ما أن يُسمع صوت أقدام المارة تعبر السوق حتى يفتح السيد سلام الخياط (49 عاماً) محل الخياطة الخاص به قرب شارع العطار بمنطقة الكرادة في بغداد.
وبالرغم من أن خياطة الملابس بالنسبة للبعض مهنة مهددة بالاندثار لكن زبائن السيد سلام بقوا مخلصين لخياط “الفقراء” أو لـ “خياط الفنانين”، وهي ألقاب حصل عليها بعد سنين طويلة من العمل في تصميم الملابس لبسطاء الناس ومشاهيرهم على حد سواء.
ورث سلام (49 عاماً) مهنة الخياطة عن والده وكان يرافقه إلى محله في منطقة الكرادة في السبعينيات ويعمل إلى جانب 12 عاملاً مصرياً قبل أن يسافر هؤلاء بسبب الحصار ويبقى مع عدد قليل من العمال في الورشة.
في ذلك الوقت كان سلام يدرس في معهد الفنون الجميلة ومن ثم كلية الفنون الجميلة في بغداد، لذا اكتسب معارف فنية جعلت منه أكثر من خياط عادي. يقول: “أدرك والدي ذلك من أول قطعة أنتجتها سنة 1986 ، وبعد ذلك في التسعينيات صار زملائي طلاب المسرح والسينما يصممون أزياء العمل المسرحية والتلفزيونية عندي مقابل أجور بسيطة، ففي فترة الحصار كانت الظروف المادية صعبة على الجميع”.
من بين الفنانين الذين تعامل سلام معهم في فترة التسعينيات المطرب كاظم مدلل والفنان المسرحي أنس عبد الصمد فحصل آنذاك على جوائز تقديرية في مجال تصميم الأزياء وحقق اسمه انتشاراً في الوسط الفني، أما اليوم فهناك قائمة طويلة بعشرات وربما مئات المشاهير ممن يتعاملون معه، من بينهم نجوم تلفزيون ومطربون ومسرحيون وسياسيون.
عطش للألبسة الجاهزة
بعد عام 2003 أصبحت السوق مفتوحة أمام الملابس الجاهزة المستوردة في معظمها من دول الجوار. “كان هناك عطش لشراء الملابس الجاهزة لدى كافة العراقيين” على حد وصف سلام، لكن هذا الخياط حافظ على زبائنه من عشاق الأقمشة الخاصة والتصاميم الفردية بعضهم كان من ميسوري الحال والبعض الآخر كان يلجأ إلى اقتناء الأقمشة والماركات من سوق البالة أو يرثها عن والديه ثم يذهب الى سلام لإعادة تصميمها وتحويلها إلى تصميم جديد.
يشير سلام إلى أن أسعار الأقمشة صار أغلى بكثير اليوم بعد أن أصبح هنالك دعم للمنتج الجاهز بحيث يبلغ سعر القميص الجاهز في سوق الجملة حوالي 3 دولارات بينما سعر متر القماش نفسه يصل إلى 10 دولارات في السوق المحلية رغم أنه من ذات النوعية وذات المنشأ.
تعد منطقة الكرادة حيث يقع محل خياطة سلام أحد أعرق أحياء مدينة بغداد وتقع على الجانب الشرقي من نهر دجلة المسمّى جانب الرصافة لذا تعرف بالكرادة الشرقية تمييزاً لها عن الكرادة الغربية (كرادة مريم) في جانب الكرخ.
ولدى سلام اليوم في محله في سوق الكرادة أربعة خياطين من الشباب يتدربون تحت يديه، ولديّه كادر محترف ايضاً من الخياطين القدامى، “منهم جعفر المسؤول عن الترتيبات والكوي ووالده الذي يعمل معي منذ عام 2007 ولا يزال مستمراً إلى الآن، وأيضاً أبو رسول وكرم الذي تعلم مهارة خياطة جميع أنواع قطع الملابس، وهناك أيضاً خياطين محترفين تعلموا في محلنا ثم افتتحوا محلاتهم الخاصة بهم”، يتابع سلام.
خياط الفقراء
الزبائن الذين يتعاملون مع محل سلام هم من كلا الجنسين جزء منهم فنانين يطلبون تصميمات خاصة لعروض مسرحية أو لأعمال تلفزيونية وسينمائية، يستشيرونه في نوع القماش وتصميم الملابس.
يقول: “أنا وكادري منفذين لرغبات والزبون.. هو الذي يحدد وأنا أعطيه نصائحي كي تكون القطعة أنسب له”، وقد حصلت ملابس مسرحية من تصميمه على جائزة أفضل أزياء في أكثر من مهرجان ثقافي في العاصمة بغداد.
لكن سلام ليس فقط خياطاً للنجوم من الفنانين والرياضيين والساسة، هو أيضاً “خياط الفقراء” في المناطق الشعبية، فهذا اللقب رافقه منذ أن شارك ببرامج تلفزيوني صباحي كان يطل فيه على المتابعين متحدثاً عن مهنته في تصميم وخياطة الأزياء ثم مستقبلاً للزبائن من ذوي الدخل المحدود في محله في الكرادة.
ويرى سلام أن الملابس التي يصنعها تبقى ذات قيمة أعلى بكثير بالمقارنة مع الملابس الجاهزة لأنها تصنع حسب رغبة الزبون ووفق ذائقته ومقاسه.
ورغم الجهد البدني الذي يبذله وتعب العين من الخياطة لساعات طويلة وأحياناً لأيام متواصلة لكنه يؤكد أن “الأمور المادية لاتهمني بقدر ما أحب عملي ومهنتي.. ففي فترة من الفترات جميع الخياطين أغلقوا محالهم وأنا لم أغلق”.
وفي حديثنا معه تذكّر سلام كيف عمل لدى قناة تلفزيونية مسؤولاً للأزياء عندما مر بضائقة مادية، وكيف استخدم المرتب الذي استلمه من القناة لدفع الإيجار الخاص بالمحل، ثم ختم كلامه قائلاً: “أنا عاشق لهذه المهنة لا أستطيع أن أتركها.. أشعر أنها تلبستني وانتهى الأمر”.