المحايد/ من الواقع
بينما يحي العالم في السادس والعشرين من يونيو كل عام، اليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، يشهد العراق تنامياً مخفياً في تجارة المخدرات بكافة انواعها، ووسط هذا الانتشار، تشهد الكثير من البيوتات العراقية حالات انتحار وتعنيف تصل إلى حد القتل بسبب تعاطيها.
لا يوجد قانون رادع
وتواصل تجارة المخدرات حصد أعمار الشباب ومستقبلهم في عموم مناطق البلاد، دون أن يكون هناك أي قانون رادع، فما يحدث ويعرفه الجميع، من وجود أنواع الحبوب والمؤثرات العقلية من الحشيش والكريستال وحبوب "الكبسلة" وصفر واحد، لا يتناسب ابداً مع قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، وفقا لخبراء قانون.
ونصت المادة (28) من القانون على فرض عقوبة بالسجن المؤبد أو المؤقت وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ولا تزيد عن ثلاثين مليون دينار كل من حاز أو اشترى أو باع أو تملك مواد مخدرة أو مخدرات عقلية مدرجة ضمن الجدول رقم (1) من القانون.
كما تنطبق العقوبة على كل "من أقدم على تعاطي مواد مخدرة أو مؤثرة عقلياً أو أسهم أو شجع على تعاطيها أو من استعمل مواد مخدرة في غير الحالات التي أجازها القانون أو أدار أو هيأ مكاناً لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية أو أغوى حدثاً أو شجع زوجة أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة على تعاطيها.
ونصت المادة على "العقوبة بالسجن الشديد والغرامة بما لا يقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد عن عشرة ملايين دينار على كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو تملك مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو سلمها أو تسلمها أو نقلها أو تنازل عنها أو تبادل بها أو صرفها بأية طريقة كانت أو توسط في ذلك بقصد الاتجار".
مخدرات بحوزة الجميع
وبسهولة يستطيع أي فرد عراقي الحصول على كميات من المخدرات، فتجارتها أصبحت منتشرة في الأماكن العامة وداخل المقاهي وحتى بعض الأحيان يصل الأمر إلى وجودها داخل المستشفيات والحرم الجامعي وبعض دوائر الدولة.
وبين الحي والآخر، يعلن جهاز الأمن الوطني عن تمكنه من القاء القبض على أحد تجار المخدرات وإدانتهم بعد ضبط ما بحوزتهم من حبوب مخدرة.
يقول أحد "البندرجية"، لـ(المحايد): "تعاطي حبوب (صفر واحد)، أصبح منتشر بصورة كبيرة، ويزيد الطلب عليه كل مرة، خصوصاً من بين فئات الشباب العاطل عن العمل، حتى وصلنا إلى مرحلة نبيع فيها بالدين، لمن أدمن عليها".
ويضيف: "الحشيش والكريستال ايضاً والمخدرات بأنواعها مطلوبة بكثرة، في مدن مختلفة، شباب بمختلف الطبقات يتصلون بنا للحصول على الكريستال والحشيش، ونحن بشكل وبآخر نستطيع ايصال الطلبات لأي مكان وبطرق مختلفة".
ويتابع :كما إننا نشهد طلبات كثير من قبل فتيات ونساء يطلبن شراء كميات من المخدرات، ونحن نعرف جيداً انهن تحولن إلى متاجرات بالمخدرات وليس مستهلكات فقط، وهو ما يؤشر أنهن بدأ بالترويج للمخدرات لفتيات ونساء أخريات بهدف الكسب المادي".
كانت محكمة التحقيق المركزية في الرصافة، كشفت، عن أهم طرق دخول المخدرات إلى البلاد جواً عن طريق لبنان وبراً عن طريق مشاحيف الأهوار.
ويشير أحد المهتمين بهذا الجانب إن "ضعف الرقابة الأمنية هو ما جعل من المقاهي والكافيهات مدعاة للقلق الدائم، حيث أن الكثير من تجار المخدرات يسعون لتأمين مكاسب مادية عبر استدراج الشباب الذين يتناولون النرجيلة".
ويقول "البندرجي" الذي رفض ذكر اسمه، أن "واحدة من أهم الطرق في تعاطي المخدرات تكون من خلال مزجها إلى (معسل النرجيلة)".
ويبين ان "هناك المئات من مروجي المخدرات داخل العراق يعملون على الايقاع بالشباب بالإدمان، وتخييرهم بين أن يكونوا متعاطين ويشترون منهم أو يتحولون إلى مروجين لها، مقابل منحهم خصومات كبيرة من سعر بيعها لهم، ليستمروا على تعاطيها".
ويبين أن "المروجين يكونوا غير معروفين داخل مجتمعاتهم لذا فهم مثلا يقنعون الطلاب الذين المتفوقين مثلا والعسكريين بأن بتناول حبوب (صفر- واحد) ستكون منشطة فعالة للجسم، وتزيد من حدة التركيز والحضور الذهني وذهاب التعب بشكل تام".
جرائم بشعة وحالات انتحار
وتحت تأثير المخدرات تسجل الأجهزة الأمنية العراقية، الكثير من حالات القتل والعنف والانتحار، وقبل أيام أعلنت وزارة الداخلية القبض على متهم في قضية احتراق منزل في منطقة الكفاح في بغداد ووفاة صاحبته وابنتها.
وقالت إن الجهات المعنية بعد أن انتقلت لموقع الحادث توفرت لها "القناعة بأن الحادث جنائي وليس قضاء وقدرا".
وأفاد البيان بأن الطبيب الشرعي لفت إلى أن تشريح الجثتين بين تعرضهما "لإطلاق نار في منطقة الرأس".
وبجمع المعلومات، تبين أن المتهم هو ابن المجني عليها "وهو من مدمني ومتعاطي المخدرات" وقد قام بالجريمة "بدافع السرقة".
وقامت القوات الأمنية باستدراجه والقبض عليه "وبعد مواجهته بالأدلة المتوفرة، انهار معترفا بجريمته النكراء وقتل والدته وشقيقته وإحراق الدار والجثتين لإخفاء معالم الجريمة تحت تأثير المخدرات".
ويقول الطبيب النفسي العراقي، مؤيد سدير، إن "قيام أحد الآباء في ميسان بجريمة معقدة التفاصيل شملت التحضير وعقد الحبال لقتل أطفاله وزوجته جرت تحت تأثير المخدرات وادمانها حيث ذهب عقله تماماً وحوله ادمانه إلى وحش كاسر".
ويعزو باحثون اجتماعيون عراقيون تزايد نسب العنف الأسري في البلاد إلى "انعكاسات الحروب نفسيا على أفراد المجتمع وتزايد تعاطي المخدرات".
وتقول الأكاديمية والباحثة في الشأن الاجتماعي ندى العابدي إن "انحدار القيم الإنسانية والنظم الأخلاقية نتيجة الفقر والبطالة والحروب تنعكس سلبيا على البيئة الاجتماعية".
وأضافت أنه إذا ما وجدت هذه البيئة انحسارا في الفرص وانعداما في المساواة والعدالة الاجتماعية وعدم وجود تعليم جيد وخدمات متطورة تحترم إنسانية البشر، ستنعكس هذه الظروف على السلوكيات".
وحذرت العابدي من "خروج الإنسان عن إنسانيته وتحوله إلى وحش كاسر"، نتيجة هذه الظروف التي تسبب حالة من الاكتئاب قد تتفاقم إلى كآبة مزمنة خاصة في ظل انعدام ثقافة العلاج النفسي والمؤسسات العلاجية.
وقالت العابدي إن كل هذه الظروف مع المخدرات والكحول والحالة العصبية، وزيادة الفقر، تسهم في ازدياد حالات العنف.
غياب المشاريع الاقتصادية
وفق إحصائيات الموقوفين على ذمة قضايا تعاطي أو تجارة المخدرات عام 2020، قال مدير قسم العلاقات والإعلام في مديرية شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الداخلية، العميد عماد جبر حسين، إن "أكثر من 200 موظف ألقي القبض عليهم في هذا الشأن، ونحو 1000 عسكري و200 طالب، لكن النسبة الأكبر من المعتقلين من أصحاب الأعمال الحرة ويصل عددهم إلى أكثر من 6 آلاف شخص".
وأشار إلى أن "المعتقلين خلال 2020 بتهم تعاطي أو الاتجار بالمخدرات أكثر من الذين اعتقلوا في عام 2019 للسبب ذاته".
وأضاف حسين أن "النسبة الأكبر من المتعاطين البالغين أكبر من الأحداث فيما يخص الذكور، من مجموع أكثر من 7 آلاف رجل ألقي القبض عليهم في 2020، فضلاً عن 100 امرأة".
وكان عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، أكد أن "الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من الواقع، فهناك أرقام تتحدث عن أن 40% أو 50% من شباب المحافظات العراقية يتعاطون المخدرات، وتفيد معلومات بدخولها إلى الجامعات والمدارس.
ولفت إلى أن "تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات من ثم التحول للاتجار بها مرتبط بالاقتصاد العام في البلد"، مبيناً أن "الاقتصاد الضعيف يدفع بالضحية التي تعاني من ضغوط نفسية إلى تعاطي المخدرات للتخلص من تلك الضغوط، وهذه العملية تشوبها الاستغلال من خلال اغراء المتعاطين بأموال للتعاون من التجار فيتحول الشخص من متعاط إلى منسق أو متاجر بالمخدرات".
وقال البياتي إن "الأموال المتأتية من تجارة المخدرات كثيرة وسهلة في ظل غياب المشاريع الاقتصادية وفرص الاستثمار والتجارة العامة".