المحايد- ملفات
منذ الاقتحام الكبير للمتحف الوطني العراقي، في العاشر من نيسان عام 2003، وعشرات الآلاف من القطع الاثرية التي تعود إلى العالم القديم، منتشرة في ارجاء العالم الحاضر، تباع من خلال تطبيقات الكترونية ومواقع ومزادات بعشرات الملايين من الدولارات.
وعلى مدار 36 ساعة متواصلة، تم الاستيلاء بالكامل على اثار العراق في المتحف الوطني.
ولم تمنح الحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ سقوط النظام السابق، اهتماماً جدياً بملف استعادة الاثار المهربة إلى الخارج، بعد ان شهدت البلاد سلسلة ازمات كبرى، أمنية وسياسية واجتماعية وخدمية، وحروب داخلية، كان آخرها حرب تحرير المدن التي استولى عليها تنظيم داعش والذي عاث الاخير ايضاً بأثار العراق بيعاً ونهباً وتدميراً.
وخلال حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، تكللت جهود وزارة الثقافة والخارجية باستعادة مئات القطع والنفائس الأثرية المهربة، والتي تمت سرقة أغلبها من المتاحف والمواقع الأثرية عقب الاحتلال الأميركي للعراق، تفرقت هذه القطع في دول عدة، أبرزها الإمارات، والولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب المراقبين، فإن الجهود التي بذلت سابقاً في عهد الوزير السابق عبد الأمير الحمداني كانت واسعة وانتجت استعادة آلاف القطع الأثرية، كما أن جهود الحمداني انتجت بعدها عدة انجازات لاستعادة الاثار المهربة.
وكان الوزير الحمداني يؤكد في تصريحاته أن "معظم الأعمال الفنية القديمة والنفيسة أرسلت إلى مناطق في الخليج، واوروبا وامريكا".
وفي ايام الوزير السابق، قال المدير العام لدائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة العراقية علي عويد، ان "وزارته تمكنت من استعادة 2000 عمل فني وقطع اثرية خلال السنوات السابقة".
وخلال عام 2019، أعلن وزير الثقافة السابق، استعادة 339 قطعة أثرية تعود الى فترات متعددة ومختلفة من تأريخ العراق، مشيرة الى أن "هذه القطع تم تهريبها من العراق بشكل غير شرعي، كما اعلن الحمداني، اليوم الاحد، تسلم وزارته 1300 قطعة أثرية مستردة من السلطات الأردنية.
وبعدها مدة اعلن الحمداني، أن لدى السفارة العراقية في واشنطن آلاف القطع الاثرية المستعادة والتي تنتظر شحنها إلى العراق.
وقبل جهود الحمداني، كانت لوزارة الثقافة جهودا ايضاً في ملف استعادة الاثار المنهوبة ايام وجود جابر الجابري في وكالة وزارة الثقافة، وبين فترة واخرى كان الجابري يعلن عن استعادة المئات من القطع الاثرية عن طريق التفاهمات والتعاون العراقي مع منظمات وحكومة عالمية.
واستمراراً لكل الجهود التي بذلت من قبل الحمداني والجابري، في ملف استعادة الأثار المنهوبة، جاء الانجاز الاهم حيث استرد العراق 17 ألف لوح طيني مسماري أثري مهرب من الولايات المتحدة، هي "أكبر مجموعة" أثرية تستردها البلاد وفق وزارة الثقافة، من بين العديد من القطع ثمينة الأخرى العائدة لحضارات ما بين النهرين والتي سلبت خلال سنوات من الحروب والأزمات.
وعادت القطع الأثرية إلى الأراضي العراقية بعد على الطائرة نفسها التي تقلّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من واشنطن إلى بغداد، بعد زيارة رسمية الى واشنطن التقى فيها الرئيس الأميركي جو بايدن، وفق بيان لوزير الثقافة حسن ناظم.
وأوضح الوزير أن غالبية القطع المستردة من الولايات المتحدة تأتي من جامعة كورنيل الأميركية التي تملك أرشيفاً واسعاً لألواح مسمارية قديمة.
وعلى موقع الأرشيف الالكتروني للرُّقم المسمارية التابع للجامعة، تظهر ألواح مسمارية تعود لحقب متعددة من حضارات بلاد ما بين النهرين أسهمت في مساعدة الباحثين في الجامعة على التوصل إلى فهم أفضل للحياة اليومية لسكان تلك الحضارات القديمة.
وتوثق غالبية الألواح المستردّة "تبادلات تجارية جرت خلال فترة الحضارة السومرية"، إحدى أقدم حضارات بلاد ما بين النهرين، عمرها نحو 4500 عام، وفق بيان وزارة الثقافة.
وكانت وزارة العدل الأميركية أعلنت الثلاثاء الماضي أنها ستعيد للعراق لوحاً مسمارياً أثرياً عمره 3500 عام يوثّق جزءاً من "ملحمة غلغامش"، بعدما تبيّن لها أنّه "مُلكية ثقافية مسروقة" أُدخلت إلى سوق الفن الأميركية بطريقة احتيالية.
وتتعرض الآثار العراقية للتهريب منذ عقود طويلة، وفق ما أوضح مدير آثار وتراث البصرة قحطان العبيد لفرانس برس. ويشرح الخبير أنه "ليس ممكناً إحصاء عدد القطع الأثرية التي سرقت من المواقع الأثرية مباشرةً، لأنها غير مرقمة"، وأيضاً غير معروفة أو غير مكتشفة بعد، بالأخص في المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة.
ويوضح أن "عمليات السرقة تلك بعضها مقصود ويأتي في إطار الجريمة المنظمة"، فيما أخرى "تكون غير مقصودة، لا سيما في المناطق النائية حيث يلجأ السكان المحليين إلى البحث عن الأحجار الكريمة وبيع قطع أثرية بهدف تأمين المعيشة اليومية ولا يعرفون مدى قيمتها وأهميتها". وسرقت من متحف بغداد وحده نحو 15 ألف قطعة أثرية، و32 ألف قطعة من 12 ألف موقع أثري بعد الغزو الأميركي.
وبالنسبة للقطع التي سرقت من المتاحف، "فهي موثقة، وتمت استعادة البعض منها التي كانت تعرض في الأسواق العالمية"، وفق العبيد، من خلال هيئة الآثار والتراث العراقية.
ودمّر تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد في حزيران/يونيو 2014، الكثير من المواقع الأثرية غالبيتها في شمال العراق. ويقول خبراء الآثار أن الجهاديين دمروا قطع الآثار الكبيرة وسرقوا القطع الصغيرة للاتجار بها.
ويعمل العراق جاهداً لاستعادة الآلاف من القطع الأثرية بالتنسيق بين وزارة الثقافة ووزارة الخارجية.
وقال وزير الثقافة إن استعادة القطع من الولايات المتحدة "حدثٌ كبيرٌ، وآمل في المستقبل القريب العمل الجاد أيضاً مع سفاراتنا في العالم، وفي أوروبا تحديداً لنستعيد بقية آثارنا".