المحايد/ ملفات
زادت احتجاجات تشرين عام 2019 في العراق من نقمة شرائح واسعة على الطبقة السياسية، بعد ما تعرض له الآلاف من الشباب والنساء من عمليات قمع وقتل وخطف وابتزاز ضج على إثرها العالم، وتدخلت الأمم المتحدة لإيقاف ما تعرضوا له.
وجاءت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كجزء من عملية انقاذ وضع البلاد بعد استقالة الحكومة السابقة، بسبب الضغط الشعبي الكبير، خصوصاً ان حكومة عادل عبد المهدي التي أُقيلت جاءت بعد انتخابات 2018 التي شابها عزوف كبير عن التصويت وعمليات تزوير وحرق لمستودعات صناديق الاقتراع.
استبدلوا جلودهم
يقول الصحافي سالم حمدان (35 عاماً)، "لا أحد ينكر أن هناك لا مبالاة واسعة بالعملية السياسية لدى غالبية العراقيين، كما أنهم يعتقدون أن الانتخابات ما هي إلا دورة حياة للأحزاب السياسية التي أحكمت القبض على موارد الدولة منذ 2003 وإلى الآن".
ويضيف "في الانتخابات الماضية، كان هناك عزوف غير مسبوق عن المشاركة في الانتخابات، الأمر الذي أدى إلى إعادة تدوير الأحزاب لنفسها مرة أخرى، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات شعبية هي الأكبر بأعدادها وضحاياها منذ تأسيس الدولة العراقية".
ويرى أن "الأحزاب السياسية فهمت جيداً، أن العراقيين ملّوا من شخصياتهم وبرامجهم الانتخابية، لذلك ومنذ الانتخابات السابقة عمدوا إلى تأسيس حركات وأحزاب جديدة بصيغ مدنية-علمانية، بعد أن وجدوا أن النقمة الشعبية على الأحزاب الإسلامية بدأت تتسع وشملت حتى جماهيرهم".
ويرى الناشط حامد جاسم، مؤسس منتديات ثقافية عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي، أن "الأحزاب السياسية في العراق وخصوصا الإسلامية منها، حاولت خلال الفترة الماضية استبدال جلودها من خلال الاستعانة بالشخصيات المدنية للترشيح عبر قوائمها وتوجيه متحدثيها على أن يتناولوا مواضيع الحريات العامة والمساواة والتعامل بشكل إنساني مع مختلف الاتجاهات الفكرية والاجتماعية، وخصوصا بما يتعلق بحرية الدين والمعتقد والمذهب ومنح الحقوق الكاملة للمرأة".
ويضيف جاسم، "لكن الحقيقة أن هناك نفاق سياسي كبير تمارسه القيادات السياسية في سبيل استحصال أصوات الناس والحفاظ على جماهيرهم الذين بدأوا ينفرون من توجهاتهم المتطرفة".
إعلام علماني
ويؤكد سلمان سالم، العامل في مجال الإعلام التلفزيوني، أن "الأحزاب الإسلامية فتحت منذ سنوات قنوات بتوجهات مدنية-علمانية، وسمحت بظهور المذيعات ومقدمات البرامج بلا حجاب".
وتابع "كما أنها عملت على استقطاب الشخصيات المدنية من فنانات وشاعرات ومن له جمهور واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إيهام المواطنين بتوجههم المدني-العلماني، رغم كونهم إسلاميين".
بدوره يقول بهاء ناصر (45 عاماً)، أن "احتجاجات تشرين كان لها الوقع الأبرز في نفوس العراقيين كونها جاءت لتعبر عن نقمة شعبية عارمة من الطبقة السياسية التي حكمت البلاد باستغلال الدين والطائفة والمذهب".
وتابع، "لذلك فقد أسست الأحزاب السياسية تيارات مدنية جديدة في العراق، بهدف كسب أنصار تشرين وحثهم على انتخابهم في الانتخابات المبكرة، في ظل توقعات بعزوف كبير عن المشاركة في الانتخابات المقبلة بصورة أكبر من سابقاتها".
وفي مايو عام 2018، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 44,52 بالمائة.
وقال رياض البدران عضو مجلس المفوضين وقتها، إن "عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت يبلغ 24 مليونا و352 ألفا و253 عراقيا فيما بلغ عدد المصوتين في الاقتراع اليوم 10 ملايين و840 ألفا و969 ناخبا"، وبهذا فإنها النسبة جاءت الأدنى منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وفي وقت سابق، حذرت مفوضية حقوق الإنسان من تنامي ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات المزمع اجراؤها في تشرين الاول المقبل.
وقال في بيان رسمي، قالت المفوضية، إن "هناك تحديات تواجه العملية الديمقراطية في العراق وعلى الجميع أن يعي ذلك".
وأضافت أن "الانتخابات تعد من الحقوق السياسية والديمقراطية التي يجب ممارستها من دون أية ضغوط أو تهديدات أو ابتزاز للاصوات"، مشيرة إلى أن "الأمن الانتخابي سيكون الركيزة الأساسية لنجاح العملية الانتخابية".
وبينت أن "الإجبار على المشاركة والتهديد بين القوى السياسية وكذلك للناخب، فضلا عن وجود المال والسلاح السياسي، ستكون أبرز التحديات والانتهاكات أمام وجود أمن انتخابي حقيقي".
على العراقيين تغييرهم
وردا على سيل الاتهامات الموجهة من قبل المواطنين والناشطين للأحزاب الإسلامية بأنها "فشلت في إدارة البلاد وبأنها سبب كل الكوارث المجتمعية والسياسية الحاصلة"، يقول عضو تيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم، ليث عبد الرزاق، "الأحزاب الإسلامية جاءت بعد عام 2003 لتلبي تطلعات العراقيين وتوجهاتهم الدينية، لكن الأفكار المدنية جاءت دخيلة على الواقع المجتمعي العراقي".
ويضيف "تلك صناديق الاقتراع ستنصب في العاشر من تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، من يشأ فليذهب وليغير الوجوه السياسية"، مبيناً أن "المشكلة لم تكن أبداً بالأحزاب الإسلامية بل بقياداتها الذين أساءوا للنهج الإسلامي".
ويتابع عبد الرزاق، أنه "لا مشكلة من أن تكون الاحزاب إسلامية وتحكم وفق القوانين المدنية، لكن أحزاب ما بعد 2003 لوثت هذا المفهوم من خلال تشويه المدنية وتشويه تطبيقات نهج الأحزاب الإسلامية".
وعن توجه الأحزاب السياسية بتأسيس أحزاب ذات طابع مدني علماني منسجم مع تطلعات الشباب العراقي، بيّن عبدالرزاق أنه "لا ضير من تأسيس كيانات وأحزاب برؤى ومنهجية جديدة تعكس إرادة العراقيين، لكنها يجب أن لا تبطن خلاف ما تظهر، لأن مثل هكذا خطوات ستؤسس لصراع جديد بين الأحزاب التقليدية والشباب وخصوصاً المحتجين منهم".
وعن حظوظ الأحزاب التقليدية في انتخابات أكتوبر المقبل، علّق عبد الرزاق، "هذه انتخابات مهمة ومصيرية، ولا أحد يمكنه أن يخمن طبيعتها ونتائجها، لكننا نرجو المشاركة الواسعة والسعي لاختيار وجوه جديدة تمثل رغبة العراقيين في التغيير وأن تعمل المفوضية بكامل إمكانياتها لإنجاح العملية الانتخابية بعيداً عن تأثير المال والسلاح السياسي".