المحايد/ ملفات
في مؤشر جديد على تسنم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي لولاية ثانية، شهدت عودة الأخير من الولايات المتحدة استقبالاً حاراً من الشخصية الحكومية الصدرية حميد الغزي الأمين العام لمجلس الوزراء.
حيث استقبل الغري في مطار بغداد الدولي رئيس الوزراء بعناق حار، رآها مراقبون بأنها بداية لاستلام الولاية الثانية، خصوصا بعد تقديم زعيم التيار الصدري شكره للكاظمي في تغريدة بعد البيان المشترك للعراق والولايات المتحدة والذي تضمن انسحاباً للقوات القتالية نهاية العام الحالي.
وواجهت الانتخابات العراقية انسحابا متوالياً ، مع اقتراب موعد الاقتراع المقرر في العاشر من أكتوبر المقبل، لأسباب تتعلق غالبا بالتهديدات الأمنية، التي يوجهها المرشحون، وسط دعوات لتكثيف الجهد الأمني، لتحسين بيئة الانتخابات.
وجاءت تلك الانسحابات، بعد سلسلة اغتيالات طالت نشطاء في الاحتجاجات الشعبية، وأعضاء في تحالفات انتخابية، خلال الفترة الماضية.
وتحدث مصدر داخل المفوضية لموقع "المحايد" قائلاً: "عشرات الطلبات وصلت خلال الأيام القليلة الماضية، بالانسحاب من الانتخابات، لأسباب غير مفهومة لغاية الآن، وهو ما يؤشر وجود تهديدات أو حصول مضايقات في بعض المناطق، خاصة تلك التي تشتد فيها المنافسة".
وأضاف، أن "الطلبات التي تلقتها المفوضية لغاية الآن تزيد عن 35 طلبا، لمرشحين من مختلف المناطق، وبعضهم في العاصمة بغداد، لكن المفوضية لا تقبل مجمل تلك الطلبات، بل تراعي جملة ضوابط وشروط، مثل الكوتا النسائية، وعدم تأثير هذا الانسحاب عليها".
ولفت المصدر إلى أن "القانون لم يشترط على المرشح تحديد سبب الانسحاب، وهو ما يجعلنا غير مطلعين على الأسباب الحقيقية، لتوالي الانسحابات، التي تعطي مؤشراً سلبياً عن الأمن الانتخابي في البلاد".
ويمثل التنافس المحتدم دافعا باتجاه الضغط على بعض المرشحين للانسحاب، من السباق الانتخابي، لصالح مرشحين آخرين، قريبين من تلك التوجهات، التي غالباً تتماشي مع رؤية جمهور المناطق التي تشهد مثل تلك الانسحابات، ما يعني عدم وجود عائق، أو رفض من قبل الجمهور بالتصويت للمرشح البديل عن الآخر المنسحب.
ودفعت تلك الأجواء قوى سياسية وحركات منبثقة عن الحراك الاحتجاجي الذي شهدته مناطق وسط وجنوب العراق بدءا من أكتوبر 2019 وكان وراء إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلى التهديد بمقاطعة اقتراع تشرين، فيما أعلنت أخرى عزوفها عن الانتخابات.
ورغم تحذير البعض من أنّ انسحاب القوى المطالبة بالتغيير سيفتح المجال أمام القوى ذاتها التي حكمت العراق منذ سنة 2003 والمسؤولة عن أوضاعه الكارثية للعودة إلى الحكم مجدّدا، إلاّ أن أنصار مقاطعة الانتخابات يجادلون بأنّ المقاطعة أفضل من المشاركة التي قد تصبّ في النهاية في مصلحة الأحزاب الكبيرة وما يرتبط بها من فصائل مسلّحة عبر التزوير والتهديد بالسلاح والإغراء بالمال الفاسد.
