مع اقتراب الانتخابات المبكرة، بدأ صراع تقاسم الحصص للحصول على رئاسة الجمهورية مبكرّاً أيضاً، لتبدأ ملامح اصطفاف مختلف القوى السياسية تظهر رويدا رويدا، وما ينطوي عليه هذا الاستحقاق من تقاسم حصص ومناصب سيادية.
الصراع على رئاسة الجمهورية كان مقتصراً على الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي حصل على حصة منصب رئاسة الجمهورية بعد عام ٢٠٠٣ حين تولاه السكرتير العام للحزب جلال الطالباني، ومن ثم فؤاد معصوم الذي تولى الرئاسة عام ٢٠١٤، وانتهاءً بالرئيس الحالي برهم صالح.
ويبدو الصراع هذه المرة سيشهد تنافساً إضافياً، بعد ظهور بوادر لدخول حزب سني إلى التنافس على رئاسة الجمهورية، بعد ما فضّل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، تولي السنة لرئاسة الجمهورية.
وبعد تصريح الحلبوسي، قال الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني بافل الطالباني، الذي هو نجل جلال الطالباني، إن "الرئيس العراقي الحالي برهم صالح، هو مرشح الاتحاد لرئاسة الجمهورية العراقية"، مؤكدا أن "رئاسة الجمهورية هي من حصة الأكراد، وتحديدا من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، وإن الاتحاد مع ترشيح برهم صالح للمنصب لدورة رئاسية ثانية".
وحصل الرئيس الحالي برهم صالح، على منصب رئاسة الجمهورية بعد منافسة محمومة مع منافسه، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية العراقي.
ورأى مراقبون في إقليم كردستان العراق، أن تصريح الطالباني، هو "رد غير مباشر على ما كان قد صرَّح به مؤخراً، رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، حول تفضيل أن يستحوذ المكون السني هذه المرة على رئاسة الجمهورية".
مصادر سياسية أبلغت "المحايد"، أن "رد الطالباني جاء أيضاً على ما تسرب من تقارير إعلامية تشير لعزم الحزب الديمقراطي الكردستاني على المطالبة، بأن تكون رئاسة الجمهورية هذه المرة من حصته".
الحزبان الكرديان الرئيسيان الديمقراطي والاتحاد، كانا بعد العام 2003 قد توافقا على تقاسم المنصبين السياديين الأولين في كل من بغداد وأربيل، على قاعدة تقلّد الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني رئاسة العراق، مقابل تولي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني رئاسة إقليم كردستان.
لكن هذا التفاهم مع رحيل الطالباني الأب كاد أن ينهار، فبعد الانتخابات العامة الأخيرة في العراق عام 2018، خاض الحزبان معركة شرسة على منصب رئيس الجمهورية العراقية، وانتهت بفوز مرشح الاتحاد برهم صالح بكرسي الرئاسة.
وبعد تصريحي الحلبوسي والطالباني، وجَّه الحزب الديمقراطي الكردستاني، ضربة قاضية لطموح صالح في ولاية جديدة لرئاسة العراق، حين قال القيادي بالحزب ماجد شنكالي، إن العملية السياسية هي من ستحدد المناصب السيادية.
شنكالي ذكر في تصريح تابعه موقع "المحايد"، أنه "من حق أي حزب الاعلان عن المناصب التي يتمنى الحصول عليها، والحديث عن ترشيح شخصيات من قبل جهة ما لا يعني أن المنصب مسجل باسم تلك الجهة وانها ستحصل عليه".
وأضاف: "من حق الاتحاد الوطني الكردستاني أن يرشح مَن يريد ونتائج الانتخابات والتحالفات التي ستجري"، مشيراً إلى أن "العملية السياسية هي من ستحدد تسمية هذه المناصب السيادية".
وأوضح شنكالي: "نسعى لأن يكون القرار الكردي موحدا خاصة في بغداد، وبعد نتائج الانتخابات سنعلن عن آلية الاستحقاق الكردي الموحد والحديث بالمجمل الآن، سابق لأوانه كون نتائج الانتخابات هي من ستحدد هذا الموضوع".
من جانبه أكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني اريز عبدالله، إن "المسألة سابقة لأوانها الآن الا انه بحكم تجربة د. برهم صالح الحالية فان الاتحاد يفضل هذه الخطوة في إعادة ترشيحه ولا يوجد هناك ترشيح رسمي".
وأضاف عبد الله: "بحكم خبرة صالح في رئاسة الجمهورية، فإننا نؤيد إعادة ترشيحه لدورة ثانية، والأيام المقبلة ربما ستشهد اتفاقيات بين الاحزاب الكردية فيما يخص مناصبها".
ورغم ما ذُكر، إلا أن مصدر سياسي مطلع من الحزب الديمقراطي الكردستاني، أبلغ "المحايد"، بأن "وفد الحزب الذي التقى الهيئة السياسية للتيار الصدري، شدد على أن تكون رئاسة الجمهورية من حصة الحزب".
وأشار المصدر إلى أن "الديمقراطي الكردستاني سيقدم مرشحه فؤاد حسين لتولي رئاسة الجمهورية، خاصةً بعد امتلاكه علاقات دبلوماسية حصل عليها بمنصبه الحالي في وزارة الخارجية".
من جانبه، يقول مصدر قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، في حديث لـ"المحايد": "نحن متمسكون ببقاء رئاسة الجمهورية العراقية بيدنا كمبدأ، كما هو واضح في كلام الرئيس المشترك للحزب، وسنعمل في هذا الاتجاه في سياق تثبيت استحقاقنا هذا، وهو سيكون محددا أساسيا لبوصلة تحالفاتنا السياسية والانتخابية".
ووسط هذا الصراع الكردي، دخل الحلبوسي إلى المنافسة على رئاسة الجمهورية، حين قال إن "من مصلحة العراق أن يكون رئيس الجمهورية سُنيا لكي يحظى العراق بدعم عربي كبير ويستعيد حاضنته العربية التي افتقدها منذ سنوات طويلة".
وتعليقا على التحركات السنية، ترى ريزان شيخ دلير النائبة عن الاتحاد الوطني الكردستاني المستحوذ على رئاسة الجمهورية لأربع دورات متتالية أن "هناك حضورا قويا لدول الجوار وأميركا في اختيار الشخصيات ولا سيما فيما يتعلق بالرئاسات الثلاث".
وأشارت إلى أن أي "تغيير في العراق يجب أن يكون من خلال الاتفاقات السياسية بين الكتل بعد الانتخابات، لكنها تقلل من أهمية ما يُشاع عن إجراء هكذا تغييرات وتعتبرها مجرد أحاديث لا غير".
وبالنسبة للأكراد، وحسب مصادر سياسية، فهم لا يرغبون بمنصب رئاسة البرلمان، إذ ليس فيه ما يستدعي التحفظ على مشاريع يرونها تضر المكون الكردي أو القضية الكردية في المستقبل المنظور.
وبالمقابل، أكدت التجربة السياسية ما بعد مرحلة 2003، أنه بات عُرفا لدى العراقيين أن الرئاسات الثلاث ما هي إلا مجرد حصص تتقاسمها الكتل الفائزة كاستحقاق انتخابي.
ولأن العراق بلد عربي ومحيطه عربي سيتفاعل بشكل كبير في رئاسة الجمهورية إذا كان فيها بُعد عربي، حسب ما يرى بعض المحللين السياسيين.
المحللون قالوا لـ "المحايد"، إن "رئاسة الجمهورية العربية ستسهم في تغيير صورة الأنماط السلوكية للقيادة العراقية".