المحايد/ ملفات
يقترب العراق من موعد إجراء الانتخابات المبكرة التي من المقرر إجراؤها في العاشر من شهر تشرين الأول المقبل، يعقبه تنفيذ اتفاق واشنطن وبغداد بشأن انسحاب القوات الأجنبية، حيث تواجه البلاد مصيرا متأرجحاً بين "الاستقرار والفوضى".
ويحلم العراقيون بتغيير جذري بعد صراع وفساد استمرا سنوات في أعقاب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003. وبعد عامين من انتهاء حرب ضارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017، اندلعت احتجاجات حاشدة ضد النخبة الحاكمة قُتل خلالها المئات وأصيب الآلاف.
وفي وقت تسعى الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد قبل نهاية العام الجاري، تحتفظ إيران بنفوذ كبير في واحد من البلدان الرئيسية المنتجة للنفط بالمنطقة.
وتعبّر لافتات وُضعت في ميدان رئيسي جنوب البلاد عن الوضع السياسي الصعب، حيث تنتشر لوحات ضخمة تحمل صور من قُتلوا خلال الاحتجاجات للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية وتحسين الظروف.
تعرض الصور آلاف العناصر الذين قاتلت فصائلهم تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب صور مئات الشبان الذين قضوا بعد ذلك بعامين في احتجاجات ضد هذه الفصائل ذاتها.
كانت هزيمة التنظيم قد وحدت العراقيين، فصوتوا لصالح قيادات الفصائل المنتصرة في آخر انتخابات عامة عام 2018.
لكن الانتخابات القادمة، المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من المتوقع أن تكشف انقسامات متزايدة ظهرت منذ ذلك الحين وبخاصة بين الأحزاب المسيطرة على الحكم منذ العام 2003.
وتواجه فصائل شيعية، مدعومة من إيران، فصائل شيعية أخرى مناهضة للنفوذ الإيراني في البلاد، بالانتخابات المقبلة.
والنشطاء الذين خرجوا إلى الشوارع عام 2019 منقسمون أيضا، فبعضهم يقاطع الانتخابات والبعض الآخر يشارك فيها.
ويرسم التنافس الانتخابي صورة بلد يعاني فيه الساسة والفصائل المسلحة والمجتمع ذاته من انقسامات لم يسبق لها مثيل.
يقول محمد ياسر الناشط الحقوقي من مدينة الناصرية (جنوبي البلاد) إنه حتى أفراد أسرته منقسمون.
وأضاف أنه شخصيا يرفض الإدلاء بصوته، وغيره من أفراد الأسرة يريدون التصويت لأحزاب إصلاحية، وأحد أبنائه يؤيد التيار الصدري، مشيرا إلى أن زعيم التيار مقتدى الصدر الذي يحظى بشعبية ويعد بالإصلاح، له في نفس الوقت نفوذ عميق داخل الدولة وله فصيل مسلح خاص به.
ويقول بعض الساسة إن العراق يتحرك للأمام. وتُجرى الانتخابات قبل موعدها بـ 6 أشهر بموجب قانون جديد يهدف إلى مساعدة المرشحين المستقلين، في حين يشارك 167 حزبا في الانتخابات وفقا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
ولم يعد العنف الطائفي ملمحا رئيسيا، وتحسن الوضع الأمني عما كان عليه الأعوام السابقة.
ويقول مواطنون عاديون ودبلوماسيون أجانب ومحللون إن الواقع يتمثل في التناحر بين فصائل مدججة بالسلاح، تسيطر على أجهزة الدولة ومواردها ومستعدة للجوء للقوة للحفاظ على السلطة.
ويضيفون أن الاستياء الشعبي من الفساد، وضعف الخدمات، يمكن أن يخدم تنظيم الدولة أو يدفع المزيد من العراقيين للهجرة إلى الغرب.
وما ستسفر عنه الانتخابات هو ما سيحدد الاتجاه السنوات المقبلة، فإما سترفع الفصائل سلاحها في وجه بعضها بعضا أو أنها ستقسّم الغنائم فيما بينها سلميا.
يقول الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج إن الانتخابات مهمة حقيقة للتنافس فيما بين النخبة، وكيف ستعالج هذه النخبة اختلال التوازنات دون أن تتكبد خسارة كبيرة.
وأضاف أن انقسام الأحزاب الشيعية يناسب إيران طالما لا يهدد سلطة الشيعة التي جاءت بالنفوذ الإيراني إلى البلاد منذ 2003.
وتشكل الناصرية، وهي بؤرة احتجاجات مناهضة للحكومة، صورة مصغرة للمشهد السياسي في العراق.
فالأحزاب هناك تعقد تجمعاتها الانتخابية بعيدا عن الأنظار، ولا تعلّق لافتات دعائية لأن المحتجين يمزقونها.
والنشطاء الذين يترشحون يحبذون البعد عن الأنظار خوفا من فصائل مسلحة، يقول المسؤولون إنها كانت وراء أعمال قتل وترويع، وتنفي الفصائل ذلك.
وقال المرشح داود الحفاظي إن الانقسامات في الحركة الاحتجاجية جلبت عليه تهديدات من محتجين آخرين يريدون مقاطعة الانتخابات.
والتنافس الأساسي في هذه الانتخابات، بين الفصائل الشيعية المدعومة من إيران وبين فصيل "الصدر" الذي يعارض كل أشكال التدخل الأجنبي.
ويهون المرشحون الصدريون والمتحالفون مع إيران في الناصرية من شأن خلافاتهم، ويقولون إن كل طرف ينأى بنفسه عن الآخر أغلب الوقت قبيل الانتخابات.
لكن أحد المسؤولين الصدريين في بغداد قال -طالبا عدم الكشف عن هويته- إنه يخشى من اندلاع عنف إذا حقق تياره فوزا كاسحا بالانتخابات. وأضاف "الجانب المدعوم من إيران لن يسمح بذلك".
وسادت الانقسامات كذلك محافظات شمال العراق السنية وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي. وسُحقت احتجاجات في كردستان العام الماضي بعنف مما أبعد الكثيرين عن الساحة.