والشهر الماضي، أطلقت القوات الأمنية العراقية، حملة واسعة، لتأمين الانتخابات، إذ ستمتد على مدار أكثر من أربعة أشهر، وتستهدف في مراحلها الأولى، تقسيم المناطق وفق خطورتها، ومسح كامل للتهديدات المحتملة، ووضع الخطط اللازمة لمواجهتها، وتكثيف الجهود الاستخبارية، والتعاون مع مخبرين جدد في المناطق المرصودة، فضلاً عن ملف الأمن الالكتروني، وما يمثله ذلك من أهمية كبيرة.
واغتال مسلحون مجهولون، ضابطاً في جهاز المخابرات العراقي، الأسبوع الماضي، بمنطقة البلديات شرقي العاصمة بغداد، في حادثة هي الثانية من نوعها خلال شهرين.
وفي خطوة مفاجئة ستكون لها تأثير على تغيير المعادلات والحسابات الانتخابية أعلن الصدر، في وقت سابق، أنه لن يشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة، مبررا ذلك بـ"المحافظة على ما تبقى من العراق".
وقال الصدر إنه "بريء ممن يدعون الانتماء إلى تياره في الحكومتين الحالية والمقبلة"، مشددا على "ضرورة أن يخضع الجميع للمحاسبة".
وحذر خلال خطاب مفاجئ، من مغبة تكرار ما وصفه بـ"السيناريو الأفغاني والسوري في العراق".
ويرى مصدر سياسي، أن "هذا الإعلان الصدري هو على الأرجح "مناورة ومحاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد في العراق، ضد القوى والأحزاب الدينية الحاكمة، وتياره من ضمنها بطبيعة الحال، خاصة مع فاجعة احتراق مستشفى الحسين الخاص بمرضى فيروس كورونا، في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار".
ويشير إلى ان "استقالة وزيري الصحة والبيئة حسن التميمي، والكهرباء ماجد حنتوش مؤخرا، وكلاهما من التيار الصدري، على خلفية تصاعد الأزمتين الصحية والكهربائية في البلاد".
وأفاد مصدر مقرب من التيار الصدري بأنه "من المبكر الحديث عن انسحاب حقيقي للتيار من الانتخابات ومقاطعته لها".
ولم يكن انسحاب الصدر من الانتخابات التشريعية المقبلة، وإعلانه مقاطعتها، أمراً جديداً على الأوساط السياسية المحلية، التي تعودت سماع إعلانات انسحاباته المفاجئة واعتراضاته على العملية السياسية برمتها حيناً، وعلى سلوكيات السياسيين الذين يبغضهم لفسادهم أحياناً، ويجد نفسه محرجاً أن يُصنَف شريكاً لهم، وغاضباً على أفراد منظومته السياسية والعسكرية، وعدم امتثالها لأوامره وتعليماته بدقة.
وأثارت استقالة الصدر وإعلانه مقاطعته الانتخابات، ردود أفعال ومناشدات له بالعدول عن تلك الخطوة مع تقديم تفسيرات.
كما طرحت خطوته أسئلة عدة أهمها، هل أن الانسحاب جاء لضرورات تأجيل الانتخابات المبكرة لكسب الوقت وترتيب الأوراق وحث الجمهور الصدري ليكون أكثر جاهزية؟ وهل عدَلت الأطراف السياسية عن خوض الانتخابات المبكرة في العاشر من أكتوبر المقبل، وسارت في اتفاق غير معلن مع الحكومة لإقامتها في أبريل (نيسان) 2022؟ أو أنها أتت في إطار محاولة إرجاع سعر صرف الدولار إلى سابق عهده، وكسب الوقت في هذا السبيل، وممارسة كتلة الصدر "سائرون" ضغطاً على الحكومة لإضافة فقرة معلَنة في الموازنة لخفض سعر الصرف؟ وهو المطلب الجماهيري الملح بعد أن تضررت الطبقات العاملة والقوى الفقيرة التي تمثل غالبية جمهور التيار الصدري.
وترى مصادر سياسية مطلعة أن مقاطعة الصدر وانسحاب الحزب الشيوعي والمنبر العراقي الذي يتزعمه اياد علاوي وحزب صالح المطلك، ما هي إلا مقدمة لتأجيل الانتخابات واستمرار الكاظمي برئاسة الحكومة لولاية ثانية.