المحايد / بغداد
بعد توليه منصب رئيس الوزراء، حاول محمد شياع السوداني اقتحام الملف الأخطر في العراق، وهو ما يرتبط بملفات الفساد التي نُهبت من المال العام خلال السنوات الماضية.
ويصنف العراق ضمن الدول الأكثر فسادا بالعالم، حيث تحتل الدولة المرتبة 157 عالميا من إجمالي 180 دولة ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية العام الماضي 2021.
وتعهد السوداني باستئصال الفساد، وعدم استباحة أموال العراقيين، مؤكدا عدم التأني في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكل وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها.
وفي منتصف الشهر الماضي، أعلن السوداني تشكيل هيئة عليا للتحقيق في قضايا الفساد الإداري والمالي، بحيث تعمل تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى.
وأعلنت الهيئة صدور أمر استقدام ومنع السفر بحق رئيس جهاز المخابرات العراقية السابق، ضمن سلسلة من تحقيقات الفساد بالبلاد كان أبرزها القضية الشهيرة "سرقة القرن".
وظهر السوداني في مؤتمر صحفي أعلن فيه استرداد جزء من 2.5 مليار دولار تقريبا من الأموال المختلسة من مصلحة الضرائب ضمن مخطط ضخم تشارك فيه شبكة من الشركات والمسؤولين، وسط تعهدات بأن تعمل على استعادة كامل المبلغ المسروق.
ويحمل الكشف عن هذه الملفات مسارين إما رغبة الحكومة الجديدة في التطهير أو فضح عناصر الحكومة السابقة من أجل اقتلاعهم من جذورهم وإحلال آخرين واستمرار مسلسل النهب والسرقات.
وتعد الأرقام تأكيداً للمشكلة المتفاقمة التي يعاني منها العراقيون بعد التغيير في عام 2003، رغم أن المنظمة لم تحدد أرقاما دقيقة لحجم الفساد في البلاد.
وفي عام 2014، كشف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عن وجود نحو 50 ألف جندي وموظف في وزارة الدفاع يتلقون رواتبهم دون وجود حقيقي لهم بأرض الواقع.
و في 2015 قال وزير النفط آنذاك، عادل عبد المهدي، إن الموازنات العراقية منذ 2003 وحتى العام ذاته بلغت 850 مليار دولار وهي أرقاك كبيرة إلا أن الفساد أهدر نحو 450 مليار دولار.
وأشار عبد المهدي إلى أن استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة كلف العراق 25 ملیار دولار
وفي 2021، كشف رئيس الجمهورية آنذاك برهم صالح أن أموال النفط من 2003 تصل لنحو ألف مليار دولار، لافتا إلى أن تقديرات الأموال المنهوبة تبلغ نحو 150 مليار دولار.
الفساد يندرج تحت مسارين "أصغر" وهو ما يحدث على نطاق ضيق لدى موظفي الخدمة العامة والرشاوى من أجل إنهاء الخدمات على شكل هدايا ثم "أكبر" وهو ما يقع لدى أعلى القيادات بالهرم الوظيفي وهو ينتشر بشكل كبير في الدول مثل العراق التي لا تملك سياسات كافية في مراقبة الفساد
وتحول الفساد في العراق من ظاهرة لثقافة عامة وسلوك لقوى السلطة وزاد من سطوتها هيمنة المليشيات على كل مؤسسات الدولة والمناصب العليا والمحاصصة الحزبية بتشكيل الحكومات.
الأرقام المعلنة لا تضاهي الحقيقة فالواقع مرير في البلاد، فالمسؤولون الحكوميون يتسابقون على تهريب العملة الصعبة خارج البلاد وتكوين ثروات عبر آلاف المشاريع الوهمية التي لا وجود لها على أرض الواقع.
ما تسمى بقضية القرن ليست الأولى ولن تكون الأخيرة هي جزء من سلسلة فساد مستشري في البلاد، ترجع إلى اختلالات على مستوى رقابة أموال الدولة في الإدارة والآليات المستخدمة ما يسمح لهذه السرقات أن تمر مرور دون أن تشعر بها أي جهة رقابية.
هيئة النزاهة وديوان الرقابة غير كافيتين على دولة بحجم العراق لابد من تغيير النظام الإداري والتوجه نحو اللامركزية واعتماد النظم الإلكترونية.
الكشف عن هذه الملفات يحمل مسارين إما رغبة الحكومة الجديدة في التطهير أو فضح عناصر الحكومة السابقة من أجل اقتلاعهم من جذورهم وإحلال آخرين واستمرار مسلسل النهب والسرقات، العراق يتعود على مثل هذه الأخبار في مثل هذه التوقيتات.