تتوالى الأزمات في مختلف مناطق العالم، ونادراً ما يغيب العراق عنها، فالحرب في أوكرانيا جعلت إمدادات القمح تقل كثيراً، ولم تستطع الحكومة توفيره، بعد تقليل نسبة المساحات المقررة للزراعة، بسبب قلة إطلاقات الإيرادات المائية من دول الجوار.
ويحتل العراق المرتبة السادسة من بين أكثر من 15 دولة نمت فيها صادرات البضائع من أوكرانيا أكثر من غيرها، إذ بلغ حجم وارداته نحو 164,9 ملايين دولار، وفقًا لإحصاءات صادرة عن الإدارة الأوكرانية، كما يحتل العراق المركز 11 من بين أكثر البلدان الـ15 كشريك في تصدير البضائع من أوكرانيا.
ويدخل العراق ضمن الدول العربية المهددة بارتفاع أسعار الخبز فيها، على وقع قرارات منع تصدير القمح وتبعات الحرب الدائرة بين موسكو وكييف.
وعلى وقع الأزمة وشدتها، تحركت بغداد صوب واشنطن، لدعم العراق في تجهيز الحنطة والأرز اللذين يشكلان العمود الأساسي للمائدة العراقية، وذلك تفعيلا لمذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين.
وأكدت وزارة التجارة العراقية، أنها بدأت بخطوات فعلية لإعادة تأهيل البنى التحتية لصوامع القمح ووضع استراتيجية للأمن الغذائي بعد حرب أوكرانيا.
وقالت في بيان، إنه جرى التباحث في تقديم الدعم المالي عبر "ليكزم بنك" لتجهيز الحنطة في ظل أزمة أوكرانيا، فضلًا عن التباحث في موضوع الوثيقة القياسية لمادة الحنطة، والعقبات والتحديات التي تواجه الشركات الأميريكية، والعمل على تذليلها.
وكانت وزارة الزراعة العراقية، كشفت الأسبوع الماضي، أن المخزون الاستراتيجي من حبوب القمح يكفي لمدة شهرين أي نهاية أبريل الجاري.
ويقول المحلل السياسي العراقي، علي الصاحب: "لا يخفى على أحد أن العراق كان بلدًا زراعيًّا يمتلك أراضيَ خصبة ونهرين خالدين يمنحان تلك الأراضي موفورًا مِن المياه، لكن مع التغيرات المناخية وأزمة الجفاف أصبح العراق يستورد القمح من الخارج رغم أنّه خلال السنوات الماضية كان لا يستورد إلا كميات قليلة".
ويضيف: "مع الزمن تحول العراق إلى بلد زراعي صناعي، ثم بلد صناعي خاصة في فترة الثمانينيات إبان الحرب العراقية الإيرانية، وأصبح بعد عام 2003 يستورد الكثير من المحاصيل الزراعية خاصة القمح والأرز والزيوت".
وعن اللجوء إلى القمح الأميركي، يعلق الصاحب، قائلًا: "لم تكن أميركا في حسابات العراق الاستيرادية، بل كانت أستراليا أولًا ثم الصين وأوكرانيا، إضافة إلى الهند وبعض البلدان المتفرقة، لكن مع الهيمنة الأميركية وفرض أجندتها ليس على مستوى الزراعة بل حتى قطاع الصناعة والطاقة والشركات العاملة في العراق، باتت تلك القطاعات تخضع للضغوط والموافقات الأميركية".
ويتابع قائلا: "مسألة حصر استيراد العراق القمح من واشنطن ليس مستغربًا أو مستبعدًا، لأنها تتدخل في كل تحركات الدولة العراقية وترسم خارطة الطريق للعراق".
وعن تأثير الأزمة العالمية على العراق، يقول: "الأزمة الأوكرانية الروسية، لها تأثير سلبي على واقع الاستيراد بالفعل، لكن ليس بالحد الذي يجعل العراق يعاني من أزمة حقيقية"، مضيفًا: "الأمن الغذائي لا يتحقق بالاتفاق العراقي الأميركي، لكن بتنويع مصادر الاستيراد بعيدًا عن هيمنة واشنطن".
ويبدأ خلال أبريل الجاري، موسم حصاد القمح في العديد من محافظات العراق، مثل البصرة والناصرية والعمارة وغيرها.
وكان العراق قد استطاع خلال السنوات الماضية تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحنطة والذرة الصفراء، إلا أنه اضطر لتقليص مساحة الأراضي المزروعة مؤخرًا إلى النصف جراء أزمة مياه خانقة تعيشها البلاد، وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية.
وتبلغ الحاجة الفعلية للبلاد من مادة الطحين نحو 4.5 مليون طن من القمح سنويًّا لتأمين السلة الغذائية عبر مفردات البطاقة التموينية، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي أكثير من مليون ونصف المليون سنويًّا.
وكشف مدير الشركة العامة لتجارة الحبوب في وزارة التجارة العراقية، محمد حنون، أن المؤشرات تؤكد أن الكميات الكلية التي ستسوق من محصول القمح للموسم الحالي في البلاد، ستبلغ مليوني طن فقط، ليصل الانخفاض إلى 50% مقارنةً بما تم تسويقه الموسم الماضي
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي نبيل جبار العلي، في تصريحات صحفية، أن "العراق يستورد أغلب سلعه الغذائية والاستهلاكية والمعمرة، وأن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع، وهو ما يؤثّر على القدرة الشرائية للمواطن العراقي".
وداخليًّا، هناك حراك بالعراق لإقرار قانون الأمن الطارئ للغذاء بعد مناقشته من قبل مجلس النواب أواخر الشهر الماضي، حيث يركز على اعتماد الفائض من عائدات النفط وتوجيهه نحو تأمين المواد الأساسية من القمح والأرز ومواد البناء.
وخارجيا، بلغ حجم التبادل التجاري بين أوكرانيا والعراق في عام 2018 نحو 644 مليون دولار أميركي، وتستورد بغداد من كييف منتجات الغلال والدهون والزيوت الحيوانية والنباتية واللحوم والعسل ومنتجات الألبان والفواكه وغيرها.