالأوكسجين. الأطباء أبلغونا أن سبب الإصابة هو تلوث هواء القيارة بشكل خطير".
وتحتضن القيارة مصفاة للنفط يعود تاريخ إنشائها الى خمسينات القرن الماضي. ويتهم الأهالي القائمين على المصفاة والشركات العاملة في حقول النفط بعدم الاهتمام بالشروط الصحية وحماية سكان المنطقة من الآثار السلبية لعمليات استخراج وتصفية النفط التي تشهدها الناحية.
يقول عم": "الأطفال وكبار السن هم الأكثر تضررا من ارتفاع نسبة التلوث. أصيبوا بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي كالحساسية والربو وتشوهات في الرئة، إلى جانب وجود العديد من الأشخاص المصابين بأمراض جلدية، حتى إننا سجلنا عددا من حالات الجلطة الدماغية إثر انخفاض نسبة الأوكسجين لدى كبار السن".
وبحسب عمر، يستقبل مستشفى القيارة العام يوميا ما بين 12 و25 مصابا بالأمراض التنفسية والحساسية بسبب تلوث الهواء، إضافة إلى تسجيل عدة حالات إصابة بسرطان الرئة وتشوهات في الرئة. يقول الطبيب المعاون: "قسم من هؤلاء المصابين يتلقون العلاج وتتحسن حالتهم وقسم آخر نضطر إلى إدخالهم في المستشفى تحت العناية الطبية المركزة بسبب سوء حالتهم الصحية. سجلنا خلال الأشهر الستة الماضية أكثر 120 طفلا مصابا بأمراض مزمنة في الجهاز التنفسي".
ويشير عمر إلى أن "المشكلة ناجمة عن عمليات استخراج النفط وتصفيته، التي أصبحت مكثفة وأكثر مما كانت عليه في السابق، خاصة أن المصفى الموجود متهالك، إضافة الى وجود شركات نفطية محلية غير رسمية تستخرج النفط الى جانب الشركة الأنغولية المستثمرة في آبار الناحية. وهذه الشركات المحلية تابعة لجهات سياسية متنفذة تمتلك أجنحة مسلحة تعمل دون الالتزام بالشروط الصحية والمعايير الدولية الخاصة بالاستخراج من حيث الحد من تسرب الغازات السامة".
ألحق التلوث البيئي في القيارة أضرارا كبيرة أيضا بالثروة الحيوانية والمراعي والأراضي الزراعية، التي ما زالت تعاني من آثار سيلان الكبريت المنصهر والمخلفات السامة الناجمة عن إحراق داعش لأبار النفط وتفجيره مبنى الشركة العامة لكبريت المشراق عام 2016. وقد تسبب هذا التلوث، بحسب الناشطين في القيارة، ببطء نمو النباتات وانخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني.
ويعتبر الناشط المدني أحمد محمد "استخراج النفط من حقول الناحية بكميات أكثر من المقرر وبدون معالجة استخراجية أو معالجة داخل مصفى القيارة سببا رئيسيا لارتفاع نسبة تلوث الهواء".
يقول محمد: "التحرك الحكومي لمعالجة الكارثة البيئية بطيء ومخجل وليست له أي نتائج في الوقت الحالي، صحيح أن الأيام الماضية شهدنا إيقاف المصفى لكن هذه الخطوة لم تكن من أجل معالجة التلوث، بل بسبب ارتفاع أسعار النفط".
ويناشد أهالي القيارة السلطات الحكومية منذ أشهر من أجل علاج الكارثة البيئية التي يتعرضون لها، مطالبين بإيقاف عمل مصفى النفط والشركات غير الرسمية وإجبار الشركة الأجنبية العاملة في حقول الناحية على الالتزام بالشروط والمعايير الصحية لحماية السكان من مخاطر التلوث.
ويؤكد مدير ناحية القيارة صالح الجبوري": "أوقف العمل بمصفى القيارة حاليا كإجراء أولي. وهناك لجنة من وزارة الصحة والبيئة ووزارة النفط تعمل منذ أيام على تقصي المشكلة وتقييم الوضع. بعد انتهاء عملها وإعلان النتائج، ستُتخذ الإجراءات اللازمة لعلاج المشكلة بالاعتماد على نتائج اللجنة".