المحايد/ ملفات
يواجه العراق أزمات متعددة، وكلها تقع آثارها بشكل مباشر على المواطن الذي هو لا حول ولا قوة، لكنه دائماً ما يكون ضحيّة الصراعات السياسية، سواء كانت المحليّة أم الدوليّة، ليقع الآن بمشكلة الإطلاقات المائية التي أنهتها السلطات الإيرانية.
وقال وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني إن "الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفرا"، فيما أشار إلى "اتخاذ حلول لتخفيف ضرر شح المياه في محافظة ديالى" شرقي العراق.
واعتبرت خطوة إيران الأخيرة تجاوزا واضحا لكل القوانين والأعراف التي تُنظم حقوق الدول في الأنهار العابرة للحدود، وهو الأمر الذي دفع الحمداني إلى القول، إن "بغداد ستلجأ إلى المجتمع الدولي، وتشكو إليه عدم إطلاق طهران حصص العراق المائية".
ومع ذلك، تبدو قدرة الحكومة العراقية محدودة في مواجهة إيران، فتوازن القوة السياسية والعسكرية بين البلدين خاضعة تماماً لصالح الأخيرة، خصوصاً وأن هناك فصائل مسلحة في العراق، ترتبط ظاهرياً بالقائد العام للقوات المسلحة، إلا أنها باطنياً مرتبطة بأوامر المرشد الأعلى في ايران، علي خامنئي، ليقع العراق أم دبلوماسية طهران وسلاحها في بغداد.
الخطوتان الوحيدتان اللتان قام بهما العراق، كانتا شكليتان إلى حد كبير، إذ أرسلت وزارة الموارد العراقية مذكرة للجانب الإيراني، تطالبه بالالتزام بالبروتوكولات والاتفاقيات التي بين البلدين بشأن المياه المشتركة، وفي المقابل، لم ترد إيران على خطوات العراق.
والعراق يعد بحاجة ماسة لمياه أنهاره الإقليمية، فهو بلد شبه صحراوي قليل الأمطار، يعتمد في حاجات المائية السنوية على المياه المتدفقة من تركيا وإيران وسوريا، إلا أن دول الجوار اتخذت معه سياسات أحادية، وقللت الإطلاقات المائية، لتصل إلى الصفر كما فعلت إيران.
وتفيد التقديرات الدولية بأن حاجات العراق من المياه بأكثر تصل إلى أكثر 70 مليار متر مكعب من المياه، يذهب أكثر من ثلثيها إلى القطاع الزراعي، المعتمد على السري بشكل شبه مطلق في العراق.
وكانت الأنهار والسواقي المائية القادمة من إيران تُلبي ثلث حاجة العراق، بالذات من الأنهار والروافد الكُبرى، مثل نهر الزاب الأسفل، الذي يُغذي بحيرة دوكان التي تتدفق بدورها لتغذي نهر دجلة.
ويغذي نهر ديالى الكبير بحيرتي دربندخان وحمري، اللتين تشكلان الخزان المائي لكامل منطقة شرق العراق، وتلبيان الحاجات المائية لأكثر من 7 ملايين عراقي، في محافظات السليمانية وديالى وصلاح الدين والواسط.
وهناك نهرا الكرخة وكاراون، اللذان كانا مصدراً تاريخياً لخصوبة جنوب العراق. بالإضافة لمئات المجاري الموسمية، التي كانت تستخدم لسقاية المناطق الحدودية.
ويرى أحد الدبلوماسيين، أحمد رضا، أن "طهران عملت على فرص نفسها على بغداد، بعد وصول الحكومة الجديدة التي يقودها مصطفى الكاظمي إلى سدة الحكم، لترى به أنه ينفذ سياسات أميركا في العراق، لكنه يقدم مصلحة بلاده على مصالح الآخرين".
وتحججت إيران بقطع المياه، بأن بلادهم تحتاج لهذه المياه، لأن ما موجود لديهم لا يكفيهم، لكنها في الواقع حق لكل الدول، حسب القوانين العالمية لتقاسم المياه العابرة للحدود.
وأوضح أن "بغداد بعد إعلانها صراحةً باللجوء إلى المجتمع الدولي، فإنها مؤشرات تدل على خروجها من عباءة إيران، التي سيطرت كثيراً على القرار العراقي طوال السنوات الماضية، عبر رؤساء وزراء تتحكم بهم، ومن أبرزهم، عادل عبد المهدي ونوري المالكي".
وكان اتفاق سياسي عراقي إيران قد عُقد عام 1975 بين البلدين، بشأن تقاسم المياه في الأنهار المشتركة، وذلك على هامش اتفاقية الجزائر الشهيرة وقتئذ، التي قسمت مياه شط العرب بين البلدين، لكن رئيس النظام السابق، صدام حسين، أعلن في العام 1980 انسحاب بلاده من تلك الاتفاقية، واعتبر مياه شط العرب ملكاً كاملاً للعراق.
ويقولون خبراء إن "إلغاء هذه الاتفاقية الهامشية لا تعني إسقاط الحقوق العامة الشرعية للعراق، كما لأي بلد آخر، في مياهه الإقليمية في الأنهار العابرة للحدود، والعراق تعامل مع قضية المياه النابعة من إيران بشكلين مختلفين".
وأحدثت احتجاجات تشرين عام ٢٠١٩، فارقاً كبيراً بالسياسة الإيرانية داخل العراق، بعد ما أعلن المحتجون صراحةً رفضهم للتدخل الإيراني بالشأن العراقي، بعد هتافات "إيران برة برة، بغداد تبقى حرة"، فضلاً عن الشعارات التي تندد بتدخل أي دولة بالشأن الداخلي للعراق.
واتهم عدد من الناشطين، أذرع إيران في العراق، بارتكاب عمليات الاغتيال والاختطاف التي يشهدها البلد بعد الاحتجاجات، وأدت إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف غيرهم.