لم يعد باستطاعة أحمد رمضان، وهو مواطن من ناحية حمام العليل جنوب الموصل، ممارسة العمل إثر إصابته بمرض السكري ومعاناته مع نوبات الخوف والكوابيس جراء اعتقاله وتعذيبه من قبل مسلحي داعش الإرهابي عام 2015.
ونفذ تنظيم داعش الإرهابي بعد سيطرته على محافظة نينوى شمال العراق في يونيو من عام 2014 وعلى مدى 3 سنوات من سيطرته على المحافظة عمليات إبادة جماعية ضد سكانها المدنيين والمنتسبين السابقين في القوات الأمنية والمعارضين للتنظيم، عبر الإعدامات الجماعية سواء رميا بالرصاص أو الشنق والغرق والإحراق والتفجير والتعذيب بشتى الوسائل والسجن وفرض الإتاوات وقطع الأطراف إلى جانب مصادرة الممتلكات والأموال.
اعتقل مسلحو داعش أحمد رمضان في أحد أيام صيف عام 2015 مع 3 من إخوته بعد أن طوقوا منزلهم في حمام العليل وداهموه فجأة واعتدوا على والدته التي كانت تحاول أن تمنعهم من اعتقال أبنائها.
يقول رمضان "عند اعتدائهم على والدتي، هاجمت إنا وإخوتي مسلحي التنظيم وحدث شجار بالأيدي وانهالوا علينا بالضرب المبرح وأطلقوا الرصاص تحت أرجلنا، ومن ثم اعتقلونا وكبلوا أيدينا وعصبوا أعيننا وجردونا من ملابسنا وساقونا حفاة إلى سياراتهم، وأجبرونا على توقيع أوراق لم نعلم ماذا كان مكتوبا فيها ونقلونا مباشرة إلى مدينة الموصل".
بعد قرابة شهرين من التعذيب في السجن، أطلق تنظيم داعش سراح رمضان مقابل غرامة 3000 دولار ومصادرة سيارته.
بعد قرابة شهرين من التعذيب في السجن، أطلق تنظيم داعش سراح رمضان مقابل غرامة 3000 دولار ومصادرة سيارته.
أمضى رمضان قرابة 11 يوما في أحد سجون التنظيم بمدينة الموصل مع 400 سجين آخر. كان من ضمنهم منتسبون سابقون في القوات الأمنية العراقية وتجار وموظفون ومعارضون للتنظيم. ومن ثمة نقلهم مسلحو داعش إلى سجن آخر تحت الأرض إثر استهداف غارات جوية لمقرات التنظيم.
وجد رمضان في السجن الجديد ابن عمه الذين اعتقله التنظيم عند سيطرته على الموصل مع المئات من منتسبي القوات الأمنية العراقية في المدينة. لكنهما لم يبقيا لفترة طويلا معا في السجن، لأن التنظيم أعدم ابن عمه بعد وصول رمضان السجن بنحو 3 أيام.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية ودقيقة عن عدد المحتجزين الذين قتلهم التنظيم خلال سنوات سيطرته على الموصل، إلا أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أعلنت في مارس من عام 2017 أن تنظيم داعش أعدم مئات المحتجزين ودفن جثثهم في موقع بجنوب غرب الموصل يدعى الخسفة.
يقول رمضان: "بدأ مسلحو التنظيم بمحاكمتي بتهمة قيادة عصابة وسمعت صوت سحب زلاقة المسدس الموجه لرأسي استعدادا لإطلاق الرصاص وأصدر أحد الموجودين في قاعة التحقيق الأوامر بإطلاق النار على رأسي وبالفعل ضغط المسلح على الزناد لكن المسدس كان فارغا".
ويوضح: "أرادوا فقط إخافتي وتعذيبي نفسيا. وكان هذا نوعا من التعذيب الذي يمارسونه ضد المعتقلين. وخلال فترة انتظار الموت هذه انهارت معنوياتي بالكامل، وظهرت أمام عيني صور أطفالي وعائلتي ووالدتي وكدت أفقد الوعي من شد الخوف فحملني مسلحو التنظيم وأعادوني إلى المعتقل".
بقي رمضان بعد التحقيق في السجن قرابة 40 يوما، كان يتعرض خلالها إلى كافة أنواع التعذيب النفسي والجسدي ومن ثم أطلق التنظيم سراحه بعد أن أخذوا منه 3 آلاف دولار كغرامة وصادروا سيارته بحجة أنهم عثروا فيها على سجائر.
بعد وصوله إلى المنزل ولقائه عائلته التي كان الحزن يخيم عليها، لأن 3 من أبنائها ما زالوا معتقلين لدى داعش دون أن يعلم أحد أي معلومات عنهم.
يقول رمضان إن جميع أفراد العائلة كانوا منهارين طيلة فترة اعتقال إخوته. هو نفسه كان يشعر بالخوف، لدرجة أنه ظل يشعر بالعطش حتى بعد شرب الماء. عند مراجعته الطبيب تبين أنه أصيب بالسكري الذي حرمه منذ ذلك الوقت من ممارسة عمله السابق كسائق سيارة أجرة "تكسي" ومن أي عمل آخر.
يقول رمضان: "الاعتقال والخوف الذي تعرضت له على يد داعش تسبب في إصابتي بالسكري ونوبات من الخوف والقلق الشديد وفقدان التركيز وعدم القدرة على النوم بشكل مستمر بسبب الكوابيس التي أشاهدها، والمتمثلة باعتقالي من قبل داعش وإعدامي على أيديهم وصوت الزلاقة والزناد والتعذيب إلى جانب معاناة فقدان العمل وكل ما أمتلك".
ورغم إطلاق سراح إخوته بعد فترة من خروجه من السجن، إلا أن والده توفي بسبب ما تعرض له من حزن وخوف وأصيبت والدته بجلطة أصبحت على إثرها مشلولة حتى اليوم، وتعيش العائلة أوضاعا معيشية صعبة معتمدة على ما تحصل عليه من مساعدات إنسانية وجزء من راتب أحد أبنائها.
يقول رمضان: "أتمنى أن تمد الحكومة والجهات المعنية يد العون لنا من خلال توفير راتب شهري لي وللعائلة كوننا من الضحايا المباشرين الذين تضرروا من داعش. فإلى جانب معاناتي، يعاني أخي أيضا من اعراض ما بعد الصدمة الشديدة وإصابته بأمراض أخرى نفسية بسبب شدة التعذيب الذي تعرض له على يد داعش".