المحايد/ ملفات
يعاني قطاع إنتاج الألبان في العراق من تدهور شديد، نتيجة انهيار المنظومة الإنتاجية والانفتاح بشكل كامل على الاستيراد من الخارج، بعد عام 2003.
"مهما حاولنا النهوض نفشل فشلاً ذريعاً. ونحن أصحاب الخبرات الطويلة نواجه شيئاً أكبر منّا، يتعلق بمصالح دول سيطرت على كل شيء في العراق"، يقول سالم مشكور، وهو صاحب معمل لإنتاج الألبان في العاصمة بغداد.
ورغم كل المحاولات والمشاريع الحكومية، التي تخصص لها أمول طائلة من الموازنات الاتحادية كل عام، إلا أن الإنتاج بصورة عامة، يعاني من الفساد وسيطرة أصحاب النفوذ على مقدراته، ووجود رغبة في كبح جماح أي مشروع يعيد الحياة للمعامل والمصانع.
يقول سعد سمير، وهو مسؤول سابق في وزارة الصناعة، إن "العراق تعرض لنكسة اقتصادية كبيرة، بعد عام 2003، وما زاد الأمر سوءاً سيطرة دول الجوار على سوق السلع والبضائع بمختلف أنواعها وأشكالها".
ويضيف أن "كل محاولات إحياء معامل إنتاج الألبان في العراق فشلت؛ لأسباب بيروقراطية وسياسية واستراتيجية".
ويؤكد سمير (67 عاماً)، أن "هناك دولاً حولت العراق إلى سوق استهلاكي لبضائعها الرديئة، وبأسعار باهظة".
ويشير إلى أنه كان شاهداً على صفقات فساد كثيرة كانت تحدث داخل وزارة الصناعة من قبل وزراء جاءت بهم المحاصصة والتقسيم الطائفي، وقد حولوا الوزارة إلى "دكاكين" خاص بأحزابهم والدول التي تدعمهم، على حد تعبيره.
"أبو غريب لا يسد الحاجة"
وعن أحد أبرز الأسباب التي أدت لتدهور إنتاج الألبان، يقول المدير العام للشركة العامة للمنتجات الغذائية محمد جبار، إن "شركة تركية متخصصة في صناعة الألبان حصلت على عقد استثمار معمل ألبان أبو غريب، المصنف أكبر معامل الألبان في العراق".
كما تولّت شركة "مكأكوناين" التركية المتخصصة في صناعة الألبان، تشغيل معمل ألبان "أبو غريب" لمدة 15 عاماً، "ما أدّى إلى عزل الخبرات العراقية، حيث استولت الإدارة التركية على كل صغيرة وكبيرة في المعمل الضخم"، حسب جبّار.
ويوضح أن "هذه الشركة وأي شركة مستثمرة، لا تسمح بتطوير أداء اليد العاملة المحلية لكي يتم الاستفادة من خبراتها في فتح معامل إنتاج للألبان في أماكن أخرى"
من جهته، يقول مشكور (59 عاماً)، الذي يعمل حالياً بتجارة القماش، "في السابق كان كل شيء عراقياً ولا يسمح لمالكي المعامل مهما كان نفوذهم بالاستعانة بأي شركة أجنية، أما الآن، فكل شيء تتحكم به دولة جارة".
ويرى أن محاولات وزارة الصناعة في إعادة الحياة لمعمل ألبان "أبو غريب"، عن طريق تسليمه لشركة أجنبية "خطوة لقتل الخبرات العراقية وإنهاء أي أمل بإعادة الحياة لمعامل الألبان، التي كانت تغطي الإنتاج المحلي بمراقبة شديدة وجودة عالية".
هل من حلول؟
تقول الباحثة في الشأن الاقتصادي سوسن شاكر مجيد، في أحد بحوثها الخاصة بصناعة الألبان، إنها أجرت عملية تحليل المحتوى للتقارير الصادرة عن ديوان الرقابة المالية الاتحادي فيما يتعلق بواقع صناعة الألبان في العراق، وتم تشخيص أوجه الخلل مع وضع المقترحات للإصلاح والتطوير.
وذكرت أن أحد أسباب تدهور هذه الصناعة "ضعف السيطرة على نوعية المنتجات المستوردة التي تباع في الأسواق المحلية، حيث تبيّن وجود أالبان غير مطابقة للمواصفات العراقية".
وأضافت مجيد، أن "توقف معمل حليب الأطفال عن العمل نهائيا منذ عام 2003 لغاية الآن، كان بسبب تعرضه للدمار أثناء الأعمال العسكرية والتخريبية التي تلتها، ما أدى لدخول مادة حليب الأطفال المستورد من مختلف المناشئ وبنوعيات رديئة تؤثر سلباً على صحة الأطفال".
وأشارت إلى أن "ضعف التنسيق بين الدوائر ذات العلاقة لمتابعة إجراءات تطبيق قرار مجلس الوزراء، في حماية المنتج المحلي وحماية المستهلك من سياسة دخول منتجات مستوردة، بكميات كبيرة غير مطابقة للمواصفات القياسية، وهذا يضرّ بالمنتج العراقي".
وتبيّن مجيد أن "ضعف الدعاية والإعلان الخاص بالترويج لمنتجات الألبان، وتعريف المستهلك بمضار المواد الحافظة المضافة للمستوردة، وميزة المحلية الخالية منها، أثر سلباً على مبيعات المصنع".
وتدعو إلى "إعداد إستراتيجية وطنية لاصلاح وتطوير الشركة العامة لمنتوجات الألبان والمعامل التابعة لها وفق المنظور الدولي والاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال".
وتشير في ختام حديثها، إلى ضرورة تشكيل مجلس إدارة لكل شركة، ورفده بالمتخصصين من ذوي الخبرات والتخصص في مجال المنتجات الغذائية وتصنيع الألبان، ووضع خطة لزيادة الطاقة الإنتاجية وفق الطاقات التصميمية والمتاحة لها".