المحايد/ ملفات
يحتدم النقاش بين الناشطين، وقيادات انتفاضة تشرين حول مستقبل الحراك السياسي الجديد في العراق، بعد تصاعد عمليات الاغتيال مرة أخرى، وما سببته من إرباك عام في المشهد السياسي نتيجة انسحاب قوى سياسية وأحزاب لها ارتباطات بعناوين الانتفاضة ومطالبها الشعبية، من المشاركة في الانتخابات المبكرة، المؤمل اجراؤها في العاشر من تشرين الأول المقبل.
وفجر الأحد (9 أيار 2021)، فتح مسلحون مجهولون، نيرانهم تجاه الناشط البارز في تظاهرات العراق ايهاب الوزني، ليردوه قتيلاً أمام منزله في محافظة كربلاء، ليهربوا بعدها إلى جهة مجهولة باستخدام دراجة نارية.
بعدها، تعرض مراسل احدى القنوات الفضائية، لمحاولة اغتيال، حين تم اصابته بمنطقة الرأس أمام منزله ايضاً بمحافظة الديوانية، برصاصة ارقدته في العناية المركزة في مستشفى العلوم العصبية، في حالة حرجة.
جدل الانسحاب
ووسط تصاعد عمليات الاغتيال والتهديدات من الميليشيات المسلحة التي طالبت ناشطين مدنيين، وآخرين أسسوا احزاباً للمشاركة في الانتخابات، أعلن بشكل متزامن عن انسحاب جماعي، لقوى وأحزاب سياسية تأسست على اثر حراك تشرين، وجاء هذه الانسحاب، حسب أغلب قيادات الاحزاب تلك "من أجل سحب الشرعية من الانتخابات المقبلة، كونها ستجرى تحت قبضة الفصائل والمليشيات التي تقوض الدولة وتؤسس لمرحلة الانهيار التام".
وبعد اغتيال الوزني، الرجل المؤسس لتنسيقية تظاهرات كربلاء، أعلنت نحو اثنان وعشرين حركة سياسية قريبة الانسحاب من الانتخابات ومقاطعتها.
ويقول أحد قيادات حراك تشرين، في بغداد (ص.س)، إن "انسحاب الاحزاب والقوى السياسية المرتبطة بانتفاضة تشرين والتي اخذت على عاقتها ايصال مطالب الانتفاضة إلى البرلمان، من الانتخابات البرلمانية، هو النصر الذي كانت تبحث عنه قوى الظلام المسيطرة على حكم العراق منذ عام 2003".
ويتابع: "الدورة النيابية المقبلة ستكون ايرانية بامتياز، وسيتسع نفوذ الفصائل والميليشيات أكثر فأكثر، وفي المحصلة سيتجه العراق نحو الانهيار التام".
ويضيف: "المجتمع الدولي سيتعامل مع القوى السياسية التي تنتجها الانتخابات المقبلة، وسيضفي عليها الشرعية الكاملة، بحكم أنها جاءت باختيار الشعب العراقي... هناك عشرات الآلاف من جماهير تلك الاحزاب ستتجه إلى صناديق الاقتراع من أجل صعودها، بحكم الولاءات الطائفية والعرقية والدينية والمذهبية".
أما علي العبيدي (28 عاماً) والناشط في تظاهرات بغداد، فيقول ناقلاً رأي العشرات غيره، إن "انسحاب القوى والأحزاب القريبة من مطالب تشرين من الانتخابات سيسحب الشرعية بشكل أو بآخر من الانتخابات المقبلة، ستكون رسالة إلى كل العالم ان ما يجري في العراق من انتخابات، هي مغايرة لما يريده الشعب العراقي ويسعى اليه، وستكون ضربة قاصمة للنظام السياسي، حيث ستشارك أعداد ضئيلة جداً في الانتخابات مقارنة بملايين العراقيين الرافضين لهيمنة الاحزاب الموالية لإيران على حكم العراق".
أما الخبير بشؤون السياسة والمجتمع، فراس نظمي، فقد بين أن "للمقاطعة الانتخابية وجهان محتملان: إما وجه اغترابي اكتئابي عدمي يتخذ طابعاً فردياً مشتتاً دونما تنسيق أو هدف تأسيسي لما بعد المقاطعة؛ وإما وجه احتجاجي جماعي منظم يصنع من عدم التصويت تصويتاً غير مباشر ضد النظام السياسي، ويفتح أفقاً للضغط السلمي باتجاه التغيير".
ويتابع في مقال له نشره عبر صفحته على ’’فيسبوك’’، أن "خيار المقاطعة الانتخابية المطروح حالياً في العراق، لا قيمة بناءة له دونما تأسيس ائتلاف سياسي واسع يضم قوى التغيير ليؤطر المقاطعة تنظيمياً ويحيلها إلى فعل احتجاجي مدروس، وعندها تكون المقاطعة نمطاً ديمقراطياً متقدماً من المشاركة السياسية التي لا تكتفي بالإحجام الفني عن الذهاب إلى الصناديق، بل تذهب بعيداً إلى استثمار طاقة الإحجام بتحويلها إلى سلوك إقدامي لتأسيس كتلة معارضة تمارس استثمارها السياسي في الغضب المجتمعي المتصاعد. وهو استثمار قد يحصد ثماره في انتخابات أخرى لاحقة".
وختم بالقول "بعد حراكٍ ثوري لم يكتمل بل جرى ويجري تجاهله وتخوينه واغتياله كل يوم دون تحقيق للحد الأدنى من مطالبه، ومع إصرارٍ على إنكار حقوق آلاف الضحايا التشرينيين بالحد الأدنى من اجراءات العدالة الانتقالية، فالانتخابات القادمة تحديداً وليس أي انتخابات (بحدوث المقاطعة أو بدونها) لن تكون أكثر من قاطرة يستثمرها النظام السياسي للعبور إلى محطة "جديدة"، لإنعاش "شرعيته" المتآكلة، مسكوناً بوهمٍ تصفير أزماته المتناسلة".
وحسب ما اُعلن حتى الآن، فأن من بين الاحزاب والقوى السياسية التي اعلنت مقاطعتها الانتخابات المقبلة، هي (اتحاد العمل والحقوق العراقي، والحزب الشيوعي، وحزب الشعب، البيت الوطني، وحركة نازل آخذ حقي، والجبهة المدنية العراقية والاتحاد العراقي للعمل والحقوق)
كما تضمنت قائمة المقاطعين لانتخابات تشرين المقبل، (الملتقى الوطني للمساءلة والعدالة، حزب المصير الوطني، تحالف الحركات المدنية للثورة، تنسيقية رسالة معتصم، حراك موطني حق، مجلس تشرين المركزي، الحزب العراقي الليبرالي، الحراك المدني المستقل، حزب المواطنة، تنسيقية بغداد، مستمرون، تجمع السلام والتقدم، تجمع القبة البيضاء".
موقف المفوضية
إزاء المواقف المتضاربة، والآراء المتناقضة، التي تصدر من ناشطين ومدونين وناشطين وقيادات سياسية، بخصوص ’’جدوى انسحاب’’ عدد من الاحزاب والتيارات السياسية من المشاركة في الانتخابات المقبلة، حسمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الموقف الرسمي من ذلك الحراك.
وفي حديث لوسائل إعلام محلية، ذكرت جمانة غلاي، المتحدث الرسمي باسم المفوضية، إن "طلبات الانسحاب تقابل بالرفض سواء من حزب أو مرشح لحين الانتهاء من الانتخابات وتشكيل الحكومة".
وتابعت أن "إجراءات التحالف والأحزاب السياسية تنص على أنه لا يحق للحزب السياسي الدخول والخروج من التحالف بعد انتهاء فترة التحالفات الانتخابية لحين تشكيل الحكومة ولرئيس التحالف حصرا سحب أي حزب من التحالف لحين فترة انتهاء التحالفات، وفترة التحالفات انتهت الآن، أي لا يجوز الانسحاب".