المحايد_ ملفات
زادت مأساة الجائحة في العراق، من حدة الاعتداءات على الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية والأهلية بشكل كبير والتي تتسبب في بعض الاحيان بوفاة المعتدى عليه.
ويشير المراقبون إلى أن ظاهرة الاعتداء على الأطباء والممرضين داخل المستشفيات وفي العيادات العامة والخاصة، منتشرة في عموم محافظات العراق منذ سنوات طويلة، دون أن يكون هناك أي رادع قوي، يوقف هذه الظاهرة التي بدأت بالتصاعد اثر غياب القانون.
وبشكل مستمر، تنظم النقابات وممثليات الأطباء والصيادلية في العراق، تظاهرات للمطالبة بتفعيل قانون حماية الأطباء والكوادر الصحية، وانزال أقصى العقوبات بحث من يعتدي على زملائهم خصوصاً أثناء تأدية واجبهم في المستشفيات والعيادات.
"نقتل ببساطة".
وفي بداية يونيو الماضي، شهدت مستشفى الكندي الواقعة وسط العاصمة العراقية بغداد، حادثاُ بشعاُ، حيث أقدم مرافق لمريض يرقد في المستشفى على طعن أحد أطبائها ما اسفر عن مصرعه.
وفي تفاصيل الحادثة، ذكر الدكتور منهل الرديني، عضو الفريق الإعلامي بوزارة الصحة، أن "الدكتور يوسف سنان توفى إثر حادث طعن بشع في الرقبة من قبل مرافق مريض في مستشفى الكندي استخدم خلاله آلة حادة".
وتابع، "حاول الزملاء في مدينة الطب، مع نفير اطباء المستشفيات القريبة لمحاولة، إنقاذه من النزيف الحاد المتسبب بواسطة آلات حادة في شرايين الرقبة وعمل انعاش رئوي وعملية عقد للسيطرة على النزيف، لكنه للأسف توفي متأثراً بإصابته".
وأضاف في بيان له، "للأسف أصبح الطبيب أضعف حلقة في المجتمع؛ لعدم وجود الدعم والحماية الكافية وعدم الجدية في معاقبة المتجاوزين على الاطباء، حتى اخذوا يتمادون في الإساءة وصولا إلى القتل".
وتعليقاً على الحادثة، يقول الطبيب علي أحمد (27 عاماً)، "لم يمض وقت طويل على تخرجي من كلية الطب، وممارسة مهنة الطب التي كنت احلم بها، وفعلت المستحيل من أجلها، لكنني سرعان ما كرهت اللحظة التي باشرت بها في المستشفيات الحكومية".
ويمضي متحدثاً عن ما يتعرض له الأطباء والممرضين: "ما ينشر في وسائل الإعلام لا شيء بالنسبة لما يحدث من عمليات اعتداء واهانات وضرب تصل احياناً إلى القتل، مثلما حدث مع الدكتور يوسف سنان في مستشفى الكندي الذي تخرج من كلية الطب عام 2018 ليلقى حتفه بعد ثلاثة أعوام فقط من ممارسته للمهنة".
ويضيف "في العراق، يدرس الطامح بأن يصبح طبيباً مشهوراً 18 عاماً، بقلقها وخوفها وكفاحها، لكنك تقتل ببساطة على يد شخص مجهول لا يعرفك ولا تعرفه، لان الرادع القانوني غائب، ولا يوجد ما يوقف الاعتداءات المستمرة على الكوادر الطبية".
ويزيد: "هناك حوادث كثيرة من الاعتداءات تكاد تكون شبه يومية، لا تنشر في وسائل الإعلام، اعتداءات لفظية وبالأيادي وبالآلات الحادة واحياناً يصل الامر أن يتم اشهار الأسلحة النارية بوجوهنا".
الجائحة سبب آخر
ومنذ دخول العراق في جائحة كورونا قبل عامين، زادت حوادث الاعتداء على الكوادر الطبية، وتحطيم الأجهزة الطبية، بسبب قلة الاوكسجين وامتلاء المستشفيات وردهات العناية المركزة بالمصابين، الأمر الذي يفقد الكثير من المراجعين أعصابهم في ظل غياب واضح للرادع القانوني أو الأمني.
وقبل أيام، أقدم ذوو متوفي بفيروس كورونا، في مستشفى الحسين التعليمي بمحافظة ذي قار على تحطيم أجهزة باهظة الثمن، بعد أن ابلغوا بوفاة قريبهم متأثراً بمضاعفات الفيروس المميت.
تقول الصيدلانية نور محمد (36 عاماً)، "منذ الموجة الأولى لوباء كورونا، والمستشفيات تشهد تصاعداً غير مسبوق في ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية أو تحطيم الاجهزة الطبية، أو تهشيم زجاج الأبواب وما إلى ذلك من قبل ذوي المرضى والمصابين".
وتضيف "بصراحة، الأمر مأساوي جداً، هناك معاناة لا أحد يسمع بها ولا تدركها الجهات المسؤولة عن حمايتنا، عبء كورونا وضغط العمل وما نعانيه في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتأخر صروف الرواتب، كاف لنحاول التعايش معه، لكن أن يكون الاعتداء علينا بهذه الطريقة وامام أنظار الجميع، شيء يمكن أن يمر دون عقاب، هذا ما يجعل الأطباء يفكرون بالهجرة، ويقل ادائهم داخل المستشفيات".
ماذا عن دور القضاء؟
في حديث لصحيفة القضاء، يقول قاضي محكمة تحقيق الرصافة علي كمال إن "المشرع العراقي أولى من خلال نصوص قانون العقوبات اهتماما بموظفي الدولة لما تقدمه هذه الفئات من خدمة لأفراد المجتمع إضافة إلى احترام الموظفين كونهم جزءا من هيبة وسيادة الدولة ولمساعدتهم في أداء أعمالهم بصورة سليمة".
ويضيف أن "المواد العقابية الواردة في القانون العراقي 229 و230 تناولت الاعتداءات الحاصلة على كافة موظفي الدولة والمادة 331 من القانون نظمت قوانين خاصة بالاعتداءات التي تطال فئات معينة من موظفي الدولة وأولتهم حماية خاصة وأبرزها قانون حماية الأطباء رقم 26 لسنة 2013".
ويشير القاضي إلى أن "حق الشكوى مكفول قانونا ودستورا وان والاعتداءات التي تقع على الأطباء نظم أحكامها قانون أصول المحاكمات الجزائية".
ويضيف كمال إن "حالات الاعتداء على الكوادر الطبية تفاقمت في المدة الأخيرة من خلال ما نشاهده في وسائل الإعلام وكمية القضايا المنظورة أمام المحاكم".
وعن كفاية القوانين والتشريعات من عدمها، يلفت القاضي الى ان "العقوبات الواردة سواء في قانون العقوبات العراقي أو قانون حماية الأطباء كافية وتحقق الردع مع ما تنص عليه العقوبة والتي واكبت مع ما صدره مجلس القضاء الأعلى من تعميم بهذا الخصوص".
ويرى القاضي أن "من أهم أسباب التي تدفع المتهمين باتجاه الاعتداء على الأطباء هي قلة الوعي وعدم الدراية بأهمية ودور هذه الفئة المهمة من فئات المجتمع، والدليل الأبرز على دورهم ومجهودهم هو ما قدمته الكوادر الطبية خلال تصديهم لجائحة كورونا بكل طاقاتهم وإمكانياتهم".
ويقترح القاضي على وسائل الإعلام "توعية المجتمع بأهمية دور الأطباء وتضحياتهم من خلال عملهم ولاعتبارهم خط الصد الأول ووجوب التثقيف بقانون حماية الأطباء".
من جانبها، تتفق القاضية سيماء نعيم هوين مع زميلها وتقول "لكون مهنة الطب من المهن السامية وللدور المهم للطبيب في إنقاذ أرواح البشر وتخفيف الآلام البدنية والنفسية للمرضى ولتعرض أطباء العراق إلى العنف باستمرار مما دفع لكثير منهم إلى الهجرة إلى خارج العراق رغم الحاجة الى خدماتهم واختصاصهم، ما دفع المشرع العراقي لسن قانون حماية الأطباء رقم 26 لسنة 2013، حيث أكدت المادة أولا منه على حماية الأطباء من الاعتداء والمطالبات والملاحقات العشائرية وابتزازهم من نتائج أعمالهم الطبية".
ولفت هوين إلى أن "المادة خامسا من القانون حددت عقوبة كل من يدعي مطالبة عشائرية او غير قانونية ضد نتائج أعمال طبيب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار واعتبار كل من تعدى على طبيب أثناء ممارسة مهنته أو تأدية واجبه بالعقوبة المقرة بقانون العقوبات العراقي وهي الاعتداء على موظف".
وعرجت القاضية على المادة الثالثة من القانون بأنه "نص على عدم الجواز إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدمة ضده شكوى لأسباب مهنية طبية، إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصة".
وعن آلية تقديم الشكوى للكوادر الطبية توضح القاضية أن "مراكز الشرطة تتلقى الشكاوى التي تسجل من قبل الأطباء والكوادر الطبية ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يعتدي على طبيب او أي من الكوادر الطبية ويتم إحالته إلى المحكمة المختصة باعتبار الحالة اعتداء على موظف أثناء الواجب وحتى في حال تنازل الطبيب أو أي منتسب في وزارة الصحة عن الجرائم التي يتعرض لها إثناء تأدية وظائفهم او بسببها".
وتلفت إلى ان "حالات الاعتداء على الأطباء زادت خلال جائحة كورونا رغم الدور المهم الذي يؤدونه"، مشيرة إلى أن "العقوبة جزائية مع تعويض مدني ففي حالة تنازل الطبيب المشتكي عن حقه المدني فلا يترتب عليه غلق الشكوى وتعتبر من جرائم الحق العام وتتم إحالة مرتكبيها إلى المحكمة".