المحايد/ ملفات
تعيش عشرات الآلاف من العائلات التي تتخذ من العشوائيات والمناطق الزراعية مناطق لسكنهم الدائم، حالة من الخوف الشديد، نتيجة إطلاق حملة لإزالة التجاوزات ورفعها في مختلف محافظات البلاد.
واللافت في الأمر، وصول الجرافات الخاصة بهدم المنازل والأبنية المتجاوزة إلى مناطق لا يعلم سكانها أنهم متجاوزين على أراضي الدولة.
يقول سامي عمر، مختار إحدى الأحياء السكنية في منطقة الجمعيات في بغداد "رغم أنني أحد المسؤولين المحليين، لكني لم أكن أعرف أن حي الغريري وحي طارق شمال بغداد، ومناطق أخرى تحتوي على عشرات آلاف المنازل، بنيت على أراض تابعة للدولة".
ويضيف "محلات الدلالية ومنذ عام 2003، تبيع وتشتري تلك الأراضي تحت عنوان (زراعي/ طابو) أو (زراعي حكومي)، وكل المشترين يمضون عقود شراء الدور وبيع الأراضي السكنية في تلك المناطق وفق هذا البند".
"إلا أننا أُبلغنا مؤخراً، من قبل دائرة بلدية الشعب، بوجود الكثير من البنايات والمحلات السكنية المتجاوزة على أراضي الدولة، وتجب إزالتها"، يتابع عمر.
عامر ضياء (54 عاماً)، صاحب أحد هذه المباني، وتم تبليغه بأنه مشمول بـ"خطة البلدية لإزالة التجاوزات".
يقول "أنا مستعد لكي أُقتل أمام البناية لمنع آليات البلدية من هدم طابوقة واحدة"، مشيراً في حديثه لـ"ارفع صوتك"، إلى بناية قريبة تعود له، وتحتوي على محلات لبيع الخضار وصيدلية ومكوى ومقهى شبابي.
ويوضح عامر "بعد سقوط النظام السابق عام 2003، عرض علي أحد أصدقائي شراء الأرض التي شيدت عليها البناية، وأبرم العقد بحضور شهود من أحد المتنفذين الذي أكد أن الأرض تعود لعائلته، وكانت محجوزة لدى النظام السابق لأنه كان ينتمي لحزب إسلامي شيعي آنذاك، وتم العقد".
ويضيف بحُرقة "لقد ضحك عليّ.. دفعت عشرات الملايين لإقامة مشروع يعيل عائلتي ويوظف أبناء منطقتي، وبعد كل هذه السنين تفاجأت بأني والعشرات غيري نكسب رزقنا من أرض حرام".
"متنفذون يقسمون مناطق بغداد"
أحمد جميل، الموظف في المجلس المحلي لقضاء الفحامة الذي يشمل أحياءً واسعة من بغداد، إن "الكثير من الناس تم خداعهم، فهناك متنفذون استولوا بالقوة على أراض زراعية متروكة واسعة من بغداد، خصوصاً في مناطق شرق القناة، وافتتحوا مكاتب بأختام وعقود جاهزة لأغراض البيع والشراء".
ويوضح: "قاموا بتقسيمها، ومن خلال دفع أموال طائلة لبعض المسؤولين في الوزارات الخدمية، وسطوتهم على المناصب المهمة فيها، جلبوا إليها الماء والكهرباء وأسسوا لأنابيب كبيرة لأغراض الصرف الصحي، ربطوها بالمبازل المنتشرة وجداول القناة المخصصة لسحب مياه الأمطار".
البسطاء من المواطنين ومن يبحث عن مكان يؤويه يخلصه من شبح الإيجارات والتنقل من منزل إ آخر، فضلوا الشراء في هذه الأحياء، رغم علم بعضهم بأنها ليست أصولية، لكنهم حين ينظرون لتأسيس بنى تحتية يتصورون بأن لا أحد سيحاسبهم، كونها تمت بموافقات رسمية"، يتابع جميل.
ويبين "بعد إطلاق حملة عبير لإزالة التجاوزات، ضجت دوائر البلدية في مختلف مناطق بغداد وحتى في المحافظات الأخرى، بمئات المواطنين يومياً ممن يشتكي للدولة ممن باعهم تلك الأراضي، وأنهم تعرضوا للخداع".
ويؤكد جميل أن "الأختام المزورة، والفساد، والتهديد والابتزاز، والمحاصصة، هي ما أوصل المنتفعين إلى المناصب المهمة، وأنتج خراب بغداد الحالي وتحولها إلى عاصمة للعشوائيات والتجاوزات، التي لن تستطيع الدولة بكل قوتها إزالتها، كونها ستضطر لمواجهة أحزاب وفصائل وجهات مسلحة معروفة لدى الجميع".
ويوم الأحد الماضي، أعلنت خلية الإعلام الأمني عن تحريك قيادة عمليات بغداد دعوى قضائية ضد نائب وحمايته منعوا كوادر بلدية الدورة القيام بعملها.
وذكر البيان الذي اطلع عليه "ارفع صوتك"، أن "قيادة عمليات بغداد تابعت ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قيام أحد أعضاء مجلس النواب وحمايته بمنع كوادر بلدية الدورة في العاصمة بغداد من إزالة التجاوزات والاعتداء عليهم".
وأضاف "تم الإيعاز إلى القيادة بتحريك دعوى قضائية ضد النائب وحمايته، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم لتقديمهم للقضاء"، مبيناً أن "قوة من الفرقة 17 بالجيش العراقي قامت بمصاحبة الجهد الهندسي لبلدية الدورة، وإزالة التجاوزات على القطع السكنية الموزعة لموظفي الدولة منذ سنوات ولم يتمكنوا من الإستفادة منها بسبب هذه التجاوزات".
ودعت الخلية "جميع المواطنين التعاون مع الكوادر البلدية لإزالة التجاوزات الموجودة من أجل إظهار المدن بمظهر لائق، والحفاظ على المال العام"
الكاظمي: الحملة تستثني الفقراء
وفي بيان أصدره مكتبه الإعلامي، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن حملات إزالة التجاوزات تستثني الفقراء، بناءً على توجيه أصدره "منذ اللحظة الأولى" لإطلاق الحملة قبل أيام.
وقال الكاظمي ذلك، خلال استقباله المواطن أحمد عادل الربيعي، أحد المتضررين من حملة إزالة التجاوزات في منطقة الزعفرانية، وهو جندي سابق يعاني من بتر في الساق أصيب بها أثناء الحرب، ويشكو من تأخير معاملته التقاعدية، ولديه حاليا محل في التجاوزات يعتمد عليه في معيشته.
ولفت إلى أن "حملة إزالة التجاوزات ستستمر، لأنها تجاوز على الحق العام، وهناك عدد كبير من الأشخاص المنتفعين ممن حققوا الثروة من خلال التجاوز على أملاك الدولة، فضلا عما تسببه تلك التجاوزات، من حالات تشويه للأحياء والشوارع".
وأكد الكاظمي أنه "أوعز إلى الجهات المعنية، ومنذ اللحظة الأولى، بإيقاف تهديم تجاوزات الفقراء لحين إيجاد البديل المناسب لهم